Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 22-27)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } . أنهم آلهة : الملائكة والأصنام ومن عبدوهم من دونه : هل يملكون لكم شيئاً من دفع ضر أو جرّ نفع ؟ ! فيقول : { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ؛ فكيف تسمونها : آلهة . أو أن يقول : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أنها آلهة ؛ فليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم من الجوع وغيره ؛ كقوله : { هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } [ الزمر : 38 ] ؛ فالجواب لذلك أن يقولوا : لا يملكون مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر ؛ فكيف يذكرون ما ذكر ؟ ! يذكر - والله أعلم - سفههم وفرطهم في عبادتهم من يعلمون أنه لا يضر ولا ينفع ، وتسميتهم إياها آلهة . { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا } . يعني : في خلق السماوات والأرض ، وحفظهما ، من تعبدون من دونه . { مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } . أي : من عون في ذلك ؛ فكيف سميتموها : آلهة وشركاء في العبادة . وقوله : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } . يقول - والله أعلم - : لا يملك أحد الشفاعة إلا لمن أذن الله بالشفاعة له ، فهو لم يأذن بالشفاعة لأحد من الكفرة ؛ فذكر هذا - والله أعلم - : لقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، ولقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . أو يذكر أن من ترجون منهم الشفاعة بالمحل الذي ذكرهم من الخوف والفزع ؛ فكيف ترجون شفاعتهم ؟ ! كقوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } [ سبأ : 23 ] . أو لا يملكون مثقال ذرة ولا أصغر منه ولا أكبر ؛ فكيف يملكون الشفاعة لكم ؟ ! أو نحوه من الكلام ، والله أعلم . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } . ليس لهذا الحرف في ذا الموضع صلة يوصل بها ، ولا تقدم بعطف عليه ، وعلى الابتداء : لا يستقيم ؛ فبعض أهل التأويل يقول : كان بين عيسى ومحمد فترة زمان طويل لا يجري فيها الرسل ، فلما بعث الله محمدا ، وكلم جبريل بالرسالة إلى محمد ، سمع الملائكة ذلك ؛ فظنوا أنها الساعة قامت ؛ فصعقوا مما سمعوا ، فلما انحدر جبريل جعل كلما يمرّ بهم جلّى عنهم وكشف ؛ فقال بعضهم لبعض : { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } ، أي : الوحي . وقال بعضهم : كان الوحي إذا نزل من السماء نزل كأنه سلسلة على صخرة ، قال : فيفزع الملائكة بذلك ؛ فيخرون سجداً ، { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } ، قال : إذا انجلى عن قلوبهم { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } ، قيل : جلّى وكشف الغطاء . قال الكسائي : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ } مشتقة من الفزع ؛ كما تقول : هيبه عن قلبه وفرقه وفزع كله واحد . ومن قرأ : { فُرِّغَ } ، بالراء : أخرج وترك فارغا من الخوف والشغل ، وهي قراءة ابن مسعود . قال بعضهم - في قوله : { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } يقول : يخبرون بالأمر الذي جاءوا به ، ولا يقولون إلا الحق ، لا يزيدون ولا ينقصون . وقوله : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : لا يملكون إنشاء ذرة في السماوات والأرض ، { وَمَا لَهُمْ } في إنشائها { فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ } في إنشاء ذلك من عون ؛ فكيف تعبدونهم وتسمونهم آلهة ؟ ! . وجائز أن يكون قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ } . ذلك الفزع منهم وذلك القول منهم في القيامة ؛ فزعوا لقيامها ، وقد قرئ { حتى إذا فَزَّعَ } ، بنصب الفاء ، أي : حتى إذا فزع الله ، أي : كشف الله عن قلوبهم الفزع ، وجلا ذلك عنهم ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . هذا في الظاهر وإن كان استفهاماً فهو على التقرير والإيجاب ؛ لأنا قد ذكرنا : أن كل استفهام كان من الله ، فهو على التقرير والإيجاب . ثم لو كان ذلك ممن يكون منه الاستفهام ، لكان جواب قوله : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقولون : الله يرزقنا ؛ كقوله : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ … } [ يونس : 31 ] ، ثم قال في آخره : { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ } [ يونس : 31 ] ، فيقول لهم : فإذا علمتم أن الله هو رازقكم ، فكيف صرفتم عبادتكم عنه إلى من تعلمون أنه لا يملك شيئاً من رزقكم ؟ ! كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ } [ العنكبوت : 17 ] ؛ إنه لا يملك [ غيره ] شيئاً من رزقكم . ذكر في حرف ابن مسعود : { قل من يرزقكم من السماء والأرض قالوا الله قال إني أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } . وقال بعضهم في قوله : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من المطر { وَٱلأَرْضِ } النبات ؟ فإن أجابوك ، فقالوا : الله ، وإلا فقل : الله يفعل ذلك بكم ؛ فكيف تعبدون غيره . { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى } . يقول ذلك رسول الله لأهل مكة : إنا لعلى هدى أو إنكم لعلى هدى ، وإنا أو إياكم لفي ضلال مبين . وقال بعضهم : معناه : وإنا على هدى وإنكم لفي ضلال مبين ، ولكن ليس هذا في ظاهر هذا الكلام . وجائز أن يكون هذا على تعريض الشتم لهم بالضلال ، والكناية لذلك كما يقول الرجل لآخر في حديث أو خبر يجري بينهما : إن أحدنا لكاذب في ذلك ، أي : أنت كاذب في ذلك ، لكنه تعريض منه بذلك ليس بتصريح . وقال قتادة : هذا قول محمد وأصحابه لأهل الشرك : والله ما نحن وأنتم على أمر واحد ، والله إن أحد الفريقين لمهتد ، والفريق الآخر في ضلال مبين ، فأنتم تعلمون أنا على هدى ؛ لما أقمنا من الدلائل والحجج والبراهين على ذلك ، وأنتم لا . وقال بعضهم : قال ذلك ؛ لأن كفار مكة قالوا للنبي وأصحابه : تعالوا ننظر في معايشنا : من أفضل دينا : أنحن أم أنتم ؟ فعلى ذلك يكون في الآخرة ؛ فردّ الله ذلك عليهم في قوله : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ … } الآية [ الجاثية : 21 ] . وقوله : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . قال بعضهم : قال ذلك ؛ لأنهم كانوا يعيرون رسول الله ويوبخونه في طعنه الأصنام التي عبدوها ، وذكره إياها بالسوء ، وما يدعون عليه من الافتراء بأنه رسول الله ، فيقول لهم : { لاَّ تُسْأَلُونَ } أنتم { عَمَّآ أَجْرَمْنَا } نحن ، { وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ، وهو كقوله في سورة هود : { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] . أو أن يكون قوله : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا } ، أي : عما دنَّا من الدين . أو عما عملنا من الأعمال ، { وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أنتم عما تدينون من الدين ؛ كقوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [ الكافرون : 6 ] ، وكقوله : { لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } [ يونس : 41 ] ، وقوله : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [ القصص : 55 ] ، وإنما يقال هذا بعد ظهور العناد والمكابرة ، فأمّا عند الابتداء فلا ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } . هذا - والله أعلم - صلة ما تقدم من قوله : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، وصلة قوله : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا } ؛ كأنهم قالوا لرسول الله وأصحابه : إنا لعلى هدى ، وأنتم على ضلال مبين ؛ فقال عند ذلك جواباً لهم : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } أي : يجمع بيننا ، { ثُمَّ يَفْتَحُ } ، أي : يقضي بيننا بالحق : من منّا على الهدى ؟ ومن منا على الضلال نحن أو أنتم ؟ { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي : وهو الحاكم العليم : ما ظهر وما بطن حقيقة ، والمفاتحة هي المحاكمة ، يقال : هلم حتى نفاتحك إلى فلان ، أي : نحاكمك ، وذلك جائز في اللغة . ويحتمل قوله : { ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ } ، أي : يكشف كل خفي منا وكل ستير وباطن ؛ فيجعله ظاهر بيننا ؛ ليظهر الذي من هو على الحق من الباطل ؟ والهدى من الضلال ؟ { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } ، أي : الكاشف المظهر العليم ، يعلم الظاهر والباطن جميعاً ، والإعلان والإسرار جميعاً ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ } . أي : أروني الذين ألحقتم بالله شركاء في تسميتكم الأصنام : آلهة . أو أروني الذين ألحقتم به شركاء في العبادة . وجائز أن يكون قال ذلك للذين عبدوا الملائكة وأشركوا فيها ؛ كأن فيه إضمارا ، يقول : أروني الذين ألحقتم به شركاء : هل خلقوا شيئاً ؟ أم هل رزقوا ؟ أم هل أحيوا ؟ أم هل أماتوا ؟ فإذا عرفتم أنهم لم يخلقوا ، ولم يرزقوا ، ولا يقدرون ذلك ، وعلمتم أن الله هو خالق ذلك كله ، وهو الرزاق ؛ فكيف أشركتم من لا يملك ذلك في ألوهيته ؟ { كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } . منهم من يقول : { كَلاَّ } ردّاً على قولهم : شركاء ، أي : ليسوا بشركائي ؛ بل هو المتفرد الواحد الحكيم . ومنهم من يقول : هو ردّ على قوله : هل خلقوا شيئاً ؟ أم هل رزقوا شيئاً ؟ ! يقول : { كَلاَّ } ، أي : لم يخلقوا ولم يرزقوا ؛ بل هو الله المتفرد بذلك ، والله الموفق . قال أبو عوسجة : { فُزِّعَ } : ذهب . وقال القتبي : { فُزِّعَ } : خفف .