Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 43-50)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } . قد ذكرنا الآيات والبينات في غير موضع . وقوله : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ } : كل رسول [ يريد ] أن يصد قومه عما كان يعبد آباؤهم من الأصنام والأوثان ، لكن هذا القول من أولئك الرؤساء إغراء للأتباع على الرسل ، يقولون : ألا ترون أن واحداً قد خالف الآباء في دينهم ، ويريد أن يصدّكم عن دين آبائكم . و { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } . أي : ما يدعو محمد إليه ليس إلا إفك مفترى . و { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } . وقوله : { لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } ، أي : ما جاء للحق وهو القرآن والتوحيد من البيان والإيضاح له أنه الحق ، وأنه من عند الله جاء ، وهو الآيات والبراهين التي جاءت له أنه حق وأنه من عند الله جاء ، لا أنه مفترى وإفك وسحر ما تزعمون ، ولم تزعموا ، ولم يزل طعن أولئك الكفرة في الآيات والحجج : بأنها سحر ، وأنها إفك ، وأنها مفترى ، يلبسون بذلك على أولئك الأتباع والسفلة ، ويموهون عليهم ويغرون ؛ لئلا يتبعوه ، ويستسلموا لهم ، والله أعلم . وقوله : { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } ، وهو - والله أعلم - صلة { مَا هَـٰذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } وقالوا { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } ، وقولهم : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، يقول - والله أعلم - جواباً لقولهم : { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } فتخبرهم أن ما يقول محمد إفك مفترى ، ولا أرسلنا إليهم أيضاً من قبله رسولا يخبرهم : أنه كذب مفترى ، وظهور الكذب في القول والخبر إنما يكون بأحد هذين الأمرين إما بكتاب أو نبي ، وهم لا يؤمنون بكتاب ولا نبي ، فكيف يدعون عليه الكذب والافتراء ؟ ! يخبر عن سفههم وقلة عقولهم وعنادهم بعدما خصهم - عز وجل - وفضلهم على غيرهم من البشر ؛ حيث بعث الرسول منهم ومن أنفسهم ، والكتاب على لسانهم وبلغتهم بعد قسمهم : إنه لو بعث إليهم نذيراً ورسولا اتبعوه حيث قالوا : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } [ فاطر : 42 ] لم يؤمنوا به ، ولم يعرفوا منة الله عليهم وخصوصيتهم فيما خصهم ، والله أعلم . وقوله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } . يذكر رسوله ويصبره على تكذيب أولئك له ، يقول : قد كذب الذين كانوا من قبلهم رسلهم ، لست أنت بأول مكذب بل كذب إخوانك من قبل ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } . يقول - والله أعلم - : لم يبلغ هؤلاء الذين كذبوك عشر أولئك في القوة والغناء والفضل والعلم والأتباع والأعوان وغير ذلك مع ما كانوا كذلك لم يقوموا في دفع العذاب الذي نزل بهم بالتكذيب عن أنفسهم ، فقومك الذين هم دون أولئك بما ذكروا أحق ألا يقوموا لدفع العذاب عن أنفسهم إذا نزل بهم بالتكذيب . وقوله : { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } . يقول - والله أعلم - : أليس وجدوا عذابي حقّاً . قال الزجاج : هو " نكيرى " بالياء ، لكن طرحت الياء ؛ لأنه آخر الآية وختمها ، فأبقيت الكسرة علامة لها أو كلام يشبه هذا . قال أبو عوسجة : نكيري : عقوبتي . وقال القتبي : أي : إنكاري . وقوله : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } . قال بعضهم : { بِوَاحِدَةٍ } أي : بكلمة الإخلاص والتوحيد . وقال بعضهم : أي : بطاعة الله . وقال بعضهم : { بِوَاحِدَةٍ } أي : بكلمة واحدة ؛ كقول الرجل لصاحبه : أكلمك كلمة واحدة ، واسمع مني كلمة . لكن الواحدة التي وعظهم بها عندنا ما ذكر على أثره حيث قال : { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } جميعاً { وَفُرَادَىٰ } وتتفكروا وتنظروا فيما بينكم : هل رأى أحد منكم به جنوناً قط ؟ وقال بعضهم : يريد بالمثنى : أن يتناظر الرجلان في أمر النبي { وَفُرَادَىٰ } ، أي : تفكير واحد . وقال بعضهم : يريد بالمثنى : أن يتناظر الرجلان في أمر النبي ؛ فإن ذلك ما دل على أن النبي ليس بمجنون ، ولا كذاب على ما تزعمون . ثم كان الذي حملهم على أن نسبوه إلى الجنون وجوهاً : أحدها : أنهم رأوه قد خالف الفراعنة والجبابرة الذين كانوا يقتلون من خالفهم على الغضب في أدنى شيء بلا أعوان ولا أتباع له ، فقالوا : لا يخاطر بهذا إلا من به جنون ؛ فنسبوه إلى الجنون . والثاني : أنهم رأوه قد خالف دينهم ودين آبائهم جملة من بينهم ، فقالوا : لا يحتمل أن يصيب ديناً بعقله من بين الكل لا يصيب أحد ذلك ، فاتهموه في العقل . والثالث : أنه كان في حال صغره وصباه ، لم يروه اشتغل بشيء من اللعب وخالط الصبيان في شيء من أمورهم ، بل اعتزلهم من حال صباه إلى آن الوقت الذي بلغ ، فقالوا : إن به جنوناً وإلا لم يعتزل الناس كل هذا الاعتزال . ثم أخبر أنكم لو تفكرتم ونظرتم ثم عرفتم أن ليس بصاحبكم جنون : { إِنْ هُوَ } أي : ما هو { إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } في الآخرة إن عصيتم ، أي رسول الله إليكم ونذير مبين ، [ بين ] يدي عذاب شديد في الآخرة إن عصيتم عوقبتم في الآخرة . وقال بعضهم في قوله : { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } يقول - والله أعلم - : ألا يتفكر الرجل منكم وحده أو مع صاحبه ، فينظر أن في خلق السماوات والأرض وما بينهما الذي خلق هذه الأشياء وحده أنه واحد لا شريك له ، وأن محمداً لصادق في قوله بأن الله واحد لا شريك له ، وما به جنون إن هو إلا نذير . وقوله : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُم } ، هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أنه سأل ، قال بعضهم : إنه صلى الله عليه وسلم سأل قومه أن يودّوا قرابته وألاَّ يؤذوهم ؛ كقوله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ الشورى : 23 ] ، وما قال في آية أخرى : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الفرقان : 57 ] يقول : { مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ } يعني : المودة في القربى { فَهُوَ لَكُم } ، أي : الذي سألتكم هو لكم وهو المودة في القربى واتخاذ السبيل إلى ربي ، والثاني : قوله : { مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُم } ، أي : لم أسألكم على تبليغ الرسالة إليكم أجراً منكم ، فيمنعكم ثقل ذلك الأجر وغرمه عليكم عن الإجابة ؛ كقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ القلم : 46 ] . وقوله : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } . أي : ما أجري إلا على الله . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . بأني نذير وما بي جنون . أو هو على كل شيء شهيد بأني لم أسألكم عليه أجراً . أو على كل شيء من صنيعكم شهيد عالم به ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } هذا يحتمل وجوهاً : يحتمل : { يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } ، أي : يقضي بالحق ، أو { يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } ، أي : يتكلم بالوحي ويلقيه . وقوله : { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } . كل شيء غاب عن الخلق ، وقد ذكر في غير موضع . وقوله : { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ … } الآية ، اختلف فيه : قال بعضهم : ما يبدئ الأوثان والأصنام التي عبدوها { وَمَا يُعِيدُ } ، أي : لا تخلق شيئاً ولا تحييه ولا تميته ؛ كقوله : { وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـاةً وَلاَ نُشُوراً } [ الفرقان : 3 ] . وقال بعضهم : { وَمَا يُبْدِىءُ } الشيطان الخلق فيخلقهم { وَمَا يُعِيدُ } خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت ، بل الله يفعل ذلك . أو أن يكون قوله : { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } أي : حجج الحق ، { وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ } ، وما أبدأ الباطل ، أي : لا يقذف بحجج الحق علام الغيوب : قال بعضهم : هو ما ذكر في آية أخرى : { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ … } إلى آخر الآية [ الأنبياء : 18 ] ، قال : يزهق الباطل ويثبت الحق ، أي : نقذف بالحق على الباطل فيهلك الباطل ويثبت الحق ، وهو أيضاً ما ذكر : { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } [ الرعد : 17 ] . وقوله : { قُلْ إِن ضَلَلْتُ } ، بكسر اللام ونصبها كلاهما لغتان . قال الكسائي : تقول العرب : ضَلَّ يَضَلُّ ضلالة ، وضَلَّ يَضِلُّ بالخفض والنصب جميعاً . ثم قوله : { إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي } يخرج على وجهين : أحدهما : إن ضللت فإنما يكون ضرر ضلالي على نفسي ، لا يكون على الله من ذلك شيء ؛ كقوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] ، وقوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] . والثاني : إن ضللت فإنما يكون ذلك على نفسي ، ولا يكون على أنفسكم من ضلالي شيء ؛ كقوله : { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] ، ونحوه . وقوله : { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } ، هذا يخرج أيضاً على وجهين : أحدهما : وإن اهتديت إلى طاعة الله وشرائع الدين فبما يوحي إليّ ربي في ذلك ، أي : فبوحيه اهتديت إلى ذلك . والثاني : وإن اهتديت إلى دينه وهدايته فبتوفيقه إياي وعصمته اهتديت ، أضاف الهداية إلى الله والضلال إلى نفسه ، فهو لما ذكرنا أن كان من الله إليه لطف في ذلك ليس ذلك في الضلال ، وعلى قول المعتزلة يجيء أن يكون المعنى فيها واحداً ؛ لأنهم يقولون : إنه لا يكون من الله سوى [ الأمر ] والنهي ؛ فلا يكون منه إليه في الهداية إلا كما كان منه إليه في الضلال ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } . قال بعضهم : { سَمِيعٌ } أي : مجيب للداعي ؛ كقوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ … } الآية [ البقرة : 186 ] . وقال بعضهم : { سَمِيعٌ } لمقالتكم لمحمد ، حيث قالوا له : لقد ضللت حين تركت دين آبائك ، { قَرِيبٌ } ، أي : مجيب له . وقيل : { سَمِيعٌ } الدعاء { قَرِيبٌ } الإجابة ، والله أعلم .