Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 51-54)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } ، اختلف فيه : قال بعضهم : وذلك أنهم بعثوا بعثين قاصدين تخريب الكعبة ، فلما بلغوا البيداء خسف أحدهما والآخر ينظر وينفلت منهم مخبر ، فيحول وجهه في فقاه فيخبرهم بما لقوا ؛ وذلك قوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } من الخسف والعذاب { فَلاَ فَوْتَ } عن عذاب الله { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } . أو من تحت أقدامهم يخسف بهم الأرض ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] من تخريب الكعبة كما فعل بأشياعهم من قبل ، وهم أصحاب الفيل ؛ وعلى ذلك روي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه يغزو هذا البيت جيش حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ، فلا ينفلت منهم إلا واحد يخبر عنهم " ، قالت : يا رسول الله ، وإن كان فيهم المكره ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعثون على نياتهم " . وقال بعضهم : قوله : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } وهو عند الموت يفزعون منه ، ولا فوت لهم عنه ، { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي : على المكان . والحسن يقول : { فَزِعُواْ } من القبور { فَلاَ فَوْتَ } يقول : أخذوا عند ذلك وهو المكان القريب . وقال بعضهم : ذلك عند القيامة يفزعون عند معاينتهم العذاب ، وأفزعهم ذلك ولا يفوتون الله . { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ } . وهو كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ … } الآية [ غافر : 84 ] ؛ وكقول فرعون حين أدركه الغرق : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [ يونس : 90 ] ، ونحوه . وقوله : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } . قال بعضهم : { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أنهم سألوا الرجعة والرد أن ينالوه من مكان بعيد ؛ قالوا : من الآخرة إلى الدنيا . وقال بعضهم : أي : لا سبيل لهم إلى الإيمان في ذلك الوقت ، وقد كفروا به من قبل في حال الدعة والرخاء فلم يؤمنوا . وقال بعضهم : { مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، أي : من حيث لا ينال ولا يكون ؛ فذلك البعيد ؛ كقول الله : { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، أي : من حيث لا يكون أبداً ليس على إرادة حقيقة المكان . وقتادة يقول : هو عند الموت وعند نزول العذاب بهم ، ليس من أحد بلغ ذلك الوقت إلا وهو يؤمن ويتمنى الإيمان لكن لا ينفع ؛ كقوله : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا … } الآية [ الأنعام : 158 ] على ما ذكر . وقوله : { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } . قال بعضهم : معناه - والله أعلم - : وذلك أنهم كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة ، ويكفرون بالغيب ، ويرجمون بالظن . وقال بعضهم : { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } ، أي : يتكلمون بالإيمان من مكان تباعد عنهم ، فلا يقبل منهم ، وقد غاب عنهم الإيمان عند نزول العذاب ، فلم يقدروا عليه ، { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } ، من قبول التوبة والإيمان عند نزول العذاب بهم ، أو عند معاينتهم إياه ، كما فعل بأشياعهم من قبل ، يقول : كما عذب أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء ؛ لأنهم كانوا في شك من العذاب أو البعث والقيامة مريب . وقال بعضهم : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } من أهل أو مال أو زهرة . وقال بعضهم في قوله : { وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } : هو قولهم : هو ساحر هو شاعر كاهن . والتناوش عند عامة أهل التأويل : التناول . وقال بعضهم : الرجعة والردّ إلى الدنيا . قال أبو عوسجة : التناوش : التناول من موضع بعيد لا يكون من قريب . والقتبي يقول : { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } ، أي : تناول ما أرادوا بلوغه وإدراك ما طلبوا من التوبة من الموضع الذي لا يقبل فيه التوبة . قال أبو معاذ والزجاج : الناش في كلام العرب : الطلب ، تقول : ناشت إليه ، أي : طلبت منه ، لكن هذا ليس من باب التناوش . وقوله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } . هو ما ذكرنا من اختلافهم : منهم من قال : بين الإيمان والتوبة ، ومنهم من قال : بين شهواتهم التي كانت لهم في الدنيا ، لكن كأنه على الإيمان والتوبة ، فإنما حيل بينهم وبين القبول للإيمان والتوبة ، وإلا نفس الفعل قد أتوا به ، وإن كان على الشهوات فهو على حقيقة حيلولة الفعل ، وكذلك إن كان على تخريب البيت على ما يقوله بعض أهل التأويل ، والله أعلم . وقوله : { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } . قال أبو عوسجة : { بِأَشْيَاعِهِم } : أمثالهم وأشباههم ، فهو - والله أعلم - بأشباههم وأمثالهم في التكذيب والجحود . وقال بعضهم : هو من شيعة الرجل . وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ } ، من العذاب بأنه غير نازل بهم . وقال [ بعضهم ] : إنهم كانوا في شك من البعث والإحياء بعد الممات وشكهم وريبهم ؛ لما استبعدوا الإحياء بعد الهلاك وبعدما صاروا رماداً ، فمن هذه الحجة أنكروا ، ثم لم يروا خلق الشيء للفناء خاصة ، لا لعاقبة وحكمة ، فارتابوا في ذلك ، والله أعلم بالصواب .