Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-4)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . ما ذكر في القرآن الحمد لله إلا وذكر على أثره التعظيم لله والإجلال له على ما أنعم به [ على ] الخلق ؛ ليلزمهم الشكر له والثناء عليه ؛ نحو ما ذكر : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، ونحو ما قال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } الآية [ سبأ : 1 ] ، ونحو قوله : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ … } الآية [ الأنعام : 1 ] ، وقوله : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ … } [ الكهف : 1 ] ، وقوله : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً … } الآية [ الإسراء : 111 ] ، جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له ما ذكر على أثره ما يوجب التعظيم له والتبجيل والثناء عليه والشكر له ؛ تعليماً منه الخلق الثناء على ذلك والشكر له ، وبالله المعونة والقوة على ذلك . وقوله : { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . قال بعضهم : الفاطر : هو المتبدئ والبادئ ؛ وهو قول القتبي من أهل الأدب ، وكذلك ذكر عن ابن عباس أنه قال : " ما أدري ما { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، حتى جاء أعرابيان فاختصما في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها أنا بدأتها ، فعند ذلك عرفت " ، أو كلام نحوه . ويجيء أن يكون الفاطر هو الشاق ، أي : شق السماوات كلها من واحدة وكذلك الأرضين كقوله : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [ الانفطار : 1 ] أي : انشقت ؛ كما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } [ الأنعام : 95 ] أي الشاق . لكن جميع ما أضيف إلى الله من الشق والفطر والجعل وغيره من نحو قوله : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } كله على اختلاف الألفاظ عبارة عن الخلق ، أي : خلاق ذلك كله . وأصل الخلق في اللغة هو التقدير ، خلقت ، أي : قدرت ؛ وكذلك قال الكسائي : إن الفطر في كلام العرب هو الشق ، معناه : أنه شق من السماء ست سماوات ومن الأرض مثلهن ، ومنه الحديث : " حتى تفطرت قدماه دماً " . وقوله : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } . ففي ظاهر الآية : أنه جعل جميع الملائكة رسلا ، فإن كان على ذلك فكأنه ولى كل واحد منهم أمراً من أمور الخلق والعباد ، وإن كان على البعض فيكون تأويله : جاعل من الملائكة رسلا أو في الملائكة رسلا . ثم أخبر عن الملائكة : أنهم أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع يطيرون بها ، ليس كالطيور التي تطير بجناحين لو زيد لها جناح أو جناحان يمنعها عن الطيران ، كالأصبع الزائدة لبني آدم تمنعهم عن بعض العمل ، ولا تزيد لهم نفعاً بل تنقص ، وأمّا ما ذكر من عدد الأجنحة للملائكة فذلك لا يمنعهم عن الطيران ، بل زيد لهم قوة ومقدرة على ذلك . ثم قال : { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } قال بعضهم : يزيد في الملائكة على أربعة أجنحة ما يشاء { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من خلق الأجنحة في الزيادة { قَدِيرٌ } . وذكر أن لإسرافيل ستة أجنحة ، ولجبريل ستمائة جناح ، ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول : " أري رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل ، وله ستمائة جناح " . وقال بعضهم : { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } أي : الصوت الحسن . وقال بعضهم : الشعر الحسن . فهو فيما ذكروا من الزيادة في الأجنحة أشبه وأقرب . { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } : من الزيادة والابتداء ، ولا يصعب عليه . وقوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } . عن ابن عباس : من عافية . وقال قتادة : أي : من خير . وقال مقاتل وغيره : أي : من رزق ؛ كقوله : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ } [ الإسراء : 28 ] ، أي : من رزق ، وكله واحد ؛ إذ الخير يشتمل على العافية والرزق ، وكذلك كل واحد من ذلك . وقال بعضهم : الرحمة والغيث والمطر ، وهو ما ذكرنا كله يرجع إلى واحد من ذلك . ثم قوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } يخرج على وجهين : أحدهما : على تسفيه أحلام الكفرة في عبادتهم الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله ، يقول - والله أعلم - : تعلمون أنتم أنه ليس لكم مما تعبدون من دون الله جرّ نفع أو خير ، ولا كشف ضر عنكم أو سوء فكيف تعبدونها ؟ ! كقوله : { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ … } الآية [ الزمر : 38 ] ، أي : تعلمون أنهن لا يملكن ذلك ، والله هو المالك لذلك كله ، فكيف صرفتم العبادة إليها عنه ؟ ! أو يقول : إنكم تعلمون أن ما تعبدون من الأصنام من دون الله لا يرزقونكم ولا منها تبتغون الرزق ، ولا كانت منها إليكم سابقة نعمة ، فإنما يعبد لإحدى هذه الوجوه من يعبد : ما لسابقة نعمة ، أو نيل خير ، أو جر نفع ، أو كشف ضر ، أو دفع سوء ، أو طمع في العاقبة ، فإذا لم يكن شيء من ذلك [ من ] الأصنام ومن الله ذلك كله فكيف صرفتم عبادتكم عنه إليها ؟ ! كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ العنكبوت : 17 ] هذا إذا كان قوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } راجعاً إلى الكفرة وإذا كان ذلك راجعاً إلى المؤمنين فهو يخرج على وجهين : أحدهما : فيه قطع الطمع من الخلق والإياس عما في أيديهم ، وألا يرجوا من دونه ولا يخافوا غيره ، بل فيه الأمر بأن يروا ذلك كله من الله ، وأنه هو المالك لذلك دون الخلق . والثاني : قطع طمع الرزق من المكاسب والأسباب التي يكتسبونها والأمر فيها - أعني : المكاسب - أن يرونها تعبداً ، وأن يروا أرزاقهم من فضل الله . وعلى قول المعتزلة إذا فتح الله لأحد رحمة يقدر عبد في أن يمسك ذلك ، وإن أمسك هو قدر أن يرسل ؛ لأنهم يقولون : إن الله إذا جعل لأحد أجلا وضمن له الحياة ووفاء الرزق إلى مضي الأجل ، يجيء عدو من أعدائه فيقتله قبل انقضاء أجله واستيفاء رزقه ؛ فذلك منع - على قولهم - عن وفاء ما ضمن وما جعل له من المدة والأجل . وفي حرف ابن مسعود : { ما يفتح الله على الناس من رحمة } . وقوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } : قد ذكرناه في غير موضع . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . كأنه هو صلة ما تقدم . ثم هو على التقرير والإيجاب وإن خرج مخرج الاستفهام في الظاهر ، كأنه يقول - والله أعلم - : إنكم تعلمون أنه هو رازقكم دون من تعبدون . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } . أي : لا إله إلا هو ، فما الذي حملكم على إفككم وكذبكم أنها شركاؤه وأنها آلهة ، وأنها شفعاؤكم عند الله وأن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى - كتاب أو رسول ، وأنتم لا تؤمنون بكتاب ولا رسول فمن أين تؤفكون وتكذبون ؟ ! والله أعلم . وقوله : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } . معلوم أنهم كانوا لا يكذبونه في قوله : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ } ، ولا في قوله : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } ؛ لأنهم كانوا يعلمون أنه ليس من خالق غير الله ولا فاتح رحمة سواه إذا كان هو ممسكها ، ولا ممسك لها إذا كان هو مرسلها ، ولكن إنما يكون تكذيبهم إياه فيما يخبر أنه رسول الله إليهم ، كذبوه في الرسالة أو فيما يخبر أنه أوحي إليه من الله كذا ، أو فيما يخبر عن البعث بعد الموت أنه كائن ، وأمثال ذلك ، فأما فيما ذكرنا فلا ، وهو تعزية منه لرسوله ليصبر على تكذيبهم إياه ؛ ليعلم أنه ليس بأول مكذب ، بل قد كان إخوانه من قبل قد كذبوا من قبل فيما أخبروا قومهم عند الله ، فصبروا على ذلك ، فاصبر أنت أيضاً ؛ كقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ … } الآية [ الأحقاف : 35 ] ، والله أعلم . وقوله : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } . وإلى الله يرجع تدبير الأمور ، أي : لا تدبير للخلق في ذلك . أو يقال : إلى الله يرجع الحكم في الأمور هو الحاكم فيها ؛ كقوله : { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 10 ] ، والله أعلم .