Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 42-45)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } . هو قسمهم بالله ، ومعناه - والله أعلم - : أن العرب كانت من عادتهم أنهم كانوا يحلفون بالآباء والطواغيت ، لا يحلفون بالله إلا فيما عظم أمره ، وجل قدره ؛ تأكيدا لذلك الأمر ؛ لذلك كان قسمهم بالله جهد أيمانهم ، وقد ذكرنا معنى جهد الأيمان فيما تقدم . وقوله : { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } قيل : رسول { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } . فيه دلالة : أنهم قد وقعت لهم الحاجة ، ومستهم الضرورة إلى رسول يبين لهم أمر الدين ومصالحهم ، وما لهم ، وما عليهم ، حيث أقسموا وعهدوا أنه لو جاءهم نذير لاتبعوه واقتدوا به ، ثم تركهم لذلك العهد ؛ لما لم يروه أهلا لذلك ؛ لما كان هو دونهم في أمر الدنيا ؛ استكباراً منهم عليه ؛ ولذلك قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وإن تركوا أتباعهم نقضوا عهدهم لما رأوا مذاهب الناس مختلفة ، فظنوا أن الاختلاف يرفع من بينهم به ، فإن لم يرتفع تركوا اتباعه ، أو لمعنى آخر لا نعلمه ، والله أعلم . وقوله : { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } . قال بعضهم : يعنون : اليهود والنصارى . وجائز أن يكونوا أرادوا بذلك الأمم جميعاً ، لكنهم لم يروا الحق إلا لواحدة منها ، فقالوا : { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } ، والله أعلم . وقوله : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } : استكباراً في الأرض لما ذكرنا . وقوله : { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } . يحتمل مكرهم : ما مكروا هم برسول الله من أنواع المكر حين هموا بقتله وإخراجه ؛ كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ … } الآية [ الأنفال : 30 ] . ويحتمل أيضاً أنه لما خرج ودعا الناس إلى توحيد الله ، أقعدوا على الطرق والمراصد ناساً يقولون لمن قصد رسول الله : إنه ساحر ، وإنه كذاب ، وإنه مجنون ؛ يصدون الناس بذلك عنه ، فذلك كيدهم ومكرهم به ، وقد كان منهم برسول الله من أنواع المكر سوى ذلك مما لا يحصى . وقوله : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } . هو في الدنيا من أنواع العذاب والقتل الذي نزل بهم ، ويحتمل أن يكون ذلك في الآخرة ، والله أعلم . وقوله : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ } . قال بعضهم : ما ينظرون إلا سنته في الأولين ، وسنته في الأولين الاستئصال والإهلاك عند العناد والمكابرة . وقال بعضهم : ما ينظرون بإيمانهم إلا سنة الأولين : الإيمان عند معاينتهم العذاب ، وإن كان لا يقبل ولا ينفعهم ذلك ؛ كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ … } الآية [ غافر : 84 ] . وقوله : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } . هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ } : وهي الاستئصال عند العناد والمكابرة { تَحْوِيلاً } وإن اختلفت جهة الهلاك والاستئصال ، كقوله : { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } [ التوبة : 30 ] ، وقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [ البقرة : 118 ] لا شك أن نفس القول منهم مختلف في الكفر وسببه متفرق ، ثم أخبر أن قول هؤلاء ضاهى قول أولئك ، وشابهت قلوب بعض بعضاً ، وإن كان سبب ذلك وجهة الكفر مختلفاً ؛ فعلى ذلك سنته لا تحول ولا تبدّل وهي الاستئصال ، وإن كان جهة ذلك وسببه مختلفاً . والثاني : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ } التي سن فيهم وحكم مدفعاً ولا رادّاً ، أي : لن يجدوا إلى دفع ما سنّ فيهم وحكم من العذاب والهلاك [ دافعاً ] ولا رادّاً ؛ كقوله : { وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً } [ النساء : 121 ] . والثالث : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ } وهي إيمانهم الذي يؤمنون عند معاينتهم العذاب وعند نزوله بهم { تَحْوِيلاً } و { تَبْدِيلاً } ، أي : يؤمنون لا محالة ولكن لا ينفعهم ذلك في ذلك الوقت . والرابع : أن كل سنّة سنها في كل قوم وكل أمة وإن اختلفت ، لن تجد لذلك تحويلا ولا تبديلا ، والله أعلم . وقوله : { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . هذا يخرج على وجوه : أحدها : قد ساروا في الأرض ، ونظروا إلى ما حل بأولئك بالتكذيب والعناد ، لكن لم يتعظوا بهم ، ولم ينفعهم ذلك . والثاني : على الأمر : أن سيروا في الأرض ، وانظروا ما الذي نزل بأولئك ؟ ومم نزل ؟ واتعظوا بهم ، وامتنعوا عن مثل صنيعهم . والثالث : أنهم وإن ساروا في الأرض ونظروا في آثارهم لم ينفعهم ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } . أي : أنهم كانوا أكثر عدداً وأشد قوة وبطشاً منكم ، ثم لم يكن لهم دفع ما نزل بهم وحل ، فأنتم يا أهل مكة مع قلة عددكم وضعفكم لا تقدرون على دفع ذلك عن أنفسكم . وقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } . الإعجاز في الشاهد يكون بوجهين : أحدهما : الامتناع ؛ يقول : لا يقدر أحد أن يمتنع عنه ومن عذابه . والثاني : القهر والغلبة ؛ يقول : لا يسبق منه بالقهر والغلبة ، بل هو القاهر والغالب على خلقه { إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } . وقوله : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ } : من المعاصي والمساوي ، { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } ، أي : على ظهر الأرض ، ووجهه : اكتفاء بما سبق من ذكر الأرض ، وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [ فاطر : 41 ] . أو علم الناس وفهموا من ذكر الظهر : ظهر الأرض ؛ لما على ظهر الأرض يكتسب ما يكتسب . ثم قوله : { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } قال بعضهم : المراد بالدابة : الممتحنون المميزون وهم بنو آدم خاصة ؛ لأنهم أهل اكتساب واجتراح ؛ إذ قد ذكر الإهلاك بما يكتسبون ، وهم أهل الاكتساب دون غيرهم من الدواب . وقال بعضهم : كل دابة من البشر وغيره ؛ لأن غيره من الدواب إنما أنشئت للبشر ولحوائجهم لا لحاجة أنفسها أو لمنفعة لها حيث قال : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [ البقرة : 29 ] ، وقوله : { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } [ الجاثية : 13 ] ، فإذا كان غيرهم من الأشياء منشأة لهم ، فإذا أهلكوا هم أهلك ما كان منشأ لحوائجهم ولمنافعهم ، ولا يكون إهلاك ما ذكرنا من الدواب خروجاً عن الحكمة [ على ] ما يقول الثنوية ؛ إذ ليس من فعل الحكيم الأمر بذبح أسلم الدواب والانتفاع بلحمها . قيل : هكذا إذا كانت تلك منشأة لأنفسها ولمنافعها ، فأما إذا كان ما ذكرنا أنها منشأة لنا ولمنافعنا فجائز الانتفاع بها مرة بعينها ومرة بلحمها ، ولا يكون فعل ذلك ولا الأمر به غير حكمة . ثم الفرق بين إباحة الانتفاع بلحم أسلم الدواب وحظر لحم الضارة منها والمضرة ، لأنه جعل حفظ ما ليس بضار ولا مضر إلينا ، وعلينا جعل مؤنتها والذب عنها ودفع المضر ، فأما الضارة منها والمضرة فهي ممتنعة بنفسها متحملة مؤنتها ؛ كذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله : { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } . أي : لم يؤاخذهم بما كسبوا على ظهرها لما جعل لهم من المدة ؛ أحب أن ينقضي ذلك ، ويفي بما جعل لهم من المدة وما ضرب لهم من الوقت . { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } . أي : عن بصيرة وعلم بكسبهم وصنيعهم ، وما يكون منهم ضرب لهم المدة والوقت الذي ينتهون إليه ، ويبلغون آجالهم ، لا عن جهل ، بل لم يزل عالماً بما يكون منهم ، لكن لما كان ضرر ذلك الذي علم أنه يكون منهم راجعاً إليهم أنشأهم وجعل لهم المدة ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع ، والله أعلم . قال القتبي : أساور : جمع سوار ، وهو الذي تجعله المرأة في معصمها ، والنصب : الشدة والتعب ، واللغوب : الإعياء ، لغبت بنفسي ألغب لغوبا ، فأنا لاغب ، وألغبت غيري ، أي : كلفته حتى أعياه ؛ وهو قول أبي عوسجة ، والاصطراخ : صياح الضجر ، والمقت : البغض .