Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 1-12)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : يا إنسان ، يعني : يا محمد أقسم به : يا محمد ، إن هذا القرآن من عند الله نزل ، وهو بلسان الحبشة . وقال بعضهم : وهو بلسان طيئ . وقتادة يقول : قسم ، أقسم بالقرآن : إنك لمن المرسلين ، ويقول : كل هجاء في القرآن فهو اسم من أسماء القرآن . وقال بعضهم : هو من فواتح السورة . وقال بعضهم : فواتح يفتتح بها كلامه . وقال بعضهم : اسم من أسماء الرب . وعن معاذ بن جبل وكعب - رضي الله عنهما - قالا : { يسۤ } قسم أقسم الله به يا محمد ، { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } دل أن الخطاب به على أثر قوله : { يسۤ } على أنه هو المراد بقوله : { يسۤ } ؛ إذ لا يستقيم الخطاب بقوله : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلا على سبق خطاب له وذكر اسمه . وقال عكرمة : هو حرف من الهجاء الذي افتتح به السور كسائر حروف الهجاء . وقال بعضهم : هو من حروف الهجاء التي أقسم الله بها ، بما يتلو تلك الحروف من القرآن والآيات والكتاب ؛ إذ من عادة العرب القسم بكل ما عظم خطره وجل قدره . فإن قيل : كيف أقسم بالقرآن وهم كانوا ينكرون القرآن أنه من عند الله ؟ ! قيل إنهم وإن كانوا ينكرونه ، فقد عظم قدره وجل خطره عندهم بما عجزوا عن إتيان مثله بعد قرع أسماعهم بقوله : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ … } الآية [ الإسراء : 88 ] ونحوه . والثاني : أقسم به وإن كانوا ينكرونه ؛ لما أن قسمه به يحملهم على السؤال عنه ؛ إذ كانوا لا يقسمون إلا بما عظم قدره وجل خطره ، يقولون : ما هذا القرآن الذي أقسم ربنا به ؛ ألا ترى أنه قال : { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، فكأنه على سؤال خرج على هذا أنه { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، وأن يكون القسم به وبغيره من الأشياء التي عظم خطرها عندهم ، على إضمار القسم برب هذه الأشياء وبإلهها ؛ هذا على قول من يقول بأن القسم بالله حقيقة لا بتلك الأشياء - مستقيم ، وعلى قول من يجعل القسم بها لا على الإضمار هو ما ذكرنا . وقوله : { ٱلْحَكِيمِ } . أي : المُحْكَم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على ما وصف . وقال بعضهم : المحكم بالحلال والحرام ، والوعد والوعيد ، من غير أن يكون فيه اختلاف . وقال بعضهم : الحكيم ؛ لأن من تمسك به وعمل بما فيه يصير حكيماً . وقوله : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . ولم يقل : إنك لرسول الله ، وكلاهما سواء ، غير أن قوله : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين آمنوا بهم من قبل وصدقوا بهم [ ففيه ] زيادة ، ليس ذلك في قوله : ( إنك لرسول ) ، والله أعلم . وقوله : { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . قال بعضهم : المستقيم : القائم بالحجج والبراهين ، ليس بالهوى كسائر الأديان والسبل . وقال بعضهم : المستقيم : المستوي ، أي : مستوٍ ؛ على أن من يسلكه أفضاه - أي : الله - وبلغه إلى دار السلام . وقال بعضهم : المستقيم ، أي : استقام بالحق والعدل والصدق ، لا زيغ فيه ، ولا جور ، ولا عدول ، ولا اعوجاج . ويحتمل أن يكون ذلك وصف النبوة والرسالة التي تقدم ذكرها . ويحتمل وصف الدين ، وذلك عامة قول أهل التأويل ، والله أعلم . وقوله : { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } . أي : ذلك القرآن الذي أقسم به { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، أي : من عنده نزل وأحكم ، سمّى نفسه : عزيزاً رحيماً عظيماً لطيفاً ظاهراً باطناً أولا آخراً ، وفي الشاهد من وصف بالعزّ لا يوصف بالرحمة ، ومن وصف بالعظم لا يوصف باللطافة ، ومن وصف بالظاهر لا يوصف بأنه باطن ، ومن وصف بالأول لا يوصف بالآخر ؛ ليعلم أن المعنى الذي وصف به الخلق غير الذي وصف به الربّ - تبارك وتعالى - لأن من وصف من الخلق بواحد مما ذكرنا لم يستحق الوصف بالآخر ، [ فدل ] أن ما وصف به الرب - تبارك وتعالى - غير ما يوصف به الخلق ، تعالى الله علوّاً كبيراً . وقوله : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } اختلف فيه : قال بعضهم : { لِتُنذِرَ قَوْماً } مثل الذي أنذر آباؤهم من الآيات التي أقامها ، فلم يقبلوها { فَهُمْ غَافِلُونَ } أميون . وقال بعضهم : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } ، أي : لتنذر قوماً أميين لم ينذر آباؤهم ، يقول قائل : لم تكن النذارة للأميين من قبل ، كأنه يقول : لتنذر قوماً أميين لم ينذر آباؤهم الأميون من قبل ؛ وكذلك قال : { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ غافر : 42 ] ؛ وهو كقوله : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } [ السجدة : 3 ] ، وقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } [ سبأ : 44 ] ، أي : لم نرسل إليهم قبلك نذيراً ، وأصله : أنه يخبر أنه لا ينجع في هؤلاء النذارة كما لم ينجع في آبائهم ، بل هم غافلون . ثم الإنذار يحتمل أن يكون بالنار في الآخرة والتعذيب بها ، ويحتمل الآيات التي أقامها في الدنيا والقتل فيها ، والله أعلم . وقوله : { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } . قيل : هو قوله لإبليس حيث قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] و { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] ، أي : حق ذلك القول ووجب . ثم يحتمل ذلك في الذي ذكره بعض أهل التأويل : أن نفراً هموا برسول الله قتله وأذاه ، فأهلكهم الله يوم كذا إلا واحدا أو اثنين . ويحتمل أن يكون ذلك في جميع مكذبيه ورادّي رسالته ويتأسى أتباعه ، ولا شك أن أكثر من بعث هو إليهم كانوا كذلك لهم في الآخرة أو في قوم خاص علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ ألا ترى أنه قال على أثر ذلك : { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } . ثم في قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [ الأعراف : 18 ] ، وقوله : { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } نقض قول المعتزلة ورده عليهم ؛ لأنه وعد - عز وجل - أنه يملأ جهنم بمن ذكر ، فيقال لهم : أراد أن يفي بما وعد أم لا ؟ فإن قالوا : لم يرد ، فيقال : أراد ، إذن أن يخلف ما وعد وذلك وحش من القول سرف . وإن قالوا : أراد أن يفي بما وعد ، لزمهم أن يقولوا : أراد أفعالهم التي فعلوا فيلزمهم قولنا ، وبالله العصمة . وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } . يحتمل أن يخرج على التمثيل ، ويحتمل على التحقيق : فإن كان على التمثيل ، فهو وصفه إياهم بالبخل ، والكف عن الإنفاق على الفقراء والمساكين وأهل الحاجة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [ الإسراء : 29 ] نهاه عن البخل والكف عن الإنفاق كمغلول اليد لا يقدر على الإنفاق ، ليس على إرادة غل اليد حقيقة ولكن على ترك الإنفاق ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ذلك وصفاً لهم بالبخل وترك الإنفاق عليهم . وإن كان على حقيقة الغل والأعناق ، يحتمل ما قاله أهل التأويل : إن أبا جهل - لعنه الله - حلف لئن رأى محمداً ليدمغنه ، فأتاه أبو جهل وهو يصلي ومعه حجر ، فرفع الحجر ؛ ليدفع به النبي صلى الله عليه وسلم فيبست يده إلى عنقه وألزق الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه قال رجل : أنا أقتله ، فأخذ الحجر ، فلما دنا منه طمس الله بصره ، فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ، وسمع قراءته ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ؛ فذلك قوله : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } . ويحتمل أن يكون ذلك لهم في الآخرة إن كان على التحقيق ؛ وهو كقوله : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ } [ غافر : 71 - 72 ] ، وقوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] ، ونحو ذلك مما ذكر ؛ فيكون قوله : { جَعَلْنَا } ، أي : سنجعل ذلك لهم ، وذلك جائز في الكلام ؛ كقوله لعيسى حيث قال : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] أي : يقول له يوم القيامة ، فهو بعيد غير معقول ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } ، { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً … } إلى آخر ما ذكر في الآخرة ، أي : سنجعل لهم في الآخرة ذلك . ويحتمل أن يكون فعل ذلك لهم في الدنيا من قصدهم برسول الله ما قصدوا ، حتى لم يجدوا السبيل إليه لا من بين يديه ولا من خلفه ولا من جهة من الجهات . أو أن يكون قوله : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } على التمثيل ، أي : جعلنا بينهم وبين الحق سدّاً من أمام ومن خلف ، فأغشينا أبصارهم فلا يبصرون الحق أبداً ، وذلك في القرآن كثير ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } . إن الغل يكون طرفه في العنق ، وطرفه الآخر في اليد ؛ فتكون اليد اليمنى مغلولة إلى العنق ، وعلى ذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأ : { إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا } ، وفي بعض الحروف : { في أيديهم أغلالا } . وقوله : { فَهُم مُّقْمَحُونَ } . قال بعضهم : رافعو رءوسهم إلى السماء ؛ لأنه كذلك يكون إذا غل عنق المرء إلى الذقن لا يستطيع أن ينظر في الأرض ، وكذلك قيل للإبل إذا شربت الماء : أقمحت ، أي : رفعت رأسها . وقال بعضهم : الإقماح : هو غض البصر . وقال أبو عوسجة والقتبي : المقمح : الذي يرفع رأسه ويغض بصره ، ويقال : غاضّ طرفه بعد رفع رأسه ، جمعت أيديهم إلى أعناقهم . وقوله : { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } . قد قرئ بالرفع والنصب والخفض جميعاً : فمن قرأها بالرفع فهو على الابتداء ، ومن قرأها بالخفض فهو على النعت ؛ كقوله : { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } { تَنزِيلَ ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ، ومن قرأ بالنصب فعلى القطع ؛ لأن الكلام قد تم دونه . وقوله : { فَأغْشَيْنَاهُمْ } . بالغين والعين جميعاً : فمن قرأ بالغين فهو من الغشاوة ، ومن قرأ بالعين فهو من قوله : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الزخرف : 36 ] وهو من الإعراض . وفي قوله : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } وجهان من الاستدلال على المعتزلة لقوله : { فَأغْشَيْنَاهُمْ } أضاف إلى نفسه وإن كان منهم صنع ، ويجوز أن يستدل بخلق أفعالهم منهم . وقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } : ومن لم يتبع ، { وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ } : ومن لم يخش . أو إنما ينتفع بالذكر من اتبع الذكر وخشي الرحمن ، فأما من لم يتبع الذكر ولم يخش الرحمن فلا ينتفع . أو أن يكون فيه إخبار بإنذاره من اتبع الذكر ، وليس فيه نفي عن إنذار من لم يتبع الذكر ولا تخصيص منه بالإنذار أحد الفريقين دون الآخر ، والله أعلم . والذكر يحتمل القرآن ، ويحتمل غيره من الذكرى ؛ كقوله : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] . وقوله : { وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ } . بالغيب : بالآثار والأخبار التي انتهت إليهم من غير مشاهدة وقعت لهم ، أو بالغيب بما رأوه من آثار سلطانه وقدرته هابوه وخشوا عذابه ونقمته ، والله أعلم . وقوله : { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } . يحتمل البشارة بالمغفرة عما سلف من الذنوب والإجرام إذا رجعوا عنها ، أو عن تقصير كان منهم في الفعل في خلال ذلك ، وإن اعتقدوا في الجملة ألا يخالفوا ربهم في فعل ولا في قول ؛ إذ كل مؤمن يعتقد في أصل إيمانه ترك مخالفة الرب في كل الأحوال ، وإن تخلل في بعض أحواله تقصيراً ومخالفة الرب بغلبة شهوة أو طمع في عفوه ورحمته . { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } قيل : حسن ، ويحتمل تسميته : كريماً ؛ لما يكرم كل من نال ذلك ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ } . كأنه - والله أعلم - يذكر هذا ليس في موضع الاحتجاج عليهم ، ولكن على الإخبار أنه هو محييهم إذا ماتوا . وقوله : { وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } . قال عامة أهل التأويل : نكتب ما قدموا وآثارهم و [ ما ] أسلفوا في حياتهم وعملوه ، ونكتب أيضاً آثارهم وهو ما سنوا من سنة من خير أو شر فاقْتُدي بهم من بعد موتهم ، على ما ذكر في الخبر : " إن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة ، فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يقوم القيامة ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " ؛ وهو كقوله أيضاً : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] . وقال بعضهم : { وَآثَارَهُمْ } أي : خطاهم التي خطوها في الخير والشر . وقال قتادة : لو كان الله مغفلا شيئاً من شأنك يابن آدم ، أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار ، وروي على هذا عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - قالا : " إن الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد [ فأرادوا ] أن ينتقلوا قريباً من المسجد ، فنزل : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن آثاركم تكتب " فلم ينتقلوا ، فإن ثبت هذا فهو دليل لمن يقول بالآثار : الخطا . وقوله : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } . أي : كل شيء من أعمالهم من خير أو شر محصى محفوظ { فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } . يحتمل قوله : { فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } ، أي : في الكتاب الذي تكتب [ فيه ] أعمالهم في الدنيا ؛ كقوله : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] أي : بكتابهم الذي كتبت أعمالهم فيه ؛ ألا ترى أنه قال : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ … } الآية [ الحاقة : 19 ] . ويحتمل { فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } : في أم الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، والله أعلم .