Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } . يحتمل الأمر لرسوله بضرب مثل أصحاب القرية لقومه وجهين : أحدهما : أن الخبر قد كان بلغ هؤلاء ، أعني : خبر أصحاب القرية التي بعث إليهم الرسل ، وما نزل بهم بتكذيبهم الرسل وسوء معاملتهم إياهم ، إلا أنهم قد نسوا ذلك وغفلوا عنه ، فأمرهم بالتذكير لهم والتبيين ؛ ليحذورا عن مثل صنيعهم وسوء معاملتهم رسولهم . والثاني : يحتمل أن لم يكن بلغهم خبر أولئك وما نزل بهم بسوء معاملتهم الرسول ، فأمره أن يعلم قومه ذلك ويبين لهم ، فيسألون عن ذلك أهل الكتاب ، فيخبرونهم بما كان في كتبهم ؛ فيعرفون صدق رسول الله فيما يخبرهم ، فيكونون على حذر عن مثل صنيعهم ومعاملتهم الرسل ؛ وعلى ذلك تخرج هذه الأنباء والقصص المذكورة في الكتاب على هذين الوجهين ، والله أعلم . وقوله : { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } . أي : قوينا بثالث ، اختلف فيه : قال بعضهم : إن عيسى بن مريم كان بعث إليهم أولا رسولا فأتاهم ، فدعاهم إلى التوحيد ، وأقام على ذلك حججاً وبراهين ، فكذبوه وقالوا : ما نعرف ما تقول ، ثم بعث من بعده رسولين فقال لهما ذلك الرسول : إنهم سيكذبونكما كما كذبوني قبلكما وسيقولون لكما إذا دعوتماهم إلى التوحيد : ماذا تحسنان ؟ فإذا قلتما : نبرئ الأكمه والأبرص ، قالوا : فينا من يحسن ذلك ، فإن قلتما : نشفي المريض ، قالوا : فينا من يحسن ذلك ونحوه ، ولكن قولا أنتما : نحيي الموتى ، وأنا أقول لهم : إني لا أحسن أنا ؛ فهو قوله : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } أي : قوّينا وشددنا بثالث ، ففعلوا ذلك فقالوا عند ذلك : قد تواشيتم علينا بهذا الكلام ، أو تواطأتم ، أو كلام نحوه ، فأخذوا وعذبوا وأهلكوا ؛ وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه : ومنهم من يقول : بعث أوّلا رسولان فكذبوهما ، فبعث ثالث بعد ذلك { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } ، أي : عززنا الرسولين بثالث ، أي : قويناهما . وقرأ بعضهم : { عَزَزْنا } بالتخفيف ، أي : غلبنا . لكن ذكر أنهم قتلوا جميعاً وأهلكوا - أعني : الرسل - فكيف يكون الغالب مقتولا مهلكاً ؟ ! ويجوز أن يكون المقتول مقوِّيا ؛ دل أن قراءة من يقرأ بالتخفيف ضعيف والأول أقوى وأقرب ، والله أعلم . وقوله : { فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ * قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } . وكذلك قول أهل مكة لرسول الله : إنه ساحر وإنه مجنون وإنه مفتر مختلق ، وقولهم : { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } . وقوله : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } . لما أيسوا من إيمانهم وتصديقهم إياهم ، فزعوا إلى الله ، وتضرعوا إليه . أو أن يقولوا بأن الله أعلم بما أطلعكم بأنا إليكم لمرسلون بالحجج والآيات . وقوله : { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } . أي : ليس علينا من ترك إجابتكم لنا ورد الرسالة شيء ، إنما ذلك عليكم . وقوله : { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } . دل هذا القول منهم على أنه قد نزل شيء من العذاب والشدة حتى تشاءموا بهم ذلك ولم يزل عادة الكفرة التطير بالرسل عند نزول البلاء بهم ؛ كقوله : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } [ النمل : 47 ] ، وقوله : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ … } الآية [ الأعراف : 131 ] . وقوله : { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } . يقول - والله أعلم - : شؤمكم معكم حيثما كنتم ما دمتم على ما أنتم عليه من العناد والتكذيب ، ويذكر أهل التأويل : أن القرية كانت أنطاكية وأن الذي بعث هؤلاء الرسل إليهم عيسى - صلوات الله عليهم أجمعين - ولكن لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . وقوله : { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } . قال بعضهم : تشاؤمكم معكم أين كنتم وحيثما كنتم ، ما دمتم على ما أتنم عليه . وقال بعضهم : طائركم معكم إذ ذكرتم فلم تقبلوا التذكير ونحوه . ويحتمل وجهاً آخر : أن الذي أصابكم كان مكتوباً في أعناقكم ، أئن وعظتم بالله تطيرتم بنا { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } .