Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 45-50)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . اختلف في قوله : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } : قال قائلون : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } : ما كان من عقوبات الله ووقائعه فيمن كان قبلكم من عنادهم في آياته وتكذيبهم رسله ، يقول : اتقوا ذلك واحذروا نزوله عليكم ، فسمى : بين أيديهم ؛ لأنه مضى بين أيديهم ، وما خلفهم من أمر الساعة وعذابها سمى : خلفا ؛ لأنه بعد ورائهم غير مأتي ، يقول : احذروا ذلك . وقال قائلون : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } هي عقوبات الآخرة هي بين أيديهم ستأتي بهم وستنزل ، { وَمَا خَلْفَكُمْ } ما مضى من العقوبات التي نزلت بمن كان قبلكم ؛ فصار ذلك وراءً وخلفاً ، يقول : احذروا ذلك . وجائز أن يكون غير هذا يقول - والله أعلم - : احذروا ذنوبكم التي عملتم ومعاصيكم التي عصيتم في الدنيا ، واحذروا أيضاً ما تسنون أيضاً لمن بعدكم ؛ كقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] : ما قدمت : ما عمل هو ، وما أخرت ما سن لغيره من بعد . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . أي : إذا فعلتم ذلك استوجبتم الرحمة بفضله ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } . هذا - والله أعلم - في قوم خاصة اعتادوا العناد والمكابرة في رد الآيات والإعراض عنها ؛ لما كان سؤالهم الآيات تعنتاً لا سؤال استرشاد ، ولو كان سؤالهم سؤال استرشاد ، لكان قد أنزل لهم من الآيات وأتاهم ما يلزمهم قبولها والتمسك بها . ثم الإعراض والعناد يكون بوجهين : أحدهما : يعرض عنها ؛ لما لم تقع له ؛ لترك التأمل والنظر فيها . والثاني : يعرض عنها إعراض عناد بعد التحقيق والتيقن والعلم بأنها آيات ، والله أعلم . وقوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله } . يحتمل قوله : { أَنفِقُواْ } أي : صلة الأرحام والقرابات على حقيقة الإنفاق . ويحتمل : أن اقبلوا الإنفاق وهو الزكاة بقوله : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } الآية [ فصلت : 6 - 7 ] أي : لا يقبلون الإيتاء ، والله أعلم . وقوله : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } . بهذا قالت المعتزلة في قولهم : إن الله لا يفعل إلا ما هو أصلح له في الدين ، يقولون : لو كان الإنفاق والرزق أصلح لهم في الدين لرزقهم الله على ما رزقنا . فيقال للمعتزلة : أمره إياهم بالإنفاق على من ذكر لا يخلو من أن يكون النفقة لهم والرزق أصلح في الدين ، ثم لم يرزقهم ولم يوسع عليهم ، وإما أن يكون المنع أصلح لهم وترك الإنفاق : فإن كان الأول فقد ترك فعل ما هو أصلح في الدين ، أو الثاني ، فقد أمر هؤلاء بفعل ما هو ليس بأصلح ، فكيفما كان ، ففيه دلالة أن ليس على الله حفظ الأصلح للخلق في الدين ، إنما عليه فعل ما توجبه الحكمة وحفظ ما يكون حكمة ، وهؤلاء لم ينظروا إلى ما توجبه الحكمة ، وفي الحكمة الامتحان والابتلاء : هذا بالسعة وهذا بالشدة والضيق ؛ ثم أوجب على من وسع عليه في فضول ماله حقّاً لهذا الفقير والمضيق عليه ، وبين ذلك الحق ، وبيّن قدره وحدّه ، ليتأدى بذلك شكره ، وضيق على هذا ، يطلب منه الصبر على ذلك إن منع هذا حقه ، وإلا لم يسبق ممن وسع عليه ما يستوجب به تلك النعمة والسعة ، ولا ممن ضيق عليه ما يستوجب ذلك ، ولكن محنة يمتحنهم بها : هذا بالشدة والضيق ، وهذا بالسعة والكثرة ، هذا مأمور بالشكر وأداء ما أوجب عليه في ماله ، وهذا بالصبر على حاجته إن منع حقه ؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ، ولو شاء الله لجعلكم فقراء لا يغنى عنكم شيئاً ، لكنه ابتلى بعضهم ببعض لينظر كيف عطف [ الغني ] وكيف صبر الفقير " . وقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } . قال بعضهم : هذا قول الكفرة للمؤمنين ، لم يكتفوا بذلك القول الذي قالوه ، ولكن نسبوهم إلى الضلال والجهل . وقال بعضهم : هذا القول من الله جواب لهم ، لقولهم : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } ، والله أعلم . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . ليس بصلة على ما تقدم من الكلام ، كأنهم خوفوا بترك الإنفاق بالعذاب ، فقالوا عند ذلك : { مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . ثم قال : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } . أي : ما ينظرون لإيمانهم إلا ذلك الوقت ، يقول - والله أعلم - : إنهم إذا بلغوا ذلك الوقت وعاينوا ذلك ، فعند ذلك يؤمنون ، لكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت ؛ لقوله : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] . وقوله : { تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } . يخبر عن سرعة قيام الساعة وغفلة أهلها عنها ؛ كقوله : { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } [ الشعراء : 202 ] أي : فجأة ، وهم لا يشعرون ، وعلى ذلك روي في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقوم الساعة والرجلان يتبايعان الثوب ، فلا يقومانه حتى تقوم الساعة " . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله : { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } فقال : " تقوم الساعة والناس في أسواقهم يحلبون اللقاح ، ويذرعون الثياب ، ويتبايعون وهم في حاجاتهم " ، وعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - : " أن الرجلين ليتبايعان إذ نادى مناد : قد قامت الساعة " ونحوه . وقوله : { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } . أي : وصية ؛ وكذلك ذكر في حرف حفصة وأبي ، أي : فلا يستطيعون وصية . وقوله : { تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } . يحتمل ما ذكرنا أن الساعة تقوم وهم على ما كانوا عليه من قبل في البياعات والخصومات والمنازعة وعلى ذلك جاءت . ويحتمل { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي : يختصمون في الساعة والبعث أنها لا تقوم ولا تكون ؛ لأنهم كانوا [ ينكرونها ] ، ودل قوله : { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } أن استطاعة الفعل تكون مع الفعل لا تتقدم الفعل ؛ لأنها لو كانت تتقدم ، لكانوا يستطيعون التوصية والرجوع إلى أهلهم إذا قامت بهم ؛ دل هذا على أنها لا تتقدم الفعل ، لكنها تقارنه وتجامعه ، والله أعلم .