Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-58)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } . قد ذكرنا القول في الصور في غير موضع ، واختلافهم في ذلك : قال قائلون : الصور : هو شبه القرن ينفخ فيه ، وعلى ذلك روي عن عبد الله بن عمرو قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال : " قرن ينفخ فيه " ، فإن ثبت فقد كفينا مؤنة الاشتغال بغيره . وقال قائلون : هو على التمثيل لا على التحقيق ، لكنه ذكر النفخ ؛ لسرعة أمرها وقيامها ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذاً ولا أخف من النفخ ، فهو عبارة عن سرعتها ونفاذها ؛ كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] ، وهو قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } . قال أهل التأويل : ينفخ في الصور ثلاثاً بين كل نفخة مهلة كذا كذا سنة ، يقولون : في النفخة الأولى يصعق فيها كل شيء مما خلق الله ؛ كقوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] ، ثم ينفخ ثانياً فيحيون بها ويخرجون من قبورهم ، وهو قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } ، وينفخ ثالثاً ، فيجتمعون عند ربهم ، وهو قوله : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } ، والله أعلم بذلك . والنسل : هو سرعة الخروج ، أي : يسرعون ، قال أبو عوسجة : النسل : هو المشي { يَنسِلُونَ } أي : يمشون ، لكنه مشي مع سرعة ، وهما واحد . وقوله : { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } . من الناس من ينكر عذاب القبر بهذه الآية يقول : المرقد : موضع الراحة ، والراقد هو الذي يكون في راحة ، فلو كان لهم عذاب ، أو كانوا في عذاب ، لم يكونوا في رقدة ولا راحة ، دل أنه لا يكون . ومنهم من يقول : يكون في القبر عذاب ، إلا أنهم لما عاينوا عذاب الآخرة ، صار عذاب القبر لهم كالرقاد عند عذاب الآخرة . ومنهم من يقول : ينامون نومة قبل البعث ، ثم يبعثون ، ومثل هذا . وجائز أن يكون النفس التي تخرج عند النوم تلك النفس في حال الموت ، فتجد تلك ألم ذلك كما تجد النفس التي تخرج من النائم ألم عذاب يصيبه ، وتجد لذة أيضاً إذا كانت لذة ، وترى في النوم أهوالا وأفزاعاً وذلك معروف ؛ فعلى ذلك هؤلاء الكفرة يعذبون بما ذكرنا ، فإذا بعثوا قالوا عند ذلك : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ، والمرقد : هو الموضع الذي ينام فيه . أو أن يكونوا في عذاب - أعني : في القبور - لكنهم إذا عاينوا عذاب الآخرة وشاهدوا أهوالها ، هان ذلك العذاب الذي كان لهم في القبر وسهل عند عذاب الآخرة ؛ فصار ذلك كالرقاد لهم عند عذاب الآخرة فقالوا عند ذلك : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } ، والله أعلم بذلك . وقوله : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } . قال بعضهم : هذا قول الملائكة لهم عن قولهم : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } . وقال بعضهم : قول المؤمنين لهم عند قولهم الذي قالوا . وجائز أن يكون ذلك أيضاً قول أولئك الكفرة ، يقرون بالبعث عند معاينتهم البعث ، يقولون : هذا الذي وعد لنا المرسلون ، وقد صدقوا في ذلك ، ونحن كذبناهم فيه ، لكن لا ينفعهم تصديقهم إياهم بذلك في ذلك الوقت ، وهو كإيمانهم عند معاينتهم بأس الله ، وهو قوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] ؛ فعلى ذلك هؤلاء ، لكن لا ينفعهم . وقوله : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } . يحتمل على حقيقة الصيحة ، يجعل الله تعالى الصيحة علماً للإحياء والبعث لا أن تكون الصيحة سبباً للإحياء والبعث . ويحتمل لا على حقيقة الصيحة ولكن على قدر الصيحة ؛ كأنه يقول - والله أعلم - : ما كانت إلا قدر صيحة واحدة - أي : البعث - لكنه ذكر الصيحة ؛ لأن الصيحة أسرع شيء وأيسر على الخلق من غيره على ما ذكرنا في النفخ في الصور ؛ كقوله : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] ذكر هذا ؛ لأنه أخف شيء على الخلق ، وأهونه عليهم ؛ فيعبر به عنه ويكني بما ذكر ، ليعلموا خفة ذلك على الله ، وسهولته وهوانه ، وأنه ليس يثقل عليه شيء . وقوله : { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } . ذكر أن قوله - تعالى - : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } في البعث ، فإذا كان ذلك في البعث فعند ذلك إحضارهم عند الله ، وأما الأول فإنما هو في الهلاك والموت . وقوله : { فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } . الظلم في اللغة : هو وضع الشيء في غير موضعه كأنه يقول - والله أعلم - : اليوم لا توضع نفس في غير موضعها ، ولكن توضع على ما وضعها في الدنيا . أو يكون الظلم عبارة عن النقصان ، كأنه يقول - والله أعلم - : فاليوم لا تنقص نفس عما استوجبت وتوفى ؛ كقوله : { وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } [ الكهف : 33 ] أي : لم تنقص منه . أو يقول : فاليوم لا يُحمل على نفس ذنب غيرها ، ولا يوضع وزر غيرها ، بل يَجْزي [ الله ] كل نفس جزاء عملها ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } . يخبر - والله أعلم - : عن شغل أهل الجنة أنهم وإن كانوا مشغولين في النعيم فإن ذلك الشغل يحجبهم عن غيرهم من الأشياء ، وكذلك جميع الخلائق أنهم إذا شغلوا في شيء حجبوا عن غيره ومنعوا ، فأما الله - سبحانه - فيتعالى عن أن يشغله شيء أو يحجبه شيء عن شيء . ثم الاشتغال في الدنيا مما يضر أهلها ويؤذي ، فأخبر أن شغل أهل الجنة مما لا يضرهم ولا يؤذي ؛ حيث قال : { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } ، قيل : ناعمون بما هم فيه ، وقيل : معجبون في ذلك . وقال القتبي : { فَاكِهُونَ } : يتفكهون ، ويقال للمزاح : فكاهة ، وفاكهون : أراد ذوي فكاهة . وقال أبو عوسجة : { فَاكِهُونَ } : من المفاكهة ، وفكهون من السرور ، والمفاكهة : الممازحة . ثم قال بعضهم : شغلهم في افتضاض العذارى ، وقيل : شغلهم في كل نعيم وفي كل كرامة على ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ } . يخبر أن أهل الجنة وإن كانوا لا يحجبون عن شيء ، ولا يمنعون شيئاً ، فإنهم إذا كانوا مع أزواجهم لا يقع عليهم بصر غيرهم فينتقض ذلك ، وهو كما ذكر : { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] يخبر أنهم إذا كانوا مع أزواجهم لا يطلع عليهم غيرهم ، والله أعلم . و { ظِلاَلٍ } جمع ظلة . وقوله : { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } . الاتكاء على الأرائك إنما هو للراحة ، فيخبر - والله أعلم - عن غاية راحتهم ونهاية كرامتهم ، وإلا ليس في الاتكاء على الأرائك فضل كرامة ومنزلة ، ولكن يذكر عن راحتهم وتنعمهم ؛ كقوله : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [ الكهف : 108 ] . وقال القتبي : { ٱلأَرَآئِكِ } : السرر في الحجال ، واحدها : أريكة . وقال أبو عوسجة : { ٱلأَرَآئِكِ } : الوسائد . وعن الحسن قال : الأريكة : الحجلة ، وهي بلغة أهل اليمن يسمون الحجلة : أريكة . { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } . قيل : الفاكهة هي التي تؤكل على الشهوة لا على الحاجة ، يخبر - والله أعلم - أن أهل الجنة إنما يأكلون ما يأكلون على الشهوة لا على الحاجة . وقوله : { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } . قيل : ما يتمنون ، وقيل : ما يسألون . وجائز أن يكون { يَدَّعُونَ } من الدعوى ، أي : يعطون جميع ما يدعون لأنفسهم ليس كالدنيا . وقال أبو معاذ : { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } أي : ما يشتهون ويتمنون في الجنة ، والله أعلم . وقوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : يردون إليهم - أعني : الملائكة - سلام الله بحق التبليغ إليهم سلام الله نحو ما يبلغ بعضهم بعضاً سلام بعض : أقرئ فلاناً مني السلام ؛ فعلى ذلك يقولون : إن الله قد أقرأ عليكم السلام . والثاني : أن يسلم عليهم الملائكة بأمر ربهم ، يدخلون عليهم من كل باب : سلام عليكم بما صبرتم . والثالث : أن يكون القول من الله وعدا بالسلامة لهم فيها من كل آفة وبلاء يكون في الدنيا ؛ كقوله : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } [ الحجر : 46 ] ، ونحوه . وفي حرف أبيّ وابن مسعود : { سلاماً قولا } بالنصب ، فهو - والله أعلم - كأنهما يجعلان تمام الكلام في قوله : { يَدَّعُونَ } ثم يقطع { سلاماً قولا } منه ، وأمّا قراءة هؤلاء برفع السلام ، فمعناها - والله أعلم - : ولهم ما يدعون سلاماً ، ثم الكلام قطع { قَوْلاً } منه .