Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 68-76)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } . أي : من نعمره حتى يدركه الهرم والضعف ، يقول : نرده في الخلق الأول لا يعقل فيه كعقله الأول ؛ كقوله : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [ النحل : 70 ] . { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } . أي : من فعل هذا ، أو قدر على هذا ، لا يعجزه شيء ويتأدى به شكره . قال القتبي : المطموس : هو الذي لا يكون بين جفنيه شق ، { فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ } أي : فتجوزوا . [ و ] قال أبو عوسجة : { لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } أي : أعميناهم ، والمسخ : هو تغيير الصور والأبدان . وقوله : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } . أي : نصيره ضعيفاً بعد أن كان قويّاً . وقوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . نزل هذا - والله أعلم - عند قولهم : إنه شاعر ، وإنه كذاب ؛ فأخبر أنه لم يعلمه الشعر ، وما ينبغي له الشعر ، تكذيباً لهم ، وردّاً عليهم : أنه شاعر ، وأن هذا القرآن شعر ، جعل الله عجز رسوله عن القيام بإنشاد الشعر بعض آياته من آيات رسالته ، كما جعل عجزه عن تلاوة الكتاب من قبل وكتابته وخطه بيمينه آية من آيات رسالته ؛ ليعلم أولئك الذين قذفوه بالشعر والافتراء من نفسه والكذب على الله وبالسحر أنه إنما أخبر عن وحي عن الله ، لا ما يقولون هم ، وهم على يقين ، وعلم : أنه ليس شاعراً ولا ساحراً ولا كذاباً ؛ لما لم يروه اختلف إلى أحد منهم في تعلم ذلك ، ولا كان عنده من كتبهم منها أخذ ذلك [ ولا أخذ عليه ] كذب قط ، لكنهم نسبوه إلى ما نسبوه من الشعر والسحر والكذب ؛ تعنتاً منهم وعناداً ، يلبسون أمره بذلك على أتباعهم وسفلتهم ؛ لئلا تذهب رياستهم ومنفعتهم . وفي قوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } دلالة نقض قول المعتزلة ؛ حيث أخبر أنه لم يعلمه الشعر ، وقد أعطى له جميع أسباب الشعر ، وقال في القرآن : { عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 2 ] و { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } [ الرحمن : 4 ] أنه كان من الله لطف سوى السبب فيما أخبر أنه قد علمه ؛ دل أن التعليم له فيما كان منه تعليم له بلطف منه سوى السبب لا بنفس السبب ؛ إذ نفس السبب قد كان له في الأمرين جميعاً ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } . أن يشتغل بشيء مما يتلهى به ، والشعر في الأصل ؛ إنما جعل للتلهي به والتلذذ ؛ لذلك حيل بينه وبين طبعه إنشاد الشعر ؛ ليكون أبداً مشتغلا بما هو حكمة وعلم ، وفيما هو أمر الله ، لا بما فيه التلهي واللهو ، والله أعلم . وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } . { إِنْ هُوَ } أي : ما هذا القرآن إلا ذكر ؛ لما نسوه من أمر الله ووعده ووعيده ومما لهم ، ومما عليهم ، يذكرهم ما نسوه وتركوه و { مُّبِينٌ } : يبين لهم ما لهم وما عليهم ، أو يبين لهم ما يؤتى وما يتقى ، أو يبين لهم أنه من الله جاء ومن عنده نزل لا من عند المخلوقين . أو { ذِكْرٌ } لأهل الكتاب ، يذكرهم بما نسوه مما كان في كتبهم من نعته وصفته وما عليهم القيام به وما ليس ، و { مُّبِينٌ } لمشركي العرب أنه رسول وأن هذا القرآن من عنده جاء به ، وكل كتب الله ذكر ومبين ورحمة ونور وشفاء على ما أخبر ، والله أعلم . وقوله : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ } . قال بعضهم : من كان عاقلا ، يقول : لينذر القرآن من له عقل حيّ فيؤمن ، { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ } أي : السخطة على الكافرين في علم الله أنهم لا يؤمنون . وقال بعضهم : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً } ، أي : مؤمناً ؛ لأن الله - تبارك وتعالى - سمى المؤمن : حيا في غير آية ، والكافر ميتاً . ويحتمل قوله : { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً } أي : لتقع النذارة وتنفع من كان حيّا ، أي : مؤمناً على ما ذكرنا ، وإن كان ينذر الفريقين جميعاً ؛ كقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ يس : 11 ] هو ينذر من اتبع الذكر ، ومن لم يتبع الذكر ، لكن النذارة إنما تقع وتنفع لمن اتبع الذكر وخشي الرحمن خاصة ؛ وكقوله : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الذاريات : 55 ] ، هو يذكر لهم جميعاً لكن المنفعة للمؤمنين فعلى ذلك الأول . ويحتمل قوله : { مَن كَانَ } أي : من يطلب بحياته الفانية الحياة الدائمة ، { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } القول الذي قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 19 ] . وقوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم } . قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع : أن قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } و { أَلَمْ تَرَ } [ إبراهيم : 19 ] ، ونحوه أنه في الظاهر حرف استفهام ، لكنه من الله على الإيجاب والإلزام ؛ ثم هو يخرج على وجهين : أحدهما : على الخبر أن قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام وما ذكر . والثاني : على الأمر على الرؤية والنظر فيما ذكر ، أي : فليروا . فإن كان على الخبر أنهم قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام ، فهلا تفكروا واعتبروا فيما خلق لهم من الأنعام وغيرها : أنه لم يخلق لهم ذلك عبثاً باطلا ولكن لحكمة ، ولو لم يكن بعث على ما يقولون هم كان خلق ذلك عبثاً باطلا ؟ ! أو أن يقول : إن من قدر على تصوير ما ذكر من الأنعام وغيره في الأرحام وتركيب ما ركب فيها من الأعضاء والجوارح في الظلمات ، لا يحتمل أن يخفى عليه شيء أو يعجزه ، أو يفعل ذلك على التدبير الذي فعل بلا حكمة . أو يذكر أنه خلق لهم من الأنعام وذللها لهم وجعل لهم فيها من المنافع ما ذكرنا بلا شكر يلزمهم ، يتأدى على ذلك شكر ما أنعم عليهم على جهة ما لو كان على الأمر بالرؤية فيما خلق والنظر ، والله أعلم . وقوله : { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } . يحتمل ما عملت أيدي الخلق من الزراعة والغرس وغير ذلك مما يعمله الخلق ، نسب ذلك إلى نفسه . ويحتمل { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } ، أي : قوتنا ؛ كقوله : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ } [ الذاريات : 47 ] ، وقوله : { خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ ص : 75 ] أي : بقوة ونحوه ، والله أعلم . وقوله : { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } . قال بعضهم : قادرون على الانتفاع بها والاستعمال لها ، يقول الرجل فيما له فيه حقيقة الملك : أنا غير مالك عليه إذا كان غير قادر على الانتفاع به ، ولا مالك على استعماله . وقيل : { مَالِكُونَ } ، أي : ضابطون قادرون على إمساكها ، يقال : فلان غير ضابط على إبله ودابته وهما واحد ، والله أعلم . وقوله : { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ } . يخبر عن أنواع ما جعل لهم من الأنعام وأنعم عليهم ؛ ليتأدى بذلك شكره ، والله أعلم . وقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ * لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } . يخبر عن سفههم وقلة بصرهم وفهمهم ؛ لاتخاذهم الأصنام آلهة وعبادتهم إياها ؛ رجاء النصر لهم ، وتركهم عبادة الله على وجود المعونة والنصر منه ، وجعله كل شيء لهم ، ثم يكون رجاؤهم بذلك ما قالوا : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وذلك في الآخرة . ويحتمل رجاء النصر لهم بعبادتهم الأصنام في الدنيا في دفع ما ينزل بهم من البلايا والشدائد ؛ كقوله : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] . ثم أخبر أن الأصنام التي يعبدونها وما رجوا منها لا يستطيعون نصرهم وما رجوا من شفاعتهم والنصر لهم ، وأخبر أن ما عبدوا دونه يصير أعداء لهم . قال : { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } . في الآخرة ؛ كقوله : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } [ مريم : 81 ] ؛ هذا على تأويل بعضهم من أهل التأويل يجعل الأصنام جنداً عليهم وأعداء لهم على ما ذكرنا . ويحتمل قوله : { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } ، أي : المشركون جند للآلهة التي يعبدونها ، أي : هم يقيضون لها ويقومون في دفع من همّ بها فساداً وإهلاكاً - أعني : أصنامهم التي كانوا يعبدونها - كقوله : { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ } [ الأنبياء : 68 ] . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : ذلك في الآخرة . وقال بعضهم : ذلك في الدنيا ، والله أعلم . وقوله : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } . كان من أولئك الكفرة لرسول الله أقوال مختلفة : مرة كان منهم ما ذكر : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ … } الآية [ الأنفال : 30 ] . ومرة قالوا : إنه ساحر ، وإنه كذاب ، وإنه شاعر . ومرة قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [ الفرقان : 32 ] . ومرة قالوا : { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [ الفرقان : 7 ] . ومرة طعنوا فيه وفيما أقام من الحجج ، ولا ندري أي قول كان منهم له فيحزن عليه حتى قال له : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } ، أي : لا تحزن على قولهم ؛ فإنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ؛ فنحفظ عليهم ذلك ونكافئهم على ذلك . أو نعلم ما يسرون وما يعلنون فننصرك عليهم ونعينك . أو أن يكون حزنه عليهم ؛ إشفاقاً عليهم ؛ لما كان يعلم نزول العذاب بهم والهلاك لعنادهم ومكابرتهم ، والله أعلم .