Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 139-148)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . هذا ينقض على الباطنية قولهم حين قالوا : إن الرسل ليس إلا ستة لا يعدون يونس ولوطا - عليهم السلام - منهم فيخالفون ظاهر الآية ، وهو قوله - عز وجل - : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، وهم يقولون : ليس من المرسلين ، وبالله العصمة . وقوله - عز وجل - : { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } . ذكر هاهنا الإباق ، وفي سورة الأنبياء الذهاب ، وهو قوله : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } [ الأنبياء : 87 ] . فمن الناس من يجعل هذا غير الأول - يعني : إباقه الذي ذكر وذهابه - لكن جائز أن يكون ذكر الإباق وذكر الذهاب وإن كان في رأى العين في ظاهر اللفظ مختلفاً فهما في المعنى واحد ، فيكون قوله - عز وجل - : { إِذْ أَبَقَ } من قومه بدينه ؛ ليسلم له ، أو أبق لخوف على نفسه من قومه ، أو أبق على ما أوعد قومه من نزول العذاب بهم إذا لم يؤمنوا به ، وكان الرسل - صلوات الله عليهم - يخرجون من بين أظهر قومهم إذا خافوا نزول العذاب بهم ؛ إلا أن يونس خرج من بينهم قبل أن يأتيه الإذن من الله - عز وجل - بالخروج من بينهم ؛ لذلك جاء العتاب له والتعيير ، لا لما يقوله عامة أهل التأويل من الخرافات التي يذكرونها وينسبون إليه ما لا يجوز نسبة ذلك إلى أجهل الناس بربه وأخسهم ، فضلا أن يجوز نسبة ذلك إلى نبي من أنبيائه ورسول من رسله . وقوله - عز وجل - : { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } . ذكر في القصة أنه - عليه السلام - لما أبق إلى سفينة فركبها أراد أن يعبر البحر ، فجعلت تكفو وتقف وكادت أن تغرق ، فقال القوم بعضهم لبعض : إن فيكم لرجلاً مذنباً [ ذنباً ] عظيماً ، وكانوا يعرفون ذلك من عادتها من قبل كانت إذا ركبها مذنب تغرق وتتسرب في الماء ، فلم يعرفوا من هو ذلك ؟ فاستهموا مرارا فساهم يونس في كل مرة ، فلما رأى ذلك يونس - عليه السلام - قال لهم : يا قوم ألقوني في البحر حتى لا تغرقوا جميعاً ، فأبوا وقالوا : لا نلقي نبيّاً من أنبياء الله في البحر ، فألقى هو نفسه فيه ، فالتقمه الحوت على ما أخبر الله - عز وجل - حيث قال : { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } . ثم قوله : { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } قال : فكان من المغلوبين في القرعة والاستهام ، أي : خرجت القرعة عليه ، و { ٱلْمُدْحَضِينَ } : هو الذي لا حجة له فيما يريد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } . قال بعضهم : { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي : عجيب . وقال بعضهم : مليم من الملامة ، أي : كان يلوم نفسه فيما صنع من الخروج من بينهم بلا إذن من الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . يحتمل قوله : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } لربه قبل ذلك ومن المصلين له ، وإلا للبث في بطنه إلى ما ذكر ؛ ولذلك قيل : من عمل لله - تعالى - في حال الرخاء ، نفعه الله بذلك في حال الشدة ويرفعه إذا عثر ، والله أعلم . قيل في الحكمة : إن العمل الصالح رفع صاحبه إذا عثر وإذا صرع وجد متكئاً ، والله أعلم . ويحتمل { كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } ، أي : صار من المسبحين في بطن الحوت ؛ وهو قوله - عز وجل - : { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ } [ الأنبياء : 87 - 88 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } . العراء : قيل : هي الأرض الصحراء التي لا شجر فيها ولا نبت ولا ركز . وقال أبو عوسجة : العراء : الأرض التي لا ظل فيها ، والمدحض : المغلوب ، ومليم : أي : أتى أمراً يلام عليه . وقال القتبي : العراء : هي الأرض التي لا يواري فيها شجر ولا غيره ، كأنه من عري الشيء ، والله أعلم . البعل : الزوج . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ سَقِيمٌ } . ذكر أن الحوت لما نبذه بالعراء لم يكن به شعر ولا جلد ولا ظفر ولا سن سقيم من السقم وهو المرض ، أي : مريض لما مسه بطن الحوت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } . قال بعضهم : هي شجرة القرع ، أنبت عليه ليأكل منها ، ويستظل بها . وقال بعضهم : كل شجرة تنبسط على وجه الأرض مما يتسع أطرافه إذا مد [ و ] أصله واحد ، فهو يقطين ، من نحو البطيخ والعرجون وغيرهما . والأشبه أن تكون شجرة القرع ؛ لأنها أسرع الأشجار نبتاً وامتداداً وارتفاعاً في السماء في مدة لطيفة ووقت قريب ، والوصول إلى الانتفاع بها أكلا واستظلالا لها ما لا يكون مثل ذلك [ في ] مثل تلك المدة من الأشجار ، والله أعلم . وعلى ذلك " روي أنه قيل : يا رسول الله ، إنك لتحب القرع ؟ قال : " أجل هي شجرة أخي يونس ، وهو تزيد في العقل " فهذا يدل إن ثبت : أنها كانت شجرة القرع ، والله أعلم . ثم فيه لطف من الله - عز جل - : حيث أنبت عليه شجرة في وقت لطيف ، لا ينبت مثلها إلا بعد مدة [ غير ] لطيفة ووقت مديد ، وأبقى عليه الضعف وقتاً طويلا مما يرتفع ذلك ويزول في وقت يسير في العرف ؛ ليذكره ما أنعم عليه ويقوم بشكره ، وهو كما ذكر في قصة صاحب الحمار حيث قال - عز وجل - : { فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } [ البقرة : 259 ] أبقى طعامه وشرابه وحفظه وقتاً طويلا غير متغير مما طعبه التغير في وقت يسير وغير ما طبعه البقاء لطفاً منه ، فعلى ذلك أنبت على يونس شجرة في وقت لطيف مما لا ينبت مثلها إلا في وقت طويل ، وأبقى ذلك الضعف الذي كان به والسقم مما سبيله الزوال والارتفاع في وقت يسير لطفاً منه ؛ لتذكير ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } . هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : ما ذكرنا أن حرف الاستفهام إذا أضيف إلى الله فهو على التقدير والإيجاب ليس على حقيقة الاستفهام ، فعلى ذلك حرف الشك : أي : مائة ألف بل يزيدون ، أو يقول : ويزيدون ؛ لما يتعالى عن الشك . والثاني : قوله : { أَوْ يَزِيدُونَ } حتى يزيدوا ؛ كقوله - عز وجل - : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ الفتح : 16 ] ، أي : حتى يسلموا . أو كأنه وقت ما بعثه إليهم كانوا مائة ألف ، ثم ازدادوا بعد ذلك ، والله أعلم . والثالث : يزيدون مائة ألف أو يزيدون عند الناس ، فمعناه : أن من نظر إليهم لا يظن دون مائة ألف ، ولكن يظن مائة ألف وزيادة ، والله أعلم . قال - عز وجل - : { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } . قيل : آمنوا به فلم يهلكوا ، ولكن أخر عنهم إلى وقت موت حتفهم . وقال - عز وجل - في آية أخرى : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ } [ يونس : 98 ] أخبر هاهنا أنه لم ينفع قوماً إيمانهم عند معاينتهم العذاب إلا قوم يونس ، وكذلك ذكر - عز وجل - : في آية أخرى : أنه لم ينفع الإيمان عند معاينة العذاب حيث قال - عز وجل - في آية أخرى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ثم لا يدرآ أنه إنما يقبل إيمان قوم يونس ؛ لأنهم آمنوا عند خروج يونس - عليه السلام - من بين أظهرهم قبل أن يقبل العذاب عليهم ، لما كانوا يعلمون أن الرسول متى ما خرج من بينهم بعد ما أوعدهم بالعذاب أن العذاب ينزل بهم لا محالة ، فآمنوا به ، وإن لم يعاينوا . أو أن يكون العذاب قد أقبل عليهم فعاينوه عند معاينتهم فعند ذلك آمنوا . فإن كان الأول فهو بأنهم إنما آمنوا به عند خروجه منهم فهو مستقيم قبل إيمانهم ؛ لأنهم لم يؤمنوا عند معاينتهم العذاب ، ولكن إنما آمنوا قبل ذلك . وإن كان الثاني ، فجائز أن يكون قبل إيمانهم ونفعهم إيمانهم وإن عاينوا العذاب ؛ لما عرف - جل وعلا - أن إيمانهم كان حقا وهم صادقون في ذلك محققون ، لم يكونوا دافعين العذاب عن أنفسهم إلا بإيمان حقيقة ، والله أعلم .