Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-166)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } . الاستفتاء والسؤال يخرج على أربعة أوجه : إن كان الاستفتاء والسؤال من عليم خبير لأهل الجهل يكون تقريراً وتنبيهاً إذا لم يكونوا أهل عناد ، وإذا كانوا أهل عناد فهو تسفيه وتوبيخ لهم . وإذا كان الاستفتاء من جاهل مصدق طالب رشد لعليم خبير ، يكون استرشاداً وطلب الصواب . وإذا كان من معاند مكابر ، فهو يخرج على الاستهزاء به والسخرية ؛ كقوله : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] إنما قالوا ذلك استهزاء به . ثم ما ذكر من الاستفتاء لهؤلاء إنما يكون تسفيها منه لهم في قولهم : لله - عز وجل - ولد ، والملائكة بنات الله سبحانه ونحوه من الفرية العظيمة التي لا فرية أعظم منها ولا كذب أكبر منه ؛ لأن درك الأشياء ومعرفتها إنما يكون في الشاهد بأحد وجوه ثلاثة : أحدها : المشاهدة . والثاني : الخبر . والثالث : الاستدلال بما شاهدوا وعاينوا على ما غاب عنهم . ثم معلوم عندهم - أي : عند هؤلاء - أنهم لم يشاهدوا الله حتى عرفوا له الولد ، ولا كانوا يؤمنون بالرسل حتى يكون عندهم الخبر بما قالوا ونسبوا إليه من الولد وغيره ؛ إذ الخبر إنما يوصل إليه بالرسل ، وهم لا يؤمنون بهم ، ولا كانوا شاهدوا ما يستدلون على ما قالوا فيه ونسبوا إليه حتى دلهم ذلك على ذلك ، فسفههم في قولهم الذي قالوا فيه وما نسبوا إليه ، [ و ] إنهم كَذَبةٌ في ذلك ؛ إذ أسباب العلم بالأشياء ما ذكرنا ، ولم يكن لهم شيء من ذلك ؛ ولذلك قال : { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ، وقال - عز وجل - : { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } يقول : أأختار لنفسي ما تأنفون أنتم عنه ، وتنسبون إليه ما تستنكفون أنتم عنه ، يسفههم في قولهم ونسبتهم إلى الله ما قالوا فيه ونسبوا إليه إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم . وفيه تصبير رسول الله على أذاهم وتركهم الإيمان به والاتباع ؛ لأنه علمهم أنه خالقهم ورازقهم وقديم الإحسان إليهم [ و ] قالوا فيه ما قالوا . وقوله - عز وجل - : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } . يحتمل قوله : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ، أي : ما لكم تحكمون بلا حجة ولا علم ؟ وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } ، أن هذا الحكم جور وظلم عظيم ؛ كقوله : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 22 ] . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } . أي : لكم حجة وبيان على ما تزعمون وتقولون في الله سبحانه . وقوله : { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : ائتوا بكتاب من عند الله فيه ما تذكرون من الولد وغيره . وقوله : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } . قال عامة أهل التأويل : إن الجنة هم الملائكة ؛ لقول أولئك الكفرة : إن الملائكة بنات الله ، وما قالوا في قوله : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } ، أي : علمت الجن الذي وصفوا له بنين إنهم لمحضرون النار وعذاب الله ، ويحاسبون ، على قول مجاهد وغيره ، والذين أولئك - أعني الأتباع - أنهم ملائكة الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } . قوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } نزه نفسه عما وصفه الذين تقدم ذكرهم ، وتبرأ عن جميع ما قالوا فيه ، ثم استثنى عز وجل : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } ، فلسنا ندري ما موضع الثنيا هاهنا على أثر ما ذكر من التنزيه لنفسه ، يحتمل الاستثناء وجهين : أحدهما : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أولئك الكفرة من الولد وغيره إلا عبادنا المخلصين . والثاني : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } ، أي : من أخلص منهم وآمن فإنه غير برىء مما يصفه ؛ لما يجوز أن يسلم منهم نفر فيصفونه بما يليق به ؛ لأن المؤمن والمخلص لا يصف ربه إلا بما يليق به ، والله أعلم . وقال بعضهم : " إلا عبادنا المخلصين " استثنى من قوله : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } للنار { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } فإنهم لا يحضرون النار والعذاب على سبق استثناء هؤلاء الذين أخلصوا ممن يحضر فيما تقدم - والله أعلم - وهو على التقديم والتأخير . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ * وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } : يقول - والله أعلم - : إنكم وما تعبدون لا تملكون أن تفتنوهم وأن تضلوهم ، إلا من هو في علم الله أنه يختار الضلالة ؛ مما يصليه النار ، على حق المعونة لهم لا حقيقة الإضلال ، وهو ما ذكر - عز وجل - في آية أخرى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الحجر : 42 ] ، وما أخبر أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولونه ، والله أعلم . وقال بعضهم في قوله - عز وجل - : { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } : إلا من كتب عليه في اللوح : أنه يصلى الجحيم . وقال بعضهم : إلا من قضي عليه أنه يصلى النار . وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم . وما يعبدون : الجنّ الذين عبدوا الجن ، أو الملائكة ، ويحتمل الأصنام التي عبدت ؛ إذ قد ينسب إليهن الإضلال ؛ لقوله : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } . يحتمل هذا منهم - أعني : الملائكة - وجهين : أحدهما : قالوا ذلك لتبرئة أنفسهم عن أن يأمروا بالعبادة لهم ، أي : لم نتفرغ نحن بعبادة هؤلاء طرفة عين فكيف نأمر هؤلاء بعبادتنا ؛ كقولهم : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } [ سبأ : 41 ] أي : نحن في طلب ولايتك فكيف نتفرغ لذلك ، أو أن يقولوا : إن ولايتك التي واليتنا شغلتنا عن جميع ما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } أي ما أنتم بمضلين أحداً من عبادي بإلهكم هذا الذي تعبدون إلا من تولاكم بعمل أهل النار ، وذكر عن عمر بن عبد العزيز [ و ] عن الحسن أيضاً أنهما قالا في قوله - عز وجل - : { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } يقول : ما أنتم بمضلين بآلهتكم أحداً إلا من قدر أنه يصلى الجحيم ، وهو قريب مما ذكرنا ، والله أعلم . { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } . يحتمل مكان معلوم محدود لا يبرح عنه ولا يفارق . ويحتمل { مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } أي : عبادة معلومة نحو ما ذكر حكيم بن حزام قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بما نحن فيه ولكن أمر آخر ، والله أعلم .