Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 11-16)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . يحتمل أن يكون قال هذا ؛ لما أن أهل مكة كانوا يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دينهم ودين آبائهم ، وكانوا يطمعون عوده إليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ذكر هاهنا أنه أمر أن يعبد الله مخلصاً له الدين ، وقال في آية أخرى { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ … } الآية [ الأنعام : 56 ] ، وقال في آية أخرى : { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً … } الآية [ الأنعام : 56 ] ، أخبر أنه لو اتبع أهواءهم فيما هم فيه يضل وما كان من المهتدين ، ذكر في هذه الآيات النهي وترك اتباعه أهواءهم ، ولم يذكر الأمر فيها بعبادة الله تعالى مخلصاً له الدين . أو أن يقول : إني إذا أمرتكم بعبادة الله أمرت أنا أيضاً في نفسي أن أعبده مخلصاً ، لست أنا كمن يأمر غيره شيئاً ولا يأتمر بنفسه ، أو هو غير مأمور بذلك وهو ما قال : { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . أو يقول : لست أنا كالملوك يأمرون أتباعهم بأشياء ويستعملونهم في أمورهم [ و ] لا يستعملون في ذلك أنفسهم ، والله أعلم . وقوله : { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . الخوف هاهنا ليس هو حقيقة الخوف ، ولكن العلم كأنه قال : إني أعلم إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، فآيسهم بالله بالمدينة عن عوده إلى دينهم ، وقطع طمعهم عنه ، وهو ما قال - عز وجل - : { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } [ المائدة : 3 ] فأما ما داموا بمكة فإنهم كانوا طامعين في ذلك راجين فيه ، والله أعلم . وقوله : { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي * فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ } . إنه يخرج هذا الحرف منه مخرج التهدد لهم والتوعد ، يقول : أما أنا فإنما أعبد الله الحق وله أخلص ديني ، فاعبدوا أنتم ما شئتم فإنه يجزيكم جزاء عبادتكم ، كقوله تعالى : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ … } الآية [ فصلت : 40 ] ، وذلك معروف في كلام الناس ، يقول الرجل : اعمل ما شئت أو قل ما شئت فإن لك الجزاء كما تعمل ؛ على الوعيد ، فعلى ذلك قوله - عز وجل - : { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } ، والله أعلم . ويحتمل وجهاً آخر لا على الوعيد ، ولكن يقول : قد بينت لكم وأوضحت السبيلين جميعاً بالآيات والحجج : سبيل النجاة الذي إذا سلكتموه نجوتم ، وهو سبيل الله ، وسبيل الهلاك الذي إذا سلكتموه هلكتم ، وهو سبيل الشيطان ، فإن أردتم النجاة فاسلكوا سبيل كذا ، وإن أردتم سبيل الهلاك فاسلكوا سبيل كذا ، والله أعلم . ثم قوله : { قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . كناية لما أمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار حيث قال - عز وجل - : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] ؛ ليكون لهم أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ويسلم لهم ذلك ، وقد مكن لهم ذلك وهلكوا فتركوا ذلك ولم يقوها ولا أهليهم النار ، قال عند ذلك : { خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } ألا عند ذلك يتبين لهم أنهم خسروا أنفسهم وأهليهم . أو أنهم قد أمروا بالسعي للآخرة والعمل لها ، ووعدوا إذا سعوا لها وعملوا النجاة في الآخرة والحياة الدائمة والأهل في الجنة ، وإذا لم يسعوا لها ولم يعملوا خسروا أنفسهم والأهل الذين وعدوا فيها إذا سعوا وهلكت أنفسهم ، { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ } ألا هنالك يتبين لهم أنهم خسروا خسراناً بيناً ، والله أعلم . وقوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } . أن يكون ما كان تحتهم من النار أن يوصف بالمهاد لهم لا بالظلل ؛ كقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] ، وكذلك في حرف ابن مسعود أنه قال : { لهم من تحتهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ذلك يخوف الله به عباده } ، والله أعلم . لكن جائز أن يكون الظلل التي تحتهم هي ظلل لمن تحتهم ، وهي لأولئك الذين فوقهم مهاد وللذين ليس تحتهم أحد مهاد أيضاً - والله أعلم - لأن النار دركات وأطباق ؛ ليكون كل طبقة لمن تحتها ظلل ولمن فوقها مهاد على ما ذكرنا . وقوله : { ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } . أي : ذلك الذي ذكر في القرآن من المواعيد يخوف الله [ به ] عباده . { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } . اتقوا سخط الله ونقمته ، أو اتقوا مخالفة الله ، أو اتقوا المهالك .