Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 8-10)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } . أخبر الله الخلق ما كان من عادة الكفرة في غير آي من القرآن أنهم كانوا يخلصون الدين لله ويتضرعون إليه إذا مسهم بلاء أو شدة ، إذا ركبوا البحر ، وكان لهم خوف الهلاك في ذلك وفزع ؛ كقوله - تعالى - { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ … } الآية [ العنكبوت : 65 ] ، وغير ذلك من الآيات ، وكذلك كل بلاء وشدة أصابتهم ، فزعوا إلى الله - عز وجل - وتضرعوا إليه ، ثم إذا كشف الضر عادوا إلى ما كانوا من قبل . وقوله : { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } يحتمل قوله : { نَسِيَ } ألا تملك الأصنام التي عبدوها دفع ذلك عنهم ولا كشفه . أو نسي ألا ينفع شفاعتهم إياهم ونحوه ؛ كقوله - عز وجل - : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] أي : نسوا ما علموا من عجز الأصنام ونحو . وقوله : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } . كأن الآية في الرؤساء منهم جعلوا أنداداً ليضل الناس عن سبيله ، يدل على ذلك : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } في الدنيا { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } ، لما علم أنه يختم على الكفر ، والله أعلم . ثم الحكمة في ذكر هذا وأمثاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل وجوهاً : أحدها : يصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوء معاملتهم إياه ، كما حكى عن سوء معاملتهم ولم يستأصلهم على أثر ذلك وذلك أعظم في العقل . أو يخبر الأواخر عن سوء معاملتهم ربهم ليحذروا عن مثل معاملتهم ربهم . أو يخبر عن حلمه أن كيف عاملهم فاحلم أنت ، والله أعلم . وقرئ : { لِّيُضِلَّ } و { لِّيِضِلَّ } فيه ثلاث لغات . وقوله : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } . قال بعضهم : هذه الآية صلة ما تقدم من قوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } يقول : الذي تضرع إلى الله ، وأخلص دينه له ، نسي ذلك وتركه إذا خول ذلك نعمة ، وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله - كالذي هو قانت - أي : مطيع لله - آناء الليل والنهار يحذر عذابه ويرجو رحمته ، ليسا بسواء عندكم : الذي أطاع الله في جميع أوقاته حاذر تقصيره في ذلك راجٍ رحمته لطاعته ، والذي عصى ربه ولم يطعه ، فإذا عرفتم أنهما ليسا بسواء ثم رأيتم أنهما قد استويا في نعم هذه الدار وسعتها وشدائدها وفي الحكمة التفريق بينهما ، فلابد من دار أخرى يفرق بينهما فيها يثاب المحسن المطيع جزاء إحسانه وطاعته ، ويعاقب الكافر الظالم جزاء كفره وظلمه ، والله أعلم . ومنهم من يجعل لهذه الآية مقابل لكنه يقول : مقابلها ليس الأول ، ولكن لم يذكر لها مقابل ويقول على ما عرفتم أنه لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم ، فعلى ذلك لا يستوي الذي أطاع ربه آناء الليل وأجهد نفسه في عبادة الله [ و ] الذي عصى ربه وكفر نعمه ، وقد ظهر الاستواء بينهما في هذه الدنيا فلابد من التفريق بينهما في دار أخرى ، ولو لم يكن دار أخرى فيها يفرق ويميز ، لكان خلق هذا العالم على ما كان باطلا سفها غير حكمة ، والله أعلم . وقوله : { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } . أي : يحذر عذاب الآخرة ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأه : { يحذر عذاب الآخرة } . وقوله : { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } دلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الرجاء والحذر يرجو رحمته لا عمله ويحذر عذابه لتقصيره في عمله . ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا ، وقد قال الله - عز وجل - : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] ، والخوف إذا جاوز حده يكون إياسا ، وقد قال الله - تعالى - : { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ، ويجب أن يكون المؤمن كما ذكر - عز وجل - : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ السجدة : 16 ] ، و { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] لا يجاوز أحدهما . وجائز أن يكون قوله - عز وجل - : { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } ، أي : جنته على ما سمى الجنة : رحمة في غير موضع ؛ لما برحمته تنال هي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } . في معرفة نعم الله والقيام بشكره ، والحذر عن عصيانه وعذابه . وقوله : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . في كل ذلك ، جوابه أن يقال : لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وهو ما قال - عز وجل - : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] . وقوله : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } . إنما يتذكر بمواعظ الله أولو العقول والبصر والمعرفة ، والله أعلم . وقوله : { آنَآءَ ٱلَّيلِ } أي : ساعات الليل ، و { قَانِتٌ } أي : مطيع ، وأصل القنوت هو الطاعة ، وقيل : القنوت : القيام ، وهو القيام في الطاعة ، والله أعلم . وفي قوله : { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } دلالة جواز الإرجاء ؛ لأنه لم يقطع على أحدهما دون الآخر ؛ وكذلك في قوله تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ السجدة : 16 ] ، وفي قوله : { رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] ، وفي القطع على أحدهما كفر على ما ذكرنا من قوله : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 99 ] و { لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ؛ إذ المجاوزة في الخوف إياس ، والمجاوزة في حد الرجاء أمن وقد ذكرنا أنه كفر . وقوله : { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } . يحتمل قوله : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } وجوهاً : اتقوا سخط ربكم . أو اتقوا نقمة ربكم . أو اتقوا مخالفة ربكم ونحوه . وأصل التقى : ما تهلكون ، أي : اتقوا مهالككم ، والله أعلم . وقوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } . قال عامة أهل التأويل : للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة لهم في الآخرة . وجائز أن يكون لهم الحسنة في الدنيا و [ في ] الآخرة حسنة ؛ [ كقوله : ] { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ … } الآية : [ يوسف : 109 ] ؛ وكقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } [ النحل : 41 ] . ثم يحتمل الحسنة وجهاً آخر : استغفار الملائكة لهم والأنبياء - عليهم السلام - لأن الله - عز وجل - امتحن ملائكته على استغفار المؤمنين والمؤمنات ؛ كقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 5 ] ، وكذلك امتحن رسله بالاستغفار للمؤمنين ، وكذلك المؤمنون يستغفر بعضهم لبعض ونحوه . وقوله : { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } . ذكر هذا - والله أعلم - لأن من آمن منهم بمكة كانوا يظهرون الموافقة لأعدائهم ويقيمون فيما بينهم ، وكانت لهم أسباب التعيش في بلدهم ولم يكن لهم تلك في بلد غيرهم ، فخافوا الضياع إذا هم خرجوا من بلدهم فيهاجروا منها إلى غير بلدهم فيمتنعون عن ذلك ، فجاءت الآية على الترجي والإطماع لهم بمثل ذلك التعيش وأسبابه في غير ذلك البلد ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } [ النساء : 97 ] لم يقدروا في تركهم الهجرة وإظهارهم الموافقة للأعداء ، ولهم طاقة ووسع التحول من بلدهم إلى بلد غيرهم ، إلا من لم يكن به طاقة الخروج من بينهم وهم الذين استثناهم وهو قوله : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ … } الآية [ النساء : 98 ] ، والله أعلم . و [ يحتمل ] قوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، وجوهاً : أحدها : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي : بغير تبعة ولا مئونة ؛ كقوله : " من نوقش الحساب عذب " . أو { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي : لا يحاسبون ؛ لا ليس وراء تلك الدار الآخرة دار أخرى يحاسبون فيها ما أعطوا في الآخرة ليس كدار الدنيا يحاسب من أوتوا فيها في الآخرة ، وأما ما أعطوا في الآخرة فلا يحاسبون في غيرها . ويحتمل { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي : غير مقدر بالحساب ، ولكن أضعافاً مضاعفة . ويحتمل { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي : بلا نهاية ولا غابة ، والله أعلم . ثم الصبر : هو حبس النفس إما على أداء ما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه ، أو حبسها وكفها في احتمال ما حملت من الشدائد والمصائب والمؤن العظام ، احتملوا ذلك ولم يجزعوا ، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ … } الآية [ البقرة : 155 ] ، وقوله : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ونحوه .