Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 68-75)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } اختلف في قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } أهو على حقيقة النفخ أم لا ؟ قال بعضهم : ليس هنالك نفخ ولا شيء ، وإنما ذكر النفخ عبارة عن خفة الأمر على الله - عز وجل - [ كقوله ] : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . وقال بعضهم : ليس نفخاً ، إنما هو عبارة عن قدر نفخة : أنه يحيي ويميت على قدر النفخة ؛ لأن أسرع شيء في الدنيا هي النفخة . وقال بعضهم : هو على حقيقة النفخة من غير أن كانت النفخة سبباً للإحياء والإماتة ، ولكن على جعل النفخة علماً وآية للإحياء أو الإماتة ، امتحن بذلك الملك الذي كان موكلا به ، على ما امتحن ملك الموت بقبض الأرواح في أوقات جعلت له ؛ فعلى ذلك ما ذكر من النفخة ، والله أعلم . ثم اختلف في الصور أيضاً : قال بعضهم : هو صور الخلق فيها ينفخ ، وإلى ذلك [ ذهب ] جميع أهل الكلام . وقال [ بعضهم ] : ليس هو صور الخلق ، ولكن إنما هو قرن ؛ لأنه قال : الصور ، ولم يقل : صُوَر بالتثقيل ، وإنما ذكره بالتخفيف ، وهو القرن ، وذكر صور الخلق بالتثقيل صُوَر ؛ حيث قال : { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } [ غافر : 64 ] فلسنا ندري أيهما يقال جميعاً أم لا الصُّور والصُّوَر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } قال عامة أهل التفسير والتأويل : الصعق : هو الموت . وقال بعضهم : الصعق : هو الغشيان ؛ كقوله - عز وجل - : { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [ الأعراف : 143 ] أي : مغشيّاً عليه ؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل - : { فَلَمَّآ أَفَاقَ } [ الأعراف : 143 ] يفاق من الغشيان ، ولا يفاق من الموت ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } اختلف فيه ؛ قال بعضهم : إنما استنثى الشهادة الذين استشهدوا في الدنيا ، والله أعلم . وقال بعضهم : { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } هو جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } : قال بعضهم : تكون ثلاث نفخات : نفخة تحملهم على الفزع : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ … } الآية [ النمل : 87 ] ، ثم الأخرى يموتون بها ، والثالثة يحيون بها ، وعلى هذا يروى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ينفخ ثلاث … " ذكر كما ذكرنا ، والله أعلم . وقال بعضهم : نفختان ؛ على ما ذكر في هذه الآية : إحداهما : يموتون ، والثانية : يحيون بها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } يحتمل { بِنُورِ } : الذي أنشأه الله - عز وجل - لها وجعله فيها ، ليس أن يكون لذاته نور أو شيء يضيء ، ويكون قوله - عز وجل - : { بِنُورِ رَبِّهَا } كقوله - عز وجل - : { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } [ القلم : 2 ] : بإحسان ربك ، وآلاء ربك ، لا يفهم منه سوى النعمة والنشأة والآلاء المجعولة ؛ فعلى ذلك قوله - عز وجل - : { بِنُورِ رَبِّهَا } لا يفهم منه نور الذات ولا شيء من ذلك . ثم قوله - عز وجل - : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ } أي : أضاءت ، جائز أن يكون الله - عز وجل - ينشئ أرض الآخرة أرضاً مضيئة مشرقة ؛ لما أخبر أنه يبدل أرضاً غير هذه ؛ حيث قال - عز وجل - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ … } الآية [ إبراهيم : 48 ] ، كانت هذه مظلمة ، وتلك مضيئة ، على ما ذكرنا ، والله أعلم . أو أن يكون إشراقها : ارتفاع سواترها ، وظهور الحق لهم ، وزوال الاشتباه والالتباس ، وكانت أمورهم في الدنيا مشبهة ملتبسة ، ويقرون يومئذ جميعاً بالتوحيد له والألوهية والربوبية ، وهو على ما ذكر من قوله - عز وجل - : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } ، وقوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } [ الحج : 56 ] ، ونحو ذلك ، ذكر البروز له والرجوع إليه والمصير ، وإن كانوا في الأحوال كلها بارزون له ، راجعون إليه ، صائرون ، والملك له في الدارين جميعاً ، خصّ البروز والرجوع إليه والملك له ؛ لما يومئذ يظهر المحق لهم من المبطل ، ويومئذ أقروا جميعاً بالتوحيد له والملك ؛ فعلى ذلك يحتمل إشراق الأرض وإضاءتها لما ترتفع السواتر يومئذ [ و ] تزول الشبه ، وتظهر الحقائق ، والله أعلم . أو أن يكون إشراقها بإظهار لكل ما عمل في الدنيا من خير أو شرّ ، وعرفه يومئذ ، وإن كان في الدنيا لم يظهر ولم يعرف مما عمل من خير وشر ؛ كقوله - عز وجل - : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً … } الآية [ آل عمران : 30 ] ، والله أعلم . أو أن تكون أرض الآخرة مضيئة مشرقة لما لا يُعْصى عليها الرب - تعالى عز وجل - وأرض الدنيا مظلمة بعصيان أهلها عليها الربَّ - عز وجل - وذلك كما روي في الخبر أن الحجر الأسود [ أُنزل ] من الجنة ككذا ، صار أسود لما مسته أيدي الخاطئين العاصين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بِنُورِ رَبِّهَا } قال بعضهم : بعدل ربها ؛ أي : رضي بعدل ربها ، وهو ما قال - عز وجل - : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [ الحجر : 85 ] ، أي : بالعدل ، والله أعلم . وجائز ما ذكر بنور أنشأه وجعله فيها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } ، وقال - عز وجل - في آية أخرى : { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } [ الرحمن : 7 ] ، فجائز أن يكون الكتاب الذي ذكر أنه وصفه هو ذلك الميزان ، فيكونان واحداً . وجائز أن يكون الكتاب غير الميزان . وقال بعضهم : الكتاب هو الحساب بما قد حفظ عليهم ولهم من خير أو شر محذور فيه . وقال بعضهم : هو الكتاب الذي يوضع في أيديهم يومئذ ، فيه ما عملوا يقرءونه ، وهو مثل الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } اختلف في الشهداء : قال بعضهم : الشهداء هم المرسلون ، يؤتى بالنبيين والمرسلين يشهدون عليهم ؛ كقوله - عز وجل - : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] ، وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ … } الآية [ المزمل : 15 ] . وقال بعضهم : الشهداء - هاهنا - هم الملائكة والحفظة الذين يشهدون عليهم ؛ كقوله - عز وجل - : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ … } الآية [ النور : 24 ] . وقوله - عز وجل - : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ } أي : بالعدل . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي : لا يحمل على أحد ما لم يعمل ، ولكن يحمل عليه ما عمل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ } كافرة { مَّا عَمِلَتْ } من سوء ، فأما ما عملت من خير فلا ، [ و ] توفى كل نفس مسلمة ما عملت من خير لا ينقص منها شيء ، وما عملت من سوء جائز أن يتجاوز الله عنها ويبدله حسنات ؛ كقوله - عز وجل - : { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } ، أي : عالم بما يفعلون من خير أو شر . وقوله - عز وجل - : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } قيل : أمة أمة ، وجماعة جماعة ؛ كقوله - عز وجل - : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا … } الآية [ الأعراف : 38 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } [ آل عمران : 12 ] ونحوه . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } جائز أن يكون لها أبواب يدخلون فيها . وجائز أن تكون الأبواب المذكورة لا على حقيقة الأبواب ، ولكن على الجهات والسبل التي كانوا فيها ؛ أي : في الدنيا ، وعملوا بها يدخلون النار بتلك الجهات والسبل التي كانوا في الدنيا وعملوا بها ، كما يقال : فتح على فلان باب كذا ، ليس يراد حقيقة الباب ، ولكن سبل بابه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } يحتمل قوله - عز وجل - : { آيَاتِ رَبِّكُمْ } أي : التوحيد وحججه . ويحتمل آيات البعث الذي أنكروه . وقال بعض أهل التأويل : آيات القرآن . وقوله - عز وجل - : { وَيُنذِرُونَكُمْ } بالآيات { لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ بَلَىٰ } قد فعلوا ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } قال أهل التأويل : { وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } أي : عدة العذاب ، وهو ما قال - عز وجل - ووعد أنه يملأ جهنم منهم ، وهو قوله : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] أي : حق وعد ذلك عليهم ، والله أعلم . وجائز أن يكون ما ذكر من { كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } : هو كلمة الشرك والكفر ؛ أي : حقت كلمة الكفر والشرك الذي علمنا سموا { كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } ، لما عذبوا وعوقبوا ، والله أعلم . وقوله : { قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } تأويله ظاهر . " والمتكبرين " يحتمل المتكبرين على آياته وحججه ، ويحتمل المتكبرين على رسله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، والله أعلم . وقال القتبي وأبو عوسجة : { وَأَشْرَقَتِ } ، أي : أضاءت وأنارت ، و { زُمَراً } أي : جماعات ، والواحد : زمرة ، ويقال : تزمر القوم إذا اجتمعوا ، زمرتهم ، أي : جمعتهم ، وأصله : أن يساق كل فريق على ما أحبوا ، وكانوا في الدنيا جماعة جماعة وأمة أمة ، وعلى ما يجتمعون في هذه الدنيا : أهل الخير على أهل الخير ، وأهل الشر على أهل الشر ، وسروا بالاجتماع في ذلك ، لكن أهل الخير يساقون إلى الجنة على ما كانوا يجتمعون في هذه الدنيا مسرورين ، وأهل الكفر يساقون إلى النار على ما [ كانوا ] يجتمعون في هذه الدنيا على الشر حزنين مغتمين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } ؟ يحتمل : اتقوا الشرك بربهم ، أو اتقوا سخط ربهم ونقمته ، أو اتقوا المهالك ، وقد ذكرناه فيما تقدم والله أعلم . { وَسِيقَ } ، وإن كان في الظاهر خبرا عما مضى لكنه يخرج على وجهين : أحدهما : على الاستقبال ، وذلك جائز في اللغة استعمال حرف الماضي على إرادة الاستقبال ، كأنه قال : يساقون . والثاني : كأنه خبر أمر قد كان مضى ، فقال - عز وجل - : { وَسِيقَ } ؛ ولذلك ذكره بحرف { وَسِيقَ } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { زُمَراً } قد ذكرناه ، أي : جماعة جماعة ، وأمة أمة ، على ما كانوا في هذه الدنيا ، ويجتمعون على ذلك ؛ فعلى ذلك يساقون في الآخرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } . فتح الأبواب لهم يحتمل حقيقة الأبواب ، ويحتمل كناية عن الوجوه والسبل التي يأتونها في الدنيا لا على حقيقة الأبواب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ } . بدأ الخزنة بالسلام عليهم ، فجائز أن يكون الله - عز وجل - : امتحن الخزنة بالسلام على المؤمنين كما امتحن رسوله ببدئه السلام على من آمن ، وهو قوله - عز وجل - : { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ … } الآية [ الأنعام : 54 ] . ثم يحتمل سلام الخزنة عليهم : السلام والبراءة عن جميع العيوب والآفات التي في الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } . فقوله : { طِبْتُمْ } أي : صرتم طيبين لا تخبثون أبداً ، وقد برئتم من الآفات والعيوب كلها ، والله أعلم . أو يقول : طاب العيش أبداً من حيثما يأتيكم بلا عناء . وقوله - عز وجل - : { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } . ولا شك أن الله - عز وجل - إذا وعد صدق وعده ، لكن معنى قولهم : { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } ، أي : الحمد لله الذي جعلنا مستحقين وعده ؛ إذ وعده لا شك أنه يصدق ، ولا قوة إلا بالله . وقوله : { وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ } أي : الجنة . وقوله - عز وجل - : { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } . يحتمل قوله : { حَيْثُ نَشَآءُ } نرغب فيها ، وهم لا يرغبون النزول من منازلهم . أو أن يكون قوله : { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } ، أي : جميع مكان الجنة مختار ليس مما يتخير في الدنيا مكاناً دون مكان ؛ لأن جميع أمكنتها ليست بمختارة فيقع فيها الاختيار ، فأما الجنة فجميع أمكنتها مختارة فلا يقع هنالك اختيار مكان على مكان ، والله أعلم . وإلا ظاهر قوله : { نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } ما لهم وما لغيرهم ، والوجه فيه ما ذكرناه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } ظاهر . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } . قيل : محدقين حول العرش . وقوله - عز وجل - : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } . قال بعض أهل التأويل : بأمر ربهم ، لكن التسبيح بحمد ربهم هو أن يسبحوا بثناء ربهم وحمده ويبرئونه وينزهونه عن جميع معاني الخلق بحمد وثناء يحمدونه ويثنون عليه على ما ذكرنا في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ } . قيل : بين الأمم والرسل ، وقيل : بين الخلائق كلهم . وجائز أن يكون قوله : { وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قال الحسن : فتح الله نعمه في الدنيا بالحمد له ، وهو قوله - عز وجل - : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ … } الآية [ الأنعام : 1 ] ، وقوله - عز وجل : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ … } الآية [ الكهف : 1 ] ، وغير ذلك من الآيات ، وختم نعمه في الآخرة بالحمد له حيث قال : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وقوله - عز وجل - : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين أجمعين .