Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 110-113)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } . هما سواء ، أي : من عمل سوءاً فقد ظلم نفسه ، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءاً . ويحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنه - : من يعمل سوءاً إلى الناس ، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين الله . ثم روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : قال : أرجى آية في القرآن هذه قوله : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ … } الآية . وروي عنه - أيضاً - قال : أربع آيات من كتاب الله - تعالى - أحب إلي من حمر النعم وسُودِها - : قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا } [ النساء : 40 ] إلى آخره ، وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] ، وقوله - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ … } [ النساء : 64 ] الآية ، وقوله - تعالى - : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ … } الآية . وعن علقمة والأسود قالا : قال عبد الله : إن في كتاب الله لآيتين ، ما أصاب عبد ذنباً فقرأهما ، ثم استغفر الله إلا غفر له : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ … } إلى آخر الآية [ آل عمران : 135 ] ، وقوله : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ } ، وقوله - تعالى - أيضاً - : { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر ؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر . ويحتمل التفريق : أن يكون سوءاً إلى الناس وخطيئة إليهم ، أو يظلم نفسه : بما يأثم بما بينه وبين الله . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } ؛ لأن حاصله يرجع إليه ؛ فكأنه كسب على نفسه . وقوله : { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } . يحتمل : أن يكون قوله : { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } واحداً : الخطيئة هي الإثم ، والإثم هو الخطيئة . وقيل : { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً } سرقته الدرع { أَوْ إِثْماً } : يقول بيمينه الكاذبة : أنه لم يسرقها ، وإنما سرقها فلان اليهودي . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } . قيل : لما طلب في داره رماها في دار اليهودي ، ثم حلف باطلا وزوراً : أنه لم يسرقها . وقوله - عز وجل - : { فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } . يقول : كذبا على آخر بما لم يفعل . والبهتان : هو أن يبهت الرجل الرجل كذباً بما لم يفعل ، { وَإِثْماً مُّبِيناً } : بيمينه الكاذبة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } . قال أكثر أهل التأويل : نزلت [ هذه ] الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره ، وقالوا : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } لقد هم قوم طعمة { أَن يُضِلُّوكَ } ، أي : يخطئوك ، وليس هو الإضلال في الدين ، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئه الحكم . ويحتمل قوله : { أَن يُضِلُّوكَ } ، أي : يجهلوك في حكم السرقة . ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته ؛ لمّا لم يدر أنه سرق ، وكان يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي ، ثم أعلم أنه قد سرق . ويحتمل : أن تكون الآية في الكفار كلهم ؛ لأن الكفرة والمنافقين لم يزل كانوا يريدون أن يضلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدى ، ويصرفوه عنه ؛ كقوله - تعالى - : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } [ النساء : 89 ] ، وكقوله - تعالى - : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً } [ البقرة : 109 ] . ثم يحتمل قوله - تعالى - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ } ؛ حيث عصمك بالنبوة ؛ وإلا لأضلوك عن سبيل الله : الهدى ، وهو كقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ } [ الإسراء : 74 ] أي : بالعصمة ، { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] . والثاني : ولولا فضل الله عليك ورحمته ؛ حيث أعلمك بالحكم في ذلك ، وبصّرك به بالوحي ، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن ، إن ثبت ما قالوا ؛ وإلا لهموا أن يخطئوك ويجهلوك فيه . ثم في الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنه مَنَّ على رسوله صلى الله عليه وسلم أنه عصمه ، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه ، وهو كان يستحق ذلك قبله . فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعلَ ما كان عليه أن يفعل ؛ على زعمهم ، ومن فعل فعلا عليه ذلك - لم يقل إنه تفضَّلَ ؛ دل أنه ليس كما قالوا ، وبالله التوفيق والعصمة . وقوله - أيضا - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ } يخرج على وجهين : أحدهما : يكفهم عما هموا . والثاني : يعصمه عما راموا فيه أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا . وقوله : { يُضِلُّوكَ } : يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه يرجع ذلك إلى نازلة . والثاني : أن يكون بالإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق ، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير ؛ فكفهم بوجهين ، يتوجه كل وجه إلى وجهين : أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي والآيات ، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة ، [ و ] مرة باللطف والعصمة ، وسمى ذلك [ فضلا ورحمة ] ؛ ليعرف أن ذلك فضله لا حقّاً قبله ؛ إذ ليس بذل الحقوق يُعَدُّ في الفضائل . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } لا أحد يقصد قصد إضلال نفسه ؛ لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم كأنهم أضلوا أنفسهم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ } . أمَّن رسوله عن ضرر أولئك ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } . قد ذكرناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } . من الحلال والحرام والأحكام كلها ، وغير ذلك ؛ كقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] فهو كذلك كان . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } . فيما علمك من الأحكام ، وعصمك بالنبوة والرسالة ، وصرف عنك ضرر الأعداء والله أعلم .