Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } . في كل ما كان الخطاب للكفرة : ذكر الله - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته ، ودلائل ربوبيته ؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم ، من نحو ما ذكر : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ … } الآية ، وكقوله - تعالى - : { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ … } [ البقرة : 21 ] ، وكقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } [ فاطر : 5 ] ، ونحوه كثير : ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده ؛ لينظروا فيها وليتفكروا ؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم . وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين : لم يذكرْ حجج الوحدانية ، ولا دلائل الربوبية ؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب ، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم ، وثوابه الذي وعد لهم ، نحو قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ * وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً … } إلى آخر ما ذكر [ آل عمران : 102 - 103 ] ، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم ، وكقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ … } كذا إلى [ آخر ] ما ذكر [ الحديد : 28 ] ؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب . وقوله - عز وجل - : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } . قيل : اتقوا عذابه ونقمته . وقيل : اتقوا عصيانه في أمره ونهيه . وقيل : اتقوا الله بحقه في أمره ونهيه . قوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } . أضاف خلقنا إلى آدم ؛ إذ [ صورة ] الإنسان في النطفة . قال : دلت إضافة خلقنا من آدم - وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه - على أمرين : أحدهما جوازُ إضافة الشيء إلى الأصل الذي إليه المرجع ، وإنْ بَعُدَ ذلك عن الراجع إليه ؛ على التوالد والتتابع . والثاني : أنَّا لم نكن بأبداننا فيه ، وإن أضيف خلقنا إليه ؛ إذ لو كنا فيه لكُنَّا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه . وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان في النطفة مع الإحالة أن يكون معنانا في التراب أو النطفة ؛ إذ هما من الموات الخارج من احتمال الدرك ، ونحن أحياء داركون ، والله أعلم . وقوله : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } . أي : فرق ، ونشر ، وأظهر منهما أولاداً كثيراً : ذكوراً وإناثاً . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } . قوله : { تَسَآءَلُونَ بِهِ } ، أي : اتقوا الله الذي تساءلون بعضكم من بعض ، أي : يسأل بعضكم من بعض الحوائج والحقوق به ، يقول : أسألك بوجه الله ، وبحق الله ، وبالله . ويسأل بعضكم من بعض بالرحم ، يقول الرجل لآخر : أسألك بالرَّحم وبالقرابة أن تعطيني . وقوله : { وَٱلأَرْحَامَ } ، روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - : يقول : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ } ، واتقوا في الأرحام وصلوها . وقرئ بالنصب والخفض : { وَٱلأَرْحَامَ } : فمن قرأ بالنصب يقول : اتقوا الله فلا تعصوه ، واتقوه الأرحام فلا تقطعوها . ومن قرأ بالخفض يقول : اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام . وروي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتَّقُوا اللهَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ ؛ فإِنَّهُ أَتْقَى لَكُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَخَيْرٌ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ " والآية في الظاهر على العظة والتنبيه . وكذلك قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } . هو على التنبيه والاتعاظ .