Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-3)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } يحتمل هذا وجهين : أحدهما : احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم ، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم . ويحتمل قوله : { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ } ، أي : أنفقوا عليهم من أموالهم ، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم . { وَآتُواْ } ، بمعنى : آتوا لوقت الخروج من اليتم ، أي : احفظوا ؛ لتؤتوا . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ } أي : لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم . وقيل : لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطى الدون من ماله ؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب . وقيل : لا تأكلوا الخبيث : وهو أموال اليتامى ، وتذروا الطيب : وهو أموالكم ؛ إشفاقاً على أموالكم أن [ تفنى ] . وقيل : لا تأكلوا الحرام مكان الحلال ؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ ، وأكل ماله حلال ؛ فنهى أن يبدلوا الخبيث بالطيب . ويحتمل : لا تأخذ ماله - وهو خبيث - ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب . ويحتمل : لا تأكلوا ذلك ؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها الله - تعالى - لكم ، بما جعل الله لكم خبيثاً . ويحتمل : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ } في الدنيا ؛ فتكون هي ناراً تأكلونها ؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً … } [ الآية ] [ النساء : 10 ] . وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } يحتمل هذا - والله أعلم - وجهين : يحتمل قوله : { أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } ، أي : مع أموالكم ، أي : لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها ؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع . ويحتمل : { أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } ، أي : بأموالكم ؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعاً ؛ كقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الإسراء : 34 ] . وقوله - تعالى - : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } بمعنى : لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معاً . ويحتمل : مع أموالكم ، والله أعلم . وقوله - جل وعز - " { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } قيل : جوراً . وقيل : الحوب : الإثم ، وهو واحد . وقيل : خطأ . وقيل : ذنباً كبيراً . وقيل إثماً ؛ وكذلك روي عن ابن عباس ، رضي الله عنه . وقوله - عز وجل - : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } . اختلف في تأويله : فقيل : إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها ؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها ؛ فنزل هذا : { وَإِنْ خِفْتُمْ } وتحرجتم من أموال اليتامى ؛ فكذا فتحرجوا من الزنا : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ … } الآية . عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : نزلت في يتامى [ من يتامى ] النساء كُنَّ عند الرجال ؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل - وهي ذات مال - فلا ينكحها ؛ لشوهتها ، ولا يُنْكِحُهَا ؛ ضنّاً بمالها ؛ لتموتَ فيرثَها ، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها ، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها ؛ فأنزل الله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } فذروهن ، ولا تنكحوهن ، { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } . وروي عنها - أيضاً - أنها سئلت عن هذه الآية ؟ فقالت : نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في جمالها ومالها ، وينقص من صداقها ؛ فنهوا عن نكاحهن ، إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء . قالت عائشة - رضي الله عنها - : واستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بعد ذلك ] ؛ فأنزل الله : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ … } [ إلى قوله : { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } [ النساء : 127 ] فأنزل الله - تعالى - لهم في هذه الآية : أن اليتيمة إذا كانت ذات جمالٍ ومال رغبوا فيها - في نكاحها - وسنتها في إكمال الصداق ، وإذا كانت مرغوباً عنها في شوهتها ، وقلة مالها ؛ تركوها وأخذوا غيرها من النساء . قالت : فكما تتركونها حين ترغبون عنها ؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق . وقيل : لما أنزل الله - تعالى - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً … } الآية [ النساء : 10 ] ، ترك المؤمنون مخالطة اليتامى ، وتنزهوا عنها ؛ فشق ذلك عليهم ؛ فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخالطتهم ، وكان يكون عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل بينهن ؛ فأنزل الله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ } الجور في مخالطة اليتامى ؛ فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع . ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى : { مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } فذلك تسع . وأما عندنا : فإنه لا يحتمل ذلك ؛ لأن معنى قوله - تعالى - : { مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } : مثنى أو ثلاث أو رباع ؛ لأنه قال : { مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } : استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن ، فلو كان ما ذكر ؛ لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن ، ولكن يقول : " وإن خفتم ألا تعدلوا " بين التسع ؛ فثمان ، أو سبع ، أو ست ؛ فلمَّا لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا : مثنى أو ثلاث أو رباع ، على الانفراد . والثاني : ما ذكر في القصة : أنه كان عند الرجل عدد من النساء عشر أو أكثر أو أقل ، فخرج ذلك على بيان ما يحل من العدد ، وذلك أربعة . وروي " أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة ، فأسلمن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبعاً ، وفَارِقِ الْبَوَاقِي " " . والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل ؛ فاحتمل أن يختار أربعاً على استقبال النكاح . وقوله - عز وجل - : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ . … } الآية : قيل فيه بوجوه : أحدها : أنه قال : إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموها ؛ فخافوا في كفالة النساء ؛ فلا تكثروا منهن . والثاني : أنكم إذا خفتم في أموال اليتامى ؛ فتحرجتم ضم أموالهم إليكم ؛ إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها - فخافوا النساء مواقعتهن من وجهٍ يحرم عليكم ؛ فانكحوهن . والثالث : أنه إذا خفتم الجور في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن ، فانكحوهن من غيرهن ممن إذا جُرْتُمْ فيهن مُنِعْتُمْ من ذلك . لكنه معلوم أن الحد في عدد النساء ؛ لخوف الجور ، وبما علم الله من عجز البشر على ما جُبِل عليه ، أخبر أنه لا يقوم بوفاء الحق في أكثر [ من ] ما ذكر . وقوله - عز وجل - : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } . ليس على الحكم والحتم ؛ ولكنه أدب ؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعاً - جاز ، وهو مثل الذي نهى - في الإصرار - المراجعة ، وأمر بالقصد فيها والعدل ، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة ، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة ، والنهي [ عنه ] في غير العدة ، ثم إذا طلق في غير العدة وقع ؛ فكذلك [ الأول . وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } : في القسم والجماع والنفقة . { فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } [ إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة ؛ لأنه ليس للإماء قِبَلَ سادتهن حقُّ الجماع والقسم ؛ ينكح ما شاء ؛ كأنه قال هذا ؛ لما ليس لأكثرهن غاية ؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه ، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع ، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } وجهٌ . وفيه إذن بتكثير العيال ، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم ؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } : قال بعضُ أهل العلم : إن قوله - تعالى - : { أَلاَّ تَعْدِلُواْ } : من كثرة العيال ، وهو قول الشافعي - رحمه الله تعالى - ولكن هذا لا يستقيم في اللغة ؛ لأنه يقال من كثرة العيال : أعال يُعِيل إعالة ؛ فهو معيل ، ولا يقال : عال يعول ، وإنما يقال ذلك في الجور . فإن قيل : روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ابْدَاْ بِمَنْ تَعُولُ " لكن تأويله - والله أعلم - : ابدأ بمن يلزمُك نفقته ، أي : ابدأ بمن تصير جائراً بترك النفقة عليه ، وكذلك يقال : عال يعول عولا ؛ إذا أنفق على عياله ، وليس من كثرة العيال في شيء ، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول ؛ فلو كان قوله : { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } من العيال ؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال ، وإن قول الله - تعالى - : { أَلاَّ تَعُولُواْ } ، والمتزوج واحدة يعولها ؛ فدل بما ذكرنا أن قوله : { أَلاَّ تَعُولُواْ } ، أي : لا تجوروا ولا تميلوا ؛ على ما قيل . وعن عائشة - رضي الله عنها - : { أَلاَّ تَعُولُواْ } : ألا تميلوا . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - مثله . والعول : هو المجاوزة عن الحد ؛ ولذلك سمى الحساب الذي ازداد على أصله عولا ؛ لمجاوزته الحد ؛ فعلى ذلك العول هاهنا هو : المجاوزة عن الحد الذي جعل له ، وهو الجور . وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } : ليس بشرط ؛ ليتفق القول ، ولأنه لا وجه لمعرفة حد الخوف الذي يجعل شرطا للجواز ، وكل عدل يخاف أدنى خوف ، بل جميع أمور الدين هي على الخوف والرجاء . ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم ؛ إذ لا يعرفن ذلك ، ومتى حرم عليه حرم عليها ، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطاً لا يوصل إلى حقيقته ، ولظهور الجور في الأمة على الإبقاء على النكاح ؛ فضلاً عن خوفه ؛ [ كذا ] مع ما في قوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ … } الآية [ النساء : 129 ] دلالة ظاهرة ، وكذلك في قوله : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا } [ النساء : 128 ] ، وقوله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } [ النساء : 35 ] ، { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] .