Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم } . وقال - عز وجل - : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } فقال بعض أهل العلم : لا يجوز تزوج الأمة حتى يعجز عن نكاح الحرة ، ويخشى مع ذلك العنت ، فإذا اجتمع الأمران فحينئذ يجوز أن يتزوج الأمة ، ولا يجوز أن يكون تأويل الآية في هذا ؛ وذلك أن الإماء أعز وجوداً اليوم من الحرائر ، ويجد الرجل حرة يتزوجها بأدنى شيء ما لم يجد بمثله الأمة ، إلا أن يقال : إن الإماء في ذلك الزمان أوجد ، وإن الحرائر أعز ، وإن مؤنة الإماء ومهورهن أقل ، فخرج الخطاب على ذلك . أو أنه لما نزل قوله - سبحانه وتعالى - : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] رغب السادات في تزويج الإماء بشيء يسير ، فعند ذلك نزل قوله - تعالى - : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً … } الآية وإلا الأمر الظاهر ما ذكرنا أنهن أعز وجوداً من الحرائر وأكثر مؤنة ، وأن الحرائر أهون وجوداً ، ومؤنتهن أقل . أو أن تكون الآية في الإنفاق عليهن ، ليس في ابتداء النكاح ، وهو أن الرجل إذا تزوج حرة لزمه أن ينفق عليها شاء أو أبى ، فإذا عجز عن الإنفاق عليها يطلقها ويتزوج بأمة ؛ إذ نفقة الأمة على سيدها ونفقة الحرة عليه ، فأمر أن يطلق الحرة التي نفقتها عليه ويتزوج أمة تكون نفقتها على سيدها ، هذا أشبه - والله أعلم - مما قاله أولئك . أو أن يقال : إنه أراد بالنكاح الوطء ، لا العقد والتزويج على ما قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه . والنكاح اسم للوطء والتزويج جميعاً ، قال الله - تعالى - : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } [ النور : 3 ] وتأويله الوطء ، فكذلك الأول ، ومعنى قول علي - رضي الله عنه - حيث حمل الآية على الوطء ؛ لأنه قال لا يتزوج الأمة على الحرة . كأنه منعه من ذلك ؛ لأنه قادر على وطء الحرة ، ويتزوج الحرة على الأمة . يقول : يتزوج الأمة ولم يكن قادراً على وطء الحرة ؛ فجاز نكاحه . أو إن كانت الآية في ابتداء النكاح والتزويج ؛ على ما قالوا : فليس فها حظر نكاح الإماء وبطلانه في حال الطول والقدرة ؛ لأنه أباح نكاحهن في حال عدم الطول والقدرة ، ومن أصلنا : أن ليس في إباحة الشيء وحله في حال - دلالة حظره ومنعه في حال أخرى ؛ دليله : قوله : { أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [ الأحزاب : 50 ] ليس فيه أنه لا يحل له إذا لم يؤت أجورهن ، وقوله - تعالى - : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } ليس فيه حظر الأربع وإن خاف ألا يعدل ؛ فهذا يدل على أن حظر الشيء ومنعه [ في حال ] لا يوجب الحظر في حال أخرى ، وإباحة الشيء في حال وحله لا يوجب منعه وحرمته في حال أخرى ، على أن المخالف لما لم يجعل الإيمان المذكور في الآية شرطاً لقوله - تعالى - : { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } فإذا لم يصر الإيمان شرطاً في حال نكاح الإماء ، كيف صار الطول والقدرة شرطاً فيه ؟ ! إذ من قوله أن ليس له أن ينكح الأمة إذا كان له طول نكاح المحصنة الكتابية ، [ فلما لم يصر هذا شرطا في ذلك كيف صار الطول والعنت شرطا ؟ ! وهذا يبطل قوله : أن ليس له أن ينكح أمة كتابية ] ؛ لأنه يقول : لأن الله - تعالى - شرط فيهن الإيمان بقوله : { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } فإذا لم يصر الإيمان شرطاً في المحصنات كيف صار شرطاً في الإماء ، وذلك كله عندنا ليس بشرط . فإن قال قائل : إن قول الله - تعالى - : { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ … } كذا [ المجادلة : 4 ] ، ليس ذلك شرطاً حتى لا يجوز غيره إذا كان له طول العتاق وقدرة الصوم ما ينكر أن يكون الأوّل بمثله . قيل : صار ذلك شرطاً فيه ؛ لأنه فرض لزمه بشريطة لم يكن له الخروج والتعدي إلى غيره ، وأمّا النكاح : فليس هو بفرض لزمه بوجود الطول والقدرة والعتاق ، وما ذكر فرض لزمه بوجود الطول والقدرة عليه ، ويجوز الطعام ، لكن لم يسقط الفرض الذي لزمه عنه ؛ لذلك صار شرطاً فيه ، والأول لم يصر . فإن قال : ما معنى الآية إذن ؟ قيل : معنى الآية على الاختيار والأدب ، أو على الإنفاق الذي ذكرنا ، أو ألا يختار نكاح الأمة على نكاح الحرة إذا كان له طول الحرة ، على ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - : قال : أيما حرّ تزوج أمة فقد أرق نصفه ، وأيّما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه . لا يختار نكاح الأمة وله إلى طول الحرة سبيل . ويجيء أن يكون قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } ألا يحمل على الزنا ، ولكن يحمل على مخالطتهن الناس واسترقاق الأولاد ، فإذا أمنه السيد عن استرقاق الولد ، وعن ترك الاختلاط بالناس ، فعند ذلك يتزوجها ؛ إذ قلوب الناس لا تحتمل اختلاط أزواجهم بالناس واسترقاق الأولاد ، فَحَمْلُ العنت على هذا أشبه من الزنا . ومن الدليل - أيضاً - على ألا يعتبر الطول على التزوج على ما قالوا : إذا تزوج أمة ثم قدر على تزوج الحرة لم يفسد نكاح الأمة ، وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - فعلى ذلك طوله في الابتداء على نكاح الحرة لا يمنع جواز نكاح الأمة ، والله أعلم . على أن عدم الطول في الأصل لا يمنع نكاح الحرة ؛ إذ [ المهر ] شيء يلزم الذمة ، وعدم النفقة يمنع الإمساك عنده ؛ فدل أن الآية لعدم نفقة الحرة أشبه وأقرب من عدم طول مهر الحرة في الابتداء ؛ على ما ذكرنا . والأصل : أن كل أمر يجوز بشرط الاضطرار ؛ فإن ارتفاع الضرورة يمنع البقاء ، فإذا لم يمنع بان أنه لا على الحل بالضرورة ، وعلى ذلك يختار لمن تحته حرة مفارقة الأمة ؛ إذ بإمساكها رِقُّ الولد الذي يَقْبُحُ في العقل اختياره ، ومخالطة الزوجة في الطبع نفار منه ، فمثله في الابتداء - والله أعلم - مع ما قال الله - تعالى - : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } وليس عن الذي فيه الضرورة شرط الصبر ، ثم القول واحد فيهن بملك المال وهو غائب عنه يخشى العنت إلى أن يبلغ ذلك أنه لا يمنع النكاح ، وجميع ما له الحرمة ، يستوي غيبة ذلك وحضرته : كنكاح الأمة على الحرة ، والأخت على الأخت ، ونحو ذلك ، مع ما لو كانت خشية العنت تصير سبباً للحل في شيء لكان ملك الحرة التي هي عنه غائبة ؛ إذ لم تصر الضرورة مبيحة ، فإذن بان أن الحرمة لنفس النكاح في الوجود والحل لعدمه لا للسبيل إلى ذلك وغير السبيل . ثم قوله - عز وجل - : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } إنما هو الضيق ؛ كقوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } [ البقرة : 220 ] أي : يضيق عليكم مخالطة الأيتام . أو الإثم ؛ كقوله - تعالى - : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ التوبة : 128 ] وكل رجل فيه وسع الاستمتاع فهو يخشى الإثم ، فيجيء أن يباح له على كل حال ، أو يرجع إلى الضيق ؛ فيكون المقصود منه الإمساك دون العقد ، والله أعلم . ثم خشية الزنا يحتمل أن يصير شرطاً للحل ، وقد حصل له عقوبة ، فيها أبلغ الزجر لمن عقل من : رجم أو حد ، بل يفرض عليه اتقاء ذلك بكل وجوه الإمكان ، ومعلوم أن الله قد جعل عنه بغير النكاح سبيلا في الاستمتاع ، أيضاً ، وقد جاء - أيضاً - الأمر بالصيام بأنه له وجاء ، فإنما خشية ذلك خشية حظر ، لا حقيقة ، فلم يجز أن يجعل عذراً لرفع الحرمات ولقدر عليه بالمباح من الصيام . القول في قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ } الآية ، نقول - وبالله التوفيق - : تحتمل الآية وجهين : أحدهما : طول عقد النكاح [ من ملك المهر . والثاني : طول إمساك الحرة ؛ للاستمتاع من النفقة والكسوة والمسكن ، وهذا الوجه أحق ؛ لأوجه : أن طول عقد النكاح ] مذكور - أيضاً - في نكاح الأمة ، بقوله : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } ومعلوم وجود الحرة بالمهر الذي يوصف في المعروف من المهور ، بل لعل ذلك في الحرائر أوجد ؛ إذ قد جاز نكاح الحرائر بالأشياء الضعيفة ، ومعروف وجودهن في كل عصر بدون ما يوجد من مثله الإماء ، فمحال أن يشترط في نكاح الإماء عدم ما لا يوجد السبيل إليه إلا بوجود ذلك ، أو ما هو أعظم في الوجود . وأمّا النفقة والمسكن فقد يكون بمال السيد دون أن يؤخذ به ، وفي الحرة هي لا سبيل إليها إلا بمال الزوج ، ففيهما بذكر الوجود ، لا فيما يستوي الذكر فيه في المتلو . ثم في الحاجة على ما عليه العرف فيه فضل ، ولا قوة إلا بالله . والوجه الثاني : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ تُنْكَحُ الأَمَةُ عَلَى الحُرَّةِ " ولو كان يجوز نكاحها عند وجود طول الحرة ، لم يكن للنهي عن ذلك بعد النكاح وجه ؛ إذ ليس لذلك وجود ؛ لما الطول يمنع وجوده . والثالث : أن الذي به يجب النكاح ليس للوجود شرط فيه ، والذي به الإمساك شرط ؛ إذ قد يجوز بذمة من لا يملك شيئاً ولا يمسك بمثله ، ثبت أن ذلك في حق الإمساك . وبعد : لو كان يمنع بالذي ذكر ، لكان جوازه بحق الضرورة ، وهذا مما لا يقع به الضرورة ، ثبت أن ذلك في حق الإمساك . ثم لو كان التأويل على النكاح لم يكن في ذلك تحريم النكاح على وجود طول الحرة ؛ لخصال : أحدها : أن ذلك يوجب أن يكون نكاح الإماء يجوز بحق الإبدال والاضطرار ، وذلك لا يحتمل حق النكاح ؛ لوجوه : أحدها : أن طريق ذلك طريق إباحة ورخص ، والفروج لا تحتمل الإباحات ؛ بل الإباحة توجب حد المبيح وعقوبته ، وتجعل كمبيح ما لا يملكه . والثاني : أن الحرمات التي كانت في جميع النكاح كانت ظاهرة لم يرتفع شيء منها لحاجات وكذا نكاح الإماء لو كان من المحرمات ، بل الحكم أن كل امرأة لا تحتمل النكاح فهي لا تحل بملك اليمين ، فلو قلنا : إنه لا يحل نكاحها لذاتها لم يحل في ملك اليمين ، فإذا حلّت بأن ما ذكرت ، وليس كالزيادة على الأربع ؛ لأن تلك الحرمة لحق المنكوحة لا لمكان المرأة ، وكذلك الأخت ونحو ذلك ؛ دليل ذلك جواز ذلك لا بحق الإبدال والاضطرار ، إذا عدم نكاح غيره . وبعد : فإنه لم يجعل في شيء من الحل والحرمة المال ؛ بل قال - تعالى - { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً … } الآية [ النور : 33 ] ؛ صير العدم شرط الترك ، وله قد يفسخ ، لا أنه شرط الإباحة ، فكذلك أمر نكاح الإماء . والثالث : إذ الأصل في إضافة الحل والحرمة إلى حال أنه لا يوجب ضد ذلك في غير تلك الحال ؛ بل هو في غيرها موقوف على قيام الدليل من ذلك المضاف إليه أو غيره ، لا أنه يوجب ذلك ؛ دليل ذلك أمور النكاح ؛ قال الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } [ الأحزاب : 50 ] لا أنه لو لم يؤتهن الأجور لم يحللن ، وكذلك قوله - سبحانه وتعالى - { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [ المائدة : 5 ] وقال - عز وجل - : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ … } الآية ؛ لأن الحدّ لا يجب لو لم يحصن ، وقال الله - عز وجل - : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } لا على جعل الإيمان شرطاً ، وقال [ الله ] - عز وجل - : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } [ النساء : 3 ] لأن الأمة لا تحل إذا لم يخف العدل في الحرائر ، وغير ذلك مما يكثر ، إذ ليس في إضافة الحل إلى حال قطعه عن غيره ، فمثله أمر النكاح فيما نحن فيه . ثم احتج بعضهم بالآيات التي فيها : { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } [ المجادلة : 4 ] ، { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } [ النساء : 92 ] ، لتوجيه ذلك الحق هاهنا وقد دخل جواب هذا فيما قلنا : إن الحكم في غيره موقوف على الدليل فيه منعنا لا بهذا ، مع ما بينا دليل ما نحن فيه ليس بشرط ؛ ألا ترى أنه ذكر شرط الإيمان في المحصنات ؟ ! ومن لم يصر شرطاً وقد صار في الكفارات ونحو ذلك ؛ فمثله ما نحن فيه . ثم الفصل بين الأمرين يقع من وجوه : أحدها : أن تلك بحق الإبدال والاضطرار ؛ دليله : زوال حكمه عند الارتفاع وفي هذا إلا ألا يرتفع لنكاح الحرة ؛ فلذلك اختلف الأمران ، ولو جعلنا الأمر به في حال أو الإشارة بالحل إليها دليلاً على النهي عن ذلك كان نهيا عن نكاح الإماء في حال طول الحرائر ؛ فلا يحتمل أن يكون النهي مبطلا للفعل لأوجه : أحدها : أن المعنى الذي له يقع النهي كان معقولاً ، وبمثله لا يحتمل الفساد ، وذلك يخرج على وجهين : أحدهما : أن يرق ولده . والثاني : أن تخالط امرأته الرجال ، وذلك بعض ما يشين الرجل . ثم كان نكاح الزانية مع النهي عن ذلك يجوز ، ومع الأمر بطلاقها ومعلوم أن ذلك أعظم في الشين ؛ إذ قد ظهر به ما يخافه في المملوكة ، ويصير ولده مشتوما بأمه ما هو أوخش في العقول من كل رق وعبودة ويقال له : يابن الزانية ، وذلك - أيضاً - تلبيس النسب وشبهه ، ثم لم يجب به الفساد ؛ فأمر المملوكة بالأحرى . وأيضاً لم يختلف على نهي الحرمة عن نكاح العبيد ، وله يفرق الأولياء ، ويصرف حق نسب الآباء إلى الموالي ؛ إذ معلوم أن الطعن عليهن في الخلاف قبح منه عليهم ، ثم لم يمنع ذلك جواز النكاح ؛ فمثله ما نحن فيه . وأيضاً إن الحرمة على وجهين : حرمة لنفس المنكوحة أو الاستمتاع وحرمة لحق النكاح ، وكل محرمة لذاتها فهي لا تحل بملك اليمين ولا بملك النكاح ، وما كانت الحرمة بحيث النكاح تحل ، فإذا كانت الأمة تحل بملك اليمين ثبت أن حرمتها ليست لنفسها ولا للاستمتاع فهي تحل بملك اليمين ، بل حلها في الأصل بملك النكاح أحق ، إذ ليس إلا للاستمتاع ، فإذا حلت به فبالأحرى أن تحل بالنكاح ، ثم قد يحرم للنكاح أشخاص [ لا يحر من للأموال بحال ] ، فكذا ما نحن فيه . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } . يحتمل وجهين : يحتمل - والله أعلم - : حقيقة إيمانكم ، وأنتم لا تعلمون ذلك . ويحتمل - والله أعلم - : بإيمانكم ، وغيره لا يعلم حقيقة ذلك . وفيه لزوم العمل بالظاهر . وقوله - عز وجل - : { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } . يحتمل : بعضكم من بعض في الدين . ويحتمل : بعضكم من نسب بعض ؛ فهذا يدل على أن بعضهم من دين بعض ، ومن نسب بعض ؛ فليس لبعض على بعض فضل من جهة الدين والنسب ؛ إذ نسبهم ودينهم واحد ، وليس للحرة على الأمة فضل من هذا الوجه . وفي قوله : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } . [ قيل : إن قوله { أُحْصِنَّ } تزوجن ، وقيل أسلمن . فكيفما كان التأويل لم يصر الإحصان شرطا في لزوم ذلك العذاب ] ؛ لأنها إذا كانت على غير هذا الوصف لزمها ذلك الحكم ؛ دل أن وجوب ذلك الحكم في حال على وصف - لا يمنع وجوب الحكم في حال أخرى على غير الوصف الذي وصف في تلك الحال ، وهذا بالمخالف لنا ألزم ؛ لأنه قال - عز وجل - في قوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ } [ البقرة : 221 ] أن النهي وقع على جميع المشركات : كتابيات وغير كتابيات ، ثم صار الكتابيات منسوخة بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ المائدة : 5 ] ثم قال : إذا كان له طول محصنة كتابية لم يحل له نكاح الأمة المؤمنة ، وقد أخبر - عز وجل - أن الأمة المؤمنة خير من مشركة ، وهو يقول : بل المشركة خير من الأمة ؛ فهذا يدل على اضطراره في قوله على مذهبنا ما قلنا . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } الآية [ البقرة : 221 ] ، على المشركات خاصة من غير الكتابيات عندنا ؛ دليله : قوله - تعالى - : { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ … } [ البقرة : 105 ] ذكر المشركات وذكر الكتابيات ؛ دل هذا أن المشركات في هذه الآية غير الكتابيات ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك في صدر السورة ما يغني [ عن ] ذكره في هذا الموضع . فإن كان ما ذكرنا - حل له أن يتزوج كتابية محصنة كانت أو أمة ، وقد أقمنا الدليل على أن ليس في ذكر الإيمان فيهن دليل جعله شرطاً في جواز نكاحهن ؛ على [ ما لم يكن في ذكر الإيمان ] في المحصنات من المؤمنات دليل جعل الإيمان فيهن شرطاً . وقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } ، أي : هو أعلم بحقيقة إيمانهن وأنتم لا تعلمون حقيقته ، وإن كان أثبت لنا علم الظاهر بقوله - تعالى - : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } [ الممتحنة : 10 ] أمرنا بالعمل بعلم الظاهر ، لا بعلم الحقيقة بقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } [ الممتحنة : 10 ] ؛ فهذا يدل على أن الإيمان هو عمل القلب ، لا عمل اللسان ؛ لأنه لو كان عمل اللسان لكان يعلم حقيقته كل أحد ؛ فظهر أنه ما وصفنا . وقوله - عز وجل - : { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } قيل فيه وجوه : بعضكم من بعض في الولايات [ في الدين ] ، كقوله تعالى : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] . وقيل : بعضهم من بعض في النسب ؛ إذ كل منهم من أولاد آدم . ويحتمل : بعضكم من بعض قبل الإسلام . وقوله - عز وجل - : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } . أي : بإذن ساداتهن ؛ سمّى السادات أهلا لهن ؛ دل أنهن من أهلهم . وفيه أن للمرأة أن تزوج نفسها إذا أذن لها وليها ؛ [ لأن الله - تعالى - ] قال { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } [ فلو كان أهلهن هم الذين يُنكحونهن - لم يكن لطلب الإذن معنى . وفيه أن للمرأة ولاية النكاح ؛ لأنه قال : { بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ] والمرأة إذا كانت [ لها جارية ] لها أن تزوج من غيره ، وهذا في النساء أولى لأن الرجل إذا كانت له جارية - يستمتع بها ولا يزوجها من غيره ، والمرأة إذا كانت لها جارية هي التي احتاجت إلى تزويج جاريتها ؛ لذلك كان في هذا أولى . وفيه أن ليس للعبد ولا للأمة أن يتزوج إلا بإذن السيد ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلاَهُ فَهُوَ عَاهِرٌ " . وقال بعض أهل العلم : قوله : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } إذا كنَّ مؤمنات ؛ على ما سبق من ذكر الإيمان بقوله : { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } لكن هذا وإن كان نهياً عن نكاح الإماء إذا كن غير مؤمنات لم يدل ذلك على فساد نكاحهن إذا كن غير مؤمنات ؛ ألا ترى أن النساء نُهِيْنَ عن تزويج أنفسهن من العبيد ، وذلك مما يشينهن ، ثم لم يمنع ذلك النهي عن التزويج منهم ؛ فعلى ذلك لا يمنع شرط الإيمان فيهن والنهي عن نكاحهن - فساد النكاح ولا بطلانه ، وكذلك الرجل نهي أن يتزوج كتابية حرة وهو واجد الحرة المؤمنة . ثم مع ما نهى عن نكاحها - إذا فعل ذلك جاز النكاح ؛ فعلى ذلك الأول . وكذلك قوله : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } [ النور : 32 ] ذكر الصلاح فيهم ، ثم إ ذا كانوا على [ غير ] ذلك الوصف جاز ؛ فكذلك الأول . وكذلك قوله - عز وجل - : { مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ } . ذكر الإحصان فيهن ، ثم لم يصر الإحصان فيهن شرطاً في جواز النكاح ؛ لأنهن إذا كن غير محصنات يجوز نكاحهن ؛ فعلى ذلك الأول ، ولو كان الطَّوْل والقدرة مما يمنع جواز نكاح الإماء - وجواز نكاح الإماء بمعنى البدل - لكان إذا تزوج أمة ولم يكن له طول على نكاح الحرة في ذلك الوقت ، ثم كان الطول على نكاح الحرة - يجيء أن يفسد النكاح ؛ لأنه إذا منع الابتداء يمنع القرار في ملكه ؛ فإذا لم يمنع دل أنه ليس على حكم البدل ؛ إذ الأبدال [ لا قرار لها ولا ثبات ] عند وجود الأصول ؛ دل أنه ليس عنه ؛ ولكن على الاختيار والتأديب ألا يختار نكاح الإماء على الحرائر والمسافحات على المحصنات ، ولا يختار المشركات على المؤمنات . فإن قيل : إنكم تمنعون من نكاح الأمة [ على الحرة ] ، ثم لا تفسخون نكاح الأمة إذا كانت عنده أمة فتزوج حرة . قيل له : إنما يمنع عن نكاح الأمة على الحرة لحقّ حرمة الجمع : كالجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها ، فأما إذا لم يكن ثَمَّ جمع لا يمنع ، وهذا ليس بجمع . وقوله - عز وجل - : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } . بإذن أهلهن على ما ذكر الإذن في النكاح بقوله - عز وجل - : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } . ويحتمل - أيضاً - أن يؤتى أجرها وإن لم يأذن له مولاها ، إذا كانت الجارية ممن يحفظ مال سيدها ويتعاهده ؛ إذ الناس يشترون المماليك لحفظ أموالهم وصون أملاكهم ، نحو ما جاء من الوعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعيِّتِهِ ، حَتَّى العَبْد عَنْ مَالِ سَيِّدِهِ " . فإذا كان ما وصفنا - لا بأس بأن يدفع الأجر والمهر إليها إذا كانت هي ممن تحفظ ماله وتصونه . ثم من الناس من استدل بقوله : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } على حقيقة الملك للمماليك ، ويبيح لهم التمتع بالجواري ، وبقوله - تعالى أيضاً - : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النور : 32 ] لو لم يملكوهم حقيقة الملك - لم يكن لوعد الغني لهم معنى ؛ لأنه لا يقع لهم الغنى أبدا ، وكانوا لا يملكون ؛ دل أنهم يملكون حقيقة الملك وأما عندنا فإنهم لا يملكون حقيقة الملك ؛ استدلالا بقوله - تعالى - : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } [ الروم : 28 ] أخبر أن ليس لهم فيما رزقهم شركاء مما ملكت أيمانهم ؛ دل أنهم لا يملكون حقيقة الملك . فإن قالوا : أليس يملكون التمتع في النكاح إذا ملكوا ما منع - أيضاً - أن يملكوا رقاب الأشياء إذا ملكوا ؟ قيل : إن السادات لا يملكون من المماليك رقبة ما يتمتع به بالأسر ؛ ألا ترى أن السيدة لا تملك من عبدها التمتع به ؛ دل أن ملك ذلك للعبد خاصة ؛ لذلك ملك ملك التمتع في النكاح . وأمّا قوله - عز وجل - : { يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النور : 33 ] بغناء ساداتهم ؛ إذ مقدار ما يطعمون ويشربون مما جعل لهم الانتفاع به . وقوله - عز وجل - : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } ما ذكرنا من الإذن من أهلهن ، أو لما جعل النهي حفظ الأموال . وقوله - عز وجل - : { بِٱلْمَعْرُوفِ } . قيل : مهر غير مهر البغي ، وقيل : هو المعلوم . وقوله - تعالى - : { مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ } . قد ذكرناه فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } . قيل : فإذا أسلمن . وقيل : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } : فإذا تزوجن . ويحتمل : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } : فإذا بلغن مبلغ النساء . وقيل : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } أي : عففن ، وتأويله - والله أعلم - : ما ذكره في أول الآية . وقوله : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] أنهن إذا تركن للتعفف ، ولم يكرههن على البغي - فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ؛ فهن الحرائر ؛ لأن عذاب المتزوجة إذا دخل بها زوجها - الرجمُ ، ولا نصف للرجم ، وإنما حد الأمة الجلد ؛ فلا يجوز أن يكون المحصنات في هذا الموضع ذات الأزواج ؛ لأن عذاب ذات الأزواج الرجم ، ولا نصف له ؛ دل أنه أراد بالإحصان : الإسلام . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - وسعيد بن جبير ، وجماعة من أهل العلم : أن لا حد على الأمة حتى تتزوج . وأما عندنا : فإن عليها الحد ؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بجلد الأمة إذا زنت وإن لم تتزوج ؛ فذلك حجة لقول من قال : إحصانها إسلامها ، وهو ما روي عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبل - رضوان الله عليهم - قالوا : " كنا عند [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فسأله رجل عن الأمة تزني قبل أن تحصن ؟ قال : " اجْلِدْهَا ؛ فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدْهَا … " ثم قال في الثالثة أو الرابعة : " فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ " " . هذا الخبر يدل على أن الأمة إذا زنت تجلد وإن لم تتزوج . وقوله - عز وجل - : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } . أي : وإن تصبروا ولا تتزوجوا الإماء فهو خير لكم ؛ لأن أولادكم يصيرون عبيداً ؛ فهذا يدل على أن قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } - كله على الاختيار ، ليس على الحكم ألا يختار ، [ و ] لا على أنه إذا فعل لا يجوز . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . يحتمل وجهين : يحتمل : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ؛ حيث كفر عنكم ما ارتكبتم في الدنيا بالعذاب الذي يقام عليكم ، ولم يجعل عذابكم في الآخرة ؛ إذ عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، وذلك من رحمته . ويحتمل : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } من رحمته أن يجعل الحدود في الدنيا زواجر عن العود إلى ارتكاب مثله من الأفعال .