Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 26-28)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } . يحتمل قوله : يريد الله أن يبين لكم ما تؤتون وما تنفقون ، وما لكم وما عليكم ، ويبين ما به صلاحكم ومعاشكم في أمر دينكم ودنياكم ، لكن حقيقة المراد بالآية : إما أن يكون أراد جميع ما ذكر ، أو معنى خاصّاً مما احتمله الكلام ، وليس لنا القطع على ما أراد به . وقوله - عز وجل - : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } . [ يحتمل ] وجوهاً : أي : يبين لكم سبيل الذين من قبلكم ، أي : سبيل الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأهل الهدى والطاعة منهم ؛ ليعلموا ما عملوا هم وينتهوا عما انتهوا ، وكذلك في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } سبل الذين من قبلكم . ويحتمل : قوله : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي : أمر الرسالة والنبوة ؛ ليهديكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول ؛ إذ أمر الرسالة والنبوة ليس ببديع ، قد كان في الأمم السالفة رسل وأنبياء - عليهم السلام - فأمر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ليس ببديع ولا حادث ؛ كقوله - تعالى - : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 9 ] . ويحتمل قوله : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } أي : يبين لكم أن كيف كان سنته في الذين خلوا من قبل في أهلاك من عاند الله ورسوله ، واستئصال من استأصلهم بتكذيب الرسل والأنبياء - عليهم السلام - والخلاف لهم ؛ كقوله - تعالى - : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } [ الأحزاب : 38 ] وقوله - تعالى - : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 38 ] . وقيل : { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } شرائع الذين من قبلكم من المحرمات والمحللات : من أهل التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وسائر الكتب . وقوله - عز وجل - : { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } . أي : يريد أن يتوب عليكم . وفي قوله - تعالى - أيضاً - : { سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } يحتمل : يهديكم تلك السنن ، أي : يبينها لكم أنها كانت ماذا ؟ ويحتمل : { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } بمعنى : جعل تلك السنن هداية لكم . ثم قوله - عز وجل - : { مِن قَبْلِكُمْ } يحتمل : سنته وسيرته في الذين من قبلكم ؛ لتعتبروا به . ويحتمل : سنتهم التي لزموها ، وسيرتهم التي سلكوها بما لها من العواقب ؛ لتتعظوا بها ، والله أعلم بحقيقة ما انصرف إليه مراد الآية ، لكن فيما احتمله ، فهاهنا موعظة بيناها فيه ، وعلى ذلك معنى قوله - عز وجل - : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } يحتمل : كل ما به لنا نفع ، أو كل ما بنا إليه حاجة ، أو كل ما علينا القيام به ، أو يرجع ذلك إلى الخاص مما يريد بالآية الإخبار عنه ، وأن الذي علينا النظر فيما قد يفضل البيان عنه ، وفيما أنبأنا عن سنته فيمن تقدمنا مما نرجو به الهداية والشفاء ؛ للقيام بما علينا في ذلك من الحق دون الشهادة عليه - جل ثناؤه - بالمراد فيها في مخرج الكناية دون التصريح من الموعود . وقوله - تعالى - : { لِيُبَيِّنَ } وأن يبين في مفهوم الخطاب فيما جرى به الذكر في هذه الآية واحد ؛ إذ لو كان ذكر " أن " لسبق إلى الفهم غير الذي سبق في هذا على حق العباد من التفاهم ، والله أعلم . ثم كان معلوماً فيما أراد بقوله : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ } أنه لو لم يبين ما أراد بهذا الوعد ولم يهد - أنه كان يلحقه الخلف في الوعد ؛ فعلى ذلك فيمن قال : يريد الله أن يتوب عليكم ، ويريد الله أن يخفف عنكم : لو لم يكن يخفف ويتوب على من أريد بقوله : يتوب ويخفف عنكم - يلحقه الخلف في الوعد ، ثم يخالف وصف كافر في حال أنه ممن تاب الله عليه ؛ ثبت أنه لم يدخل في قوله - سبحانه وتعالى - { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } فإذا ثبت أنه لم يدخل فيه وجب فيه أمران : أحدهما : أن الإرادة ليست بأمر ؛ إذ قد أمر الكافر بالتوبة . والثاني : أن كل من لم يتب فهو ممن لم يرد الله أن يتوب عليه ، وهو في قوله - تعالى - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } [ المائدة : 41 ] على أن الله - تعالى - قال في المؤمنين : { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [ الأنفال : 67 ] وقال في الكفار : { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 176 ] على التفريق بين الذي في علمه أن يختم مؤمنا ، ومن في علمه أن يختم كافراً ، على أن إرادة الهداية مع إرادة ألا يجعل له الحظ في الآخرة على الموعود - خلف ، وإرادة من لا تدبير له في فعله ، ولا يتصل به فعله - تمنٍّ في متعارف الأمر وتشهٍّ ، ولا يجوز أن يضاف إلى لله - تعالى - الإرادة من هذا الوجه ؛ فكان له حق الإرادة وهي التي يوصف بها من فعله الاختيار ثبت أن الله - تعالى - في فعل العباد فعلا : بحيث فعله يوصف بالإرادة ، وفي ذلك وجوب القول بخلق أفعال العباد . أو أن يكون المراد من تلك الإرادة - إذا لم تحتمل التمني ، ولا الأمر - أن تكون الإرادة [ التي تنفي ] القهر والغلبة ؛ فيلزم إذا ثبت نفي القهر - الوصفُ بالإرادة ، وثبت أنه مريد لكل فعل نفي عنه القهر في وجوده ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } . بما يؤتي [ وينفي ] ، عليم بما به معاشكم وصلاحكم ، وما به فسادكم وفساد معاشكم ، ونحوه . { حَكِيمٌ } وضع كل شيء موضعه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } . قالت المعتزلة : قد أراد الله - تعالى - توبة من لا يتوب ؛ فيقال لهم : ما التوبة عندكم ؟ أليس عندكم التوبة : التجاوز والدعاء ؟ فإذا وعد أن يتوب ولم يفعل - فهل ترك ذلك لا بعجز أو ذلك إلا لعجز أو بداء به ، أو ذلك الوصف له بالعجز أو الجهل ، فنعوذ بالله من الزيغ عن الحق ، والسرف في القول . وأما تأويله عندنا : والله يريد أن يتوب عليكم في الذي علمه أنهم يتوبون ، أو كان ذلك إخباراً عن قوم أراد الله أن يتوب عليهم فتابوا . وقال قوم : قوله : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : يأمر أن يتوبوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } الآية . [ أي ] : من اختيار الدنيا على الدين ، والأولى على الآخرة ؛ لهوى يتبعه ، وشهوة تغلبه ، لا لتقصير من الله - عز وجل - عن البيان ؛ بل لتركهم النظر والتأمل بالعواقب غلبت عليهم شهواتهم ، واتبعوا أهواء أنفسهم : إما رياسة طلبوها ، وإما سعة في الدنيا بغوها ؛ فذلك الذي يمنعهم عن النظر في العاقبة ، والتأمل في الآخرة ؛ لذلك مالوا ميلا عظيماً ، وخسروا خسراناً مبيناً ، وضلوا ضلالا بعيداً . وقوله - عز وجل - : { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } يحتمل هذا : أنه خفف علينا ، ولم يحمل ما حمل على الأمم السالفة من الإصر والشدائد والأثقال والمشقات ، مما جعل توبتهم قتلَ بعضهم بعضاً ، وجعل توبتنا الندامة بالقلب ، والرجوع عمّا ارتكبوا . أو أن يقال : خفف عنا ؛ حيث لم يستأصلنا ، ولم يهلكنا بالخلاف له وترك الطاعة ، على ما استأصل أولئك وأهلكهم . ويحتمل التخفيف عنا - أيضاً - : وهو ما خفف علينا من إقامة العبادات والطاعات ، من نحو : الحج ، والجهاد ، وغيره ، حتى جعل القيام بذلك أخف على الإنسان وأيسر من قيامه بأخف العبادات [ والطاعات ] وأيسرها ، وذلك من تخفيف الله علينا وتيسيره ؛ فضلا منه ورحمة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } . يحتمل : أن يكون أراد به الكافر ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } [ المعارج : 19 ] وكقوله - تعالى - : و { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } [ المعارج : 20 ] وقد قيل : كل موضع ذكر فيه الإنسان فهو في كافر من ضعفه يضيق صدره ، ويمل نفسه بطول الترك في النعم حتى يضجر فيها . ويحتمل : أنه أراد به الكافر والمسلم ، ووضعُه في ابتداء حاله أنه كان ضعيفاً ؛ كقوله : { خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [ الروم : 54 ] . ويحتمل وصفه بالضعف له ؛ لأنه ضعيف في نفسه ، يمل من الطاعات والعبادات التي جعل الله عليه ، ليس كالملائكة ؛ حيث وصفهم أنهم لا يفترون ولا يستحسرون ، { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] ولا كذلك بنو آدم .