Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 32-33)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الآية . قيل : لا يتمنى الرجل مال أخيه ، ولا امرأته ، ولا داره ، ولا شيئاً من الذي له ؛ ولكن ليقل : اللَّهُمَّ ارزقني ، تذكر النوع الذي رغبت ؛ فالله واجد ذلك ، وهو الواسع العليم . وقيل : هو كذلك في التوراة . وقيل : إن أم سلمة قالت : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، ويذكر الرجال ولا نذكر ؛ فنزلت الآية : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ } إلى قوله - عز وجل - : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } . ويحتمل : أن يكون هذا التمني في الديانة [ وفي الدنيا ] : أما في الديانة : هو أن يتمنى أحد أن يكون قدره مثل قدر آخر عند الناس من العلم ، والزهد ، وغير ذلك ؛ فنهي أن يتمنى ذلك ؛ إذ لم يبلغ هو ذلك المبلغ إلا باحتمال المكاره والمشقة والجهد . وفي الدنيوية : هو أن يتمنى مال : أخيه ، وزوجته ، وخدمه . ويحتمل : أن يكون معنى التمني : ما ذكر في خبر أم سلمة ؛ لأن في ذلك الكفران بنعم الله ؛ لأن النساء - وإن لم يُجْعَل عليهن القتال وغيره من الخيرات - رفع عنهن بعض المُؤُنات ؛ ففي التمني الكفرانُ بتلك النعم التي أنعم الله - تعالى - عليهن . وفي قوله - أيضاً - : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ } ، أي : الذي فضل الله بعضكم على بعض ؛ فهو - والله أعلم - لما فيه السخط بحكمه ، يريد الصرف إليه ، أو لما فيه أنه إنما قصر فضله على ما رأى وألا يسع فضله له وللذي فضله ، ولما النظر [ إلى ما ] أكرم به غيره بحق التمني - يلهي عن نعم الله - تعالى - عليه ، أو لما يخرج ذلك مخرج العداوة ، وحق نعم الله على كل أحد - أن يُعرف التعظيم له ، وكذلك قيل : فضلت على غيرك ؛ لترحمه وتتفضل عليه ؛ للتعظيم ، والتمني أوخش من الحسد ؛ لأن الحسد هو إرادة الصرف عنه ، وفي التمني ذلك وإرادة الفضل له به عليه . { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ } - سبحانه وتعالى - { مِن فَضْلِهِ } ، وكان فضله في الحقيقة هو ما له ألا يبذل ، وذلك يخرج على فضل في الدين ، أو فضل في الخلق والمروءة ، فأما فيما يرجع إلى نعم الدنيا مما لا يستعمله في أحد ذينك الوجهين - فهو في الظاهر نعمة ، وفي الحقيقة بلية ومحنة ؛ قال الله - سبحانه وتعالى - : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ } [ التوبة : 55 ] الآية ، وقال الله - عز وجل - : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ … } [ المؤمنون : 55 ] . وجائز أن تكون الآية في النهي ، مع ما مكنوا من النعم ووفقوا للخيرات : فإن كان لما وفقوا للخيرات - فحق ذلك أن يشكر لله ؛ بما أكرم به من حسنات ، ويرغب في التوفيق لمثله . وإن كان في أمر النعم - فحقه أن يعينه بالدعاء ؛ لتكون النعمة له [ نعمة ] لا بلية ونقمة ، وترغب فيما يقربك إلى الله في عاقبة . وقد ذكرنا أن أمّ سلمة تمنت بعض ما يقوم به الرجال من العبادات : نحو الجهاد وأشكاله ؛ فنزل النهي عن ذلك ، والترغيب في فضله في نوع ما تحتمل هي من الخيرات ، دون الذي يفضل عليهن بالرفع عنهن ، والله أعلم . وفي قوله - أيضاً - : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ … } الآية - يحتمل أن يكون على ما خاطب [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم بقوله - تعالى - : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ … } [ طه : 131 ] الآية ؛ فأخبر أن الذي أعطى - لم يعط للكرامة ؛ ولكن ليفتنهم به ، والعقل يأبى الرغبة فيما يفتن به دون ما يكرم به ، ثم بيّن الذي هو أولى بالمشتهي من التمني ، فقال : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } فرغب فيما له ، وأمر بالسؤال من فضله ؛ إذ لا يكون كسبه له إلا بفضله : كقوله - سبحانه وتعالى - : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } [ الأنعام : 164 ] ، ثمّ قال الله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [ النور : 21 ] فبين أن كسبه عليه إلا بفضل الله ، وبين أن الأولى به الإقبال على ما له عاقبته ، والتضرع إلى الله - تعالى - بالإكرام دون الذي عليه في ذلك ؛ خوف المقت ، [ والله أعلم ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } . مِثْلَهُ ؛ فإن فضله واسع ، ولا يتمنى مال أخيه وداره . أو اسألوا الله - تعالى - العبادة ، ولا تتمن ألا يكون لأخيك ذلك ، ويكون لك ، ثم أخبر أن ما يكون للرجال إنما يكون بالاكتساب ، وما يكون للنساء يكون بالاكتساب ، يكون لكلٍّ ما اكتسب من الأجر وغيره . وقوله - عز وجل - : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } . احتمل هذا - والله أعلم - أن يكون معطوفاً ، مردوداً إلى قوله - سبحانه وتعالى - : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ } الآية ، ذكر - هاهنا - ما يرث الرجال والنساء من الوالدين والأقربين ، ولم يذكر ما يرث الوالدان من الأولاد والأقربون بعضهم من بعض : من نحو العم ، وابن العم ، وغيرهم من القرابات ؛ فذكر - هاهنا - ليعلم أن للمولى من الميراث مما ترك الوالدان والأقربون ما لأولئك من الوالدين والأقربين إذا لم يكن أولئك أن جعل لهؤلاء ما جعل لأولئك ، ولم يذكر - أيضاً - ما للوالدين من الأولاد في قوله : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ … } الآية ، ولكن ذكر في آية الوصية في قوله - تعالى - : { إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 180 ] ذكر الوصية للوالدين والأقربين ؛ ولم يذكر للأولاد - والله أعلم - أن الرجل قد يؤثر ولده على نفسه ، وعلى غيرهم من الأقرباء ، ولا كذلك الولد للوالد ؛ فذكر الوصية للوالدين والأقربين لهذا المعنى ؛ ليصل إليهم المعروف ، وأمّا الأولاد فإنهم لا يؤثرون عليهم غيرهم ؛ لذلك لم يذكرهم ، والله أعلم . وقيل في قوله : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا } أي : بينا فيكون فيها بيان ما في الأولى من المواريث . ثم قيل في الموالي : إنهم هم العصبة ، وقيل : هم أولياء الأب ، أو الأخ ، أو ابن الأخ ، وغيرهم من العصبة . وقيل : هي الورثة ، وهو قول ابن عباس ، وكله واحد . وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - [ أنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ، مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَمَالُهُ لَمَوالي العَصَبَةِ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً أَوْ ضيَاعاً فَأَنَا وَليِّهُ ؛ فَلاَ دُعَاءَ لَهُ " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَلْحِقُوا المَالَ بِالْفَرَائِضِ ، فَمَا أَبْقَتِ السِّهَامُ فَلأَِولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ " . وعن عمر [ بن الخطاب - رضي الله عنه - ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول : ] " مَا أَحْرَزَ الوَالِدُ أَوْ الَوَلَدُ فَهُوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانَ " . وعن عمر - رضي الله عنه - أنه كتب : إذا كانت العصبة بعضهم أقرب بأم - فهم أحق بالمال . وأجمع أهل العلم على أن أهل السهام إذا استوفوا سهامهم وبقى من المال شيء - أنه لعصبة الميت ، وهم الرجال من قرابته من قبل أبيه ومواليه ، وأنه لا يكون أحد من النساء عصبة إلا الأخوات من الأب والأم ، أو من الأب مع البنات ، والمرأة المعتقة ؛ فإن هاتين عصبة وأجمعوا أن كل من اتصلت قرابته من قبل النساء بالميت فليس بعصبة ، وأن المرأة إذا أعتقت عبداً أو أمة فإنها عصبة المعتق بعد موت أمه ، إلا ابن مسعود - رضي الله عنه - فإنه يجعل لذوي الأرحام دون الموالي . وأجمعوا أنه إذا اجتمع عصبتان فأقربهما أولى ، وأقرب العصبة الابن ، ثم ابن الابن وإن سفل ، ثم الأب ، ثم الجدّ وإن علا ، والأخ من الأب والأم ، ثم الأخ من الأب ، ثم ابن الأخ من الأب والأم ، ثم ابن الأخ من الأب ، ثم العم من الأب والأم ، ثم العم من الأب ، ثم ابن العم من الأب والأم ، ثم ابن العم من الأب ، ثم مولى النعمة ، ثم ابن مولى النعمة وإن سفل ، فهؤلاء كلهم عصبة الميت ، وأقربهم أولاهم بما فضل من المال عن أصحاب السهام المذكور سهامهم ، هو - والله أعلم - موافق لما ذكرنا من دليل الآية والسنة ، وما تواتر من الروايات عن الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . وفي قوله : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } ، يحتمل : ولكل من الموالي جعلنا ؛ على إضمار " نصيب " أو " حق " فيما ترك الوالدان والأقربون ؛ فيكون تأويله قوله : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ } [ النساء : 7 ] فيكونون هم مواليه بحق الميراث على تأويل أنهم أولى بما تركوا ، وعلى مثله قوله : { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [ الإسراء : 33 ] ووليه من يلحقه في ملكه ؛ يفسره قوله - تعالى - : { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } [ النساء : 11 ] وجميع آيات المواريث ، إلا أنه لم يذكر للوالدين في هذه الجملة ولا للزوجين ، ولا يدخلون في اسم القرابة ، ولا في اسم الأولاد وقد جاء بالإيجاب لهم الكتاب وأجمعت عليه الأمة على غير دعوى النسخ فيه من أحد ؛ ليعلم أن التخصيص بالذكر فالحق لا يقطع حق غير ، لكنه يكون الأمر موقوفاً على وجود دليله ، والله أعلم . على أن في الإيجاب للأقربين وللموالي كفاية عن ذكر من ذكر ؛ إذ بهم تكون كل القرابة ، وبالتناكح يكون النسل ، وهو المجعول لذلك ، وكذلك لا يسقط حق هؤلاء بحال ولا يحجبون عن الكل بأحد ، وقد جرى ذكر حقهم فيما نسخته هذه الآية من الوصية ، والله أعلم . ويحتمل قوله - تعالى - : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } [ مَنْ ] يرجع الموالي إلى الذين ورثوه من تركة الأبوين والأقربين يجيز أن قد تجري المواريث فيما قد ورث نحو ما تجري فيما لم يكن ورث مرة ؛ فرجع ذا إلى غير أولاد الأول وأقرباء الأول ، أو أن يكون المقصود فيما ترك الوالدان والأقربون بما ذكر في أيهم نصيباً مفروضاً أن يكون هذا فيما ترك الوالدان والأقربون مع أصحاب الفرائض ؛ فتكون هذه الآية في بيان حق العصبات ؛ إذ لم يذكر لهم دون أن يكون معهم أصحاب الفرائض يرثون بحق السهام ، لا بحق الفضول ؛ فتكون عمل الآيات في المواريث ثلاث : أحدها : في أصحاب الفرائض ، وهو قوله - عز وجل - : { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [ النساء : 7 ] . والثاني : حق في العصبات ، وهو قوله - تعالى - : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ … } الآية . والثالث : في حق ذوي الأرحام ، وهو قوله : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ … } الآية [ الأنفال : 75 ] ، ثم ألحق بهؤلاء في حجاب الأبعدين - أهلَ العقد بقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } وإنما ذكر ذلك فيما يترك الميت ، ولا وجه للعون والرفد منه أو النصر ، مع ما ذكر نصيبهم في التركة ، كما ذكر لأصحاب الفرائض ، وعلى ذلك المرفوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم على يدي آخر أنه أحق الناس محياه ومماته ، وكذلك روي [ عن ] عمر وعلي وعبد الله مع ما كانت المواريث بهذا من قبل ، فنسخ بقوله - تعالى - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] فإذا ارتفع ذلك ذهب التناسخ فوجب لهم ؛ إذ بيت المال يرث بولاية الإيمان جملة ، ولهذا تلك الولاية وولاية أخرى ؛ فهو أحق ، والله أعلم . ويخلف هؤلاء من له رحم كما خلف ولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالإعتاق - حق العصبة من ذي النسب بقوله - عليه السلام - : " الولاء لحمة كلحمة النسب " . قوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } . قل : هو من الأيمان كان حلفٌ في الجاهلية يقول الرجل لآخر : ترثني وأرثك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، وتنصرني وأنصرك . ويتحالفان على ذلك . وقد قرىء بالألف " عاقدت " فهو من المحالفة . ثم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلَفٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ لّمْ يَزِدهُ الإِسْلاَمُ إِلاَّ شِدَّةٌ " . وقيل : هو من ضرب اليمين في اليمين ، وهو المبايعة ؛ كان الرجل يعاقد الرجل ويبايعه في الجاهلية ، فيموت ؛ فيرثه . وقيل : إن أبا بكر - رضي الله عنه - عاقد رجلا ، فمات ؛ فورثه ؛ ولذلك خص المماليك بالذكر بهذا من قوله - تعالى - : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } لأنهم يشترون للخدمة ، والمرء إذا خدم نفسه إنما يخدمها بيمينه ، فإذا كان تأويل الآية ما ذكروا ، فهو منسوخ بقوله - عز وجل - : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] وبما روينا من الخبر من قوله صلى الله عليه وسلم : " لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ ، وَمَا كَانَ مِنْ حَلَفٍ فِي الجَاهليَّة لم يزده الإسلام إلا شدة " ويحتمل أن تكون الآية فيمن أسلم على يدي آخر ووالاه ؛ على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الكُفْرِ عَلَى يَدَي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ " . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أن رجلا سأل عن رجل أسلم على يد رجل ويواليه ؛ قال : هو مولاه ؛ فإن أبي فلبيت المال . وروي عن مسروق قال : أتيت عبد الله فقلت : إن رجلا كان عاملا علينا فخرج إلى الجبل ، فمات ، وترك ثلاثمائة درهم ؟ فقال عبد الله : هل ترك وارثاً أو لأحد منكم عليه عقد ولاء ؟ قلت : لا ؛ فجعل ماله لبيت المال . وكذا يقول أصحابنا - رحمهم الله - : من مات وترك وارثاً فما له لوارثه ، وإن لم يكن له وارث فللذي أسلم على يديه ووالاه ؛ لما روينا من الخبر : " هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ " ، وقوله : " محياه " في العقل ، و " مماته " في الميراث ، وما روينا عن الصحابة ، رضوان الله عليهم أجمعين . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } قيل : هي الوصية إلى تمام الثلث ؛ لأن الميراث قد نسخ بالآية التي في الأحزاب بقوله - عز وجل - : { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } [ الأحزاب : 6 ] ثم قال : { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } [ الأحزاب : 6 ] فهي الوصية إلى تمام الثلث ؛ فإذا كانت الآية في الذي أسلم على يديه ووالاه وعاقده فهو ليس بمنسوخ . وقيل : { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } من النصر والمعونة والمشورة ، ولا ميراث . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً } . بما ذكر من الشرط والوفاء به ، وبالله التوفيق .