Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 43-43)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } . [ اختلف في قوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } ] قيل : لا تدنوا مكان الصلاة وأنتم سكارى ، وكذلك الجنب لا يدنو مكان الصلاة ؛ وهو قول ابن مسعود ، رضي الله عنه . وقيل : قوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } نهي عن الصلاة في حال السكر ؛ روي أن رجلاً صنع طعاماً فدعا أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّاً ، وسعد بن أبي وقاص ، فأكلوا ، وسقاهم خمراً ، وذلك قبل أن تحرم ؛ فحضرت صلاة المغرب ، فأمهم رجل منهم فقرأ : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] بطرح اللاءات ؛ فنزل قوله - تعالى - : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ صَلاَتَهُ " . وفي الآية دلالة : أن في الصلاة قولا فرضاً ، نهي عن قربانها في حال السكر ؛ مخافة تركه ، أو نهي عن قربانها في حال السكر ؛ خوفاً أن يدخل فيها قولا ليس منها ؛ وفي ذلك دليل فساد الصلاة بالكلام عمداً كان أو خطأ ؛ لأن السكران لا يفعل ذلك على العمد ، ولكن على الخطأ ، والأصل في هذا : أنه لم ينهه عن فعل الصلاة في حال السكر لنفس الصلاة ، ولكن فيه نهي عن السكر ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لاَ صَلاَةَ للْعَبْدِ الآبِقِ ، وَلاَ لِلْمَرْأَةِ النَّاشِزَةِ " ليس النهي فيه عن الصلاة ، ولكن النهي عن الإباق والنشوز نفسه ، وهكذا كل عبادة نهي عنها بأسباب تتقدم ، فالنهي إنما يكون عن تلك الأسباب ، لا عن العبادة التي أمر بها ؛ لأن الإباق والنشوز والسكر ليسوا بالذي يعملون في إسقاط ذلك الفرض وتلك العبادة . وفي الآية دلالة أن السكران مخاطب بقوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } نهي عن قربان الصلاة في حال السكر ، فالنهي إنما وقع في حال السكر ، فإذا كان مخاطباً عمل طلاقه ونفذت عقوده ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] فلو لم يكن عليهم ذكر في حال السكر لم يكن ليصدهم عن ذكر الله معنى ولا ذكر عليهم ، دل أنه مخاطب ، ولهذا ما قال أبو يوسف - رحمه الله - : إنه إذا ارتد عن الإسلام يكون ارتداده ارتداداً ؛ [ و ] لما نفذ طلاقه وسائر عقوده وفسوخه ، فعلى ذلك الارتداد . وعلى قول أبي حنيفة - رحمه الله - لا يصير مرتدّاً ؛ استحساناً ، ليس كسائر العقود والفسوخ ؛ لأن سائر العقود يتعلق جوازها باللسان ، وإن كان رضا القلب شرطاً فيها ، وأما الإيمان والكفر فإنما يكون بالقلب ، وإن كانت العبادة باللسان تكون شرطاً فيما بين الخلق ، فإذا كان كذلك فإذا سكر يُذْهِبُ السكرُ القلبَ ؛ فجعل كأنه لم ينطق به ، وإما كان سائر العقود تعلقها باللسان ، فإذا نطق به جاز ، والله أعلم . [ ثم ] اختلف في قوله - تعالى - : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ … } . منهم من حمل على مكان الصلاة ؛ إذ الصلاة فعل ، والفعل لا يقرب . ومنهم من حمل على الفعل ؛ أي : لا تصلوا . وأي الوجهين أريد به فالآخر داخل فيه ؛ لأنه إذا نهي عن حضور مكانها لحرمته فهي أعلى في الحرمة ، وأحق في المنع ؛ وأيد ذلك قوله - سبحانه وتعالى - : { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } والعلم بالقول يحتاج إليه في حق الفعل ؛ لئلا يترك المفروض من الذكر فيفسد ، أو يدخل المحرم فيه فيفسد ، وفي ذلك دلالة أحد الوجهين ، وفي حق العموم الوجهان جميعاً ، وهو على الخطأ يقول ؛ فثبت أن الخطأ من القول في الصلاة مفسداً ؛ إذ لو كان لا يفسد لم يكن سوى النهي ، وفي التأخير نهي أيضاً ، والله أعلم . ولو أريد به الصلاة فإنما المكان لأجلها ، فلا وجه للحضور دون إمكان الفعل للفعل ، والله أعلم . وعلى ذلك أمر الجنب ، واستثناء عابري السبيل ؛ ليكون على فعل الصلاة بالتيمم ؛ فيكون في الآية دلالة التيمم للجنب ، أو المكان فيباح الدخول فيه على العبور فيه بالتيمم أيضاً ، فعلى ذلك عندنا الدخول للاغتسال فيه ؛ إذ كان فيه بالتيمم ، والله أعلم . وإذا أبيح للجنب على المنع عن دخول المسجد إلا بالتيمم ؛ فثبت أن التيمم قد جعل له الطهارة ، فله الصلاة به لعذر ، والله أعلم . ثم في المروي دلالة عمن أَمَّ في المغرب بـ { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] على طرح اللاءات في حال السكر حتى نزل قوله - تعالى - : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } - أن كلام الكفر في حال السكر لا يكفر صاحبه ؛ إذ خاطبهم باسم الإيمان ؛ فلذلك لم يكن عند أبي حنيفة - رحمه الله - كافراًَ ، على أن المخطىء لما يجري على لسانه كلمة الكفر لا يصير كافراً في الحكم ، والسكران يجري على لسانه على الخطأ ؛ دليله ما لا يذكره ، وما كان من عقد القلب فهو لا ينسى ، وبخاصة المذاهب كلها يختار عن فكر الأسباب ، وعن اختيار الأحق من الأمور عنده إما لحجة ، أو شبهة ، أو شهوة ، من نحو الإلف بالتقليد ، وحسن الظن ، والذي يكون على ما ذكرت لا يحتمل السهو عنه حتى لا يخطر بباله لو أراد بدعوة عن قريب ثبت أنه كان عن خطأ ، وقد جاء برفع الخطأ . وأصله : أن اللسان معبر عن الاعتقاد في أمر الدين ، وبخاصة في الكفر الذي يكون بالقلب خاصة بلا استعمال اللسان ؛ فإذا كان مخطئا فهو أمر اللسان دون القلب الذي اللسان عنه معبر ، ومن عبر الكفر باللسان ووصفه لا يكفر إلا بأن يكون يُعَبِّرُ عن نفسه أنه اعتقده ، فلذلك كان على ما بينا ، على أنه قد يجري بتلاوة القرآن على اللسان بالغلط ما يكفر عليه بالتعمد ؛ فلا يجوز أن يجعل تلاوته للتعظيم ، والإيمان به كفراً ، ثبت بذلك رفع [ حكم ] الكفر عمن أخطأ في إجرائه على اللسان ، فمثله السكران ؛ إذ هو مخطىء ، والله أعلم . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله - تعالى - : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } : عن علي [ بن أبي طالب ] - رضي الله عنه - أنه قال : هو أن يكون مسافراً ولا يجد الماء فيتيمم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : هو المسافر . وقيل : { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } نهى الجنب أن يدخل المسجد ومكان الصلاة إلا عابري سبيل ، إلا مجتازاً . ومن تأول الآية على المرور في المسجد فهو غير بعيد ؛ يقول : إنما كره للجنب أن يستوطن المسجد ، فأما المار لأمر يعرض له ، فقد رخص له ؛ ألا ترى أن الجنب رخص له أن يقرأ بعض الآية ، ولا يجوز أن يتمها ، فمروره في المساجد إذا لم يجلس فيه كقراءته بعض الآية إذا لم يتمها ، وعلى ذلك أمر الجنب . واستثناء عابري السبيل يكون على فعل الصلاة بالتيمم ؛ فيكون في الآية دلالة التيمم للجنب ، أو المكان ؛ فيباح الدخول فيه على العبور فيه بالتيمم أيضاً ؛ فعلى ذلك عندنا الدخول للاغتسال فيه إذا كان منه بالتيمم ، والله أعلم . وإذا أبيح للجنب دخول المسجد بالتيمم ؛ فثبت أن التيمم قد جعل له الطهارة ، فله الصلاة به لعذر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ … } الآية . أباح الله - تعالى - للمريض المقيم أن يتيمم ، والآية ذكرت المرض عامّاً ، وأجمعوا أن المريض الذي لا يخاف أن يضر به الماء لا يتيمم ، وإنما أجازوا أن يتيمم إذا خاف ضرر الماء إن هو توضأ به ؛ فدل أن الله - تعالى - لما أباح للمريض التيمم لم يبح باسم المرض ، ولكنه لمعنى في المرض ؛ دليله ما ذكر أنه لم يبح لكل مريض ، وإنما أبيح لمريض دون مريض . وفيه دليل لقول أبي حنيفة - رضي الله عنه - حيث أباح للمقيم الجنب التيمم إذا خاف على نفسه الهلاك ؛ ألا ترى أن الله - عز وجل - أباح للسفر التيمم ، ولم يبحه باسم السفر ، ولكنه أباح لمعنى فيه : وهو إذا كان بمكان إعذار والماء ؛ ألا ترى أنه لا يباح له التيمم في الأمصار ، وإن كان اسم السفر موجوداً ؛ لعدم معنى السفر ؛ فعلى ذلك إباحة التيمم للمريض إباحة لمعنى في المرض ؛ ألا ترى أنه ذكر مجيئه من الغائط ، والغائط هو المكان المطمئن الذي يقضي فيه الحاجة ، ولا كل من جاء من ذلك المكان يلزمه الوضوء والتيمم ؛ دل أنه لمعنى فيه ، فعلى ذلك الأول . وروي أن جريحاً غسل فمات ، فبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : " قَتَلَوُهُ ، فَإِنَّمَا يَكْفِيهِمْ كَفٌّ مِنْ تُرَابٍ " ، وكذلك غسل محدود فمات ، فقال : " قَتَلُوه ، إِنَّمَا يَكْفِيهِ [ كف ] من تراب " ونحو هذا ، فإذا ثبت أن المراد من المرض والسفر والغائط المعنى الذي فيه لا لعين المرض والسفر والغائط ؛ لما ذكرنا ؛ [ دل ] أن كل مريض يباح له التيمم ، وإنما يباح لمريض دون مريض ، وكذلك لم يبح لكل [ سفر وإنما يباح ] لسفر دون سفر ، ومكان دون مكان ، وهو المكان الذي يعدم الماء فيه ويفقد . فعلى ذلك المراد من قوله : { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } عين اللمس وهو الجماع ، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الملامسة ، والمباشرة ، والإفضاء ، والرفث ، والجماع - نكاح ، ولكن الله - تعالى - كنى . وعن الحسن ، وعبيد بن عمير ، وعطاء ، قالوا : الملامسة : الجماع . فإن قيل : ما الحكمة في ذكر المرض والسفر والغائط والملامسة إذا كان المراد من ذكرها غيرها ؟ قيل : الحكمة في ذكرها هو أن المرض في أغلب أحواله يُعْجِزُ المرءَ عن إصابة الماء ، وكذلك السفر في أغلب أحواله يُعْجِزُ صاحبَهُ عن الماء ، فخرج الذكر على أغلب الأحوال ، وكذلك من جاء من الغائط ؛ الأغلب أنه إنما يجيء عن قضاء الحاجة ؛ لأنهم كانوا لا يخرجون إلا لقضاء الحاجة ، وكذلك الملامسة من الزوجين ، الأغلب فيها قضاء الوطر والحاجة ، فعلى الأغلب خرج الذكر وإن احتمل غيره ، وهذا يدل على أن الاحتجاج بالظواهر والعموم بحق المخرج باطل ؛ لما لا يجوز لأحد أن يحتج بظاهر هذه الآية أن يقول : على كل مريض ، أو على كل مسافر إلا كذا . ثم اللمس إن أريد به الجماع ، فهو ممكن لوجهين : أحدهما : البلية بالقبلة ، واللمس باليدين [ من ] الزوجين ظاهراً لا يحتمل ألاَّ يعرف به الرسول والأئمة من فعل العوام ، فلو كان الوصف فيه لازماً لا يحتمل ترك إظهار البيان حتى يلزم أكثر الأمة المنكر في فعل الصلاة ، والله أعلم . والثاني : أن يكون الأمر بالمعروف في كل لمس ومس جرى الذكر به بين الذكور والإناث فهو بحق الكناية عن الجماع ، وكذلك سائر الحروف المحتملة للكناية عنه ؛ من نحو : المباشرة ، والغشيان ، ونحو ذلك ، وبه قال كل من أجاز التيمم للجنب في حق الصلاة من الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - والله أعلم . وإن أريد به غير الجماع مما قد يحتمل وجوهاً ، فهو لا يجمع الكل ، ولكن يرجع إلى خاص ، وهو الذي في الغالب أن يكون ثم خروج وإن لم يكن ، وهي المباشرة الفاحشة ؛ دليله ذكر المرض والسفر على غير اقتران الحكم بنفسه ؛ إذ هو اسمان لوجوه ، فانصرفا إلى غاية ما له وقعت الرخصة من العجز والعدم ، فمثله أمر الوضوء في الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } . قيل : التيمم : القصد ؛ يقال : تيممت الصعيد وأممته ، لغتان . وقوله : { فَتَيَمَّمُواْ } : تعمدوا صعيداً طيباً ، فإذا كان التيمم القصد والتعمد إلى الصعيد - لم يجز إلا بالنية ؛ لأنه - عز وجل - أمر بالقصد إليه والتعمد ، وذلك أمر بالنية ؛ لأن القصد نية . وفي حرف حفصة وابن مسعود - رضي الله عنه - " فأموا صعيداً طيباً " أي : اقصدوا قصده ، والصعيد ، قيل : هو وجه الأرض ، وسمي : صعيداً ؛ لما يصعد عليها . وقيل : الصعيد هو الأرض التي تنبت ؛ ألا ترى أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً ، إِلاَّ السَّبَخَةَ وَالْمَقْبَرَةَ " وقيل : إنها ملعونة ، ولهذا قال أبو يوسف - رحمه الله - : إن التيمم لا يجوز من الأرض السبخة ؛ لأنها ليست بطيب ، والطيب ما ينبت ، وأما أبو حنيفة - رضي الله عنه - فإنه قال : الطيب : هو الطاهر الحلال ، له أن يتيمم به إذا عدم الماء ، الطيب : اسم ما [ حل في كل نوع ] من المقصود فيه ، والمقصود في التيمم التطهر ، فهو الطهور والطاهر ، وأيده الخبر الذي ذكر من جعل الأرض طهوراً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } . الأمر يقع بمسح الأيدي على الذراعين دون الكفين ؛ دليله أمر الوضوء أنه يُغْسَلُ الذراعان وقت غسلهما بلا غسل كفين ، إذ قد تقدم غسلهما ، فالذراعان دخلتا في المسح بذكر اليد ، وكذلك في الوضوء ؛ لأن الكفين يغسلان قبل غسل الوجه ، فالأمر بغسل اليد يقع على الذراعين وما وراء ذلك . وعن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي الجهيم قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غائط أو بول ، فسلمت عليه ، فلم يردّ علي السلام ، فضرب باليد الحائط ضربة فمسح بها وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها يديه إلى المرفقين ، ثم ردّ السلام . وهكذا يقول أصحابنا - رحمهم الله - بالضربتين : ضربة للوجه ، وضربة للذراعين . الأصل : أنه إذا قال الله - عز وجل - في الوضوء : { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } [ المائدة : 6 ] : أنه في وقت الأمر يفعل الغسل إلى المرافق غير مخاطب بغسل الكفين على حق غسل الذراع ؛ إذ قد [ مضى غسل فرضها ] من قبل ؛ فصارت الآية كأنها في غسل الذراع بالأمر بغسل اليد ، وعرف [ بذلك ] غسل الكف لا بها ، فمثله أمر التيمم ؛ فصارت الآية كأنها في حق الذراع ، ودخل الكف في ذلك بالخبر على أن أمر الطهارة فيما أضيفت إلى عضو أو بدن لم يحد لم يدخل كالمضاف إليه في الاشتراك بقضاء حقهما ، نحو الجنابة ، والوجه ، والرأس ، فكذلك أمر اليد في التيمم ، لكن قصر عن التمام ، بدلالة بيان السنة وعموم الفتيا ، وما لا يشك في قضاء حكم الوضوء ، وليس هو في بعض اليد فلا يجعل فيما ليس هو فيه بدله ؛ إذ حقه التقصير عن كمال وظيفة الأصل ، لا الزيادة عليه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً } . لما مضى من الذنوب . { غَفُوراً } لما يستقبل . والعفو : الصفح والمحو ، والغفر : الستر ، هو يعفو عنه ، ويستر على صاحبه . [ أو يعفو من ] التجاوز ؛ فيختلف اللفظ على إرادة معنى واحد .