Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } . قيل : هم اليهود ، جاءوا بأبنائهم أطفالا ، فقالوا : يا محمّد ، هل على أولادنا هؤلاء من ذنب ؟ قال : " لا " ، قالوا : فوالذي يُحْلَفُ به ما نحن إلا كهيئهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل ، وما عملنا بالليل إلا كفر عنا بالنهار ، فذلك التزكية منهم . وقيل : تزكيتهم أنفسهم بقولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] لا ذنوب لنا . ويحتمل : أن تكون تزكيتهم أنفسهم ما قال الله - عز وجل - { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } [ البقرة : 47 ] وكان أكثر الأنبياء - عليهم السلام - إنما بعثوا من بني إسرائيل ، وكانوا يزكون أنفسهم بذلك ، فأخبر - عز وجل - أنهم كانوا مفضلين على غيرهم ، لكن لما فضل غيرهم عليهم صار أولئك المفضلون دونهم وذلك ، قوله - عز وجل - : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } يفضل من يشاء ، أو يبرىء من يشاء من الذنوب . ثم التزكية تذم ؛ أن يزكي أحد نفسه ؛ لأن التزكية هي التنزيه من العيوب كلها والذنوب ، وذلك مما لا يسلم أحد منها ، ولا يبرأ ، ولا يستحق مخلوق ، وذلك معنى النهي : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ النجم : 32 ] إذ تخرج التزكية مخرج التكبر ، وذلك لجهله بنفسه لما لا يرى غيره شكل نفسه ولا مثله فيتكبر عليه ، ولو عرف أنه مثله وشكله ما تكبر على أحد قط ، ولا زكي نفسه . وقول الرجل : أنا مؤمن ، ليس ذلك منه تزكية ، إنما هو إخبار عن شيء أكرم به ، والتزكية هي التي يرى ذلك من نفسه . وقوله - أيضاً - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } ليس في إظهار الإيمان تزكية ؛ لما لا يخلو من أن تظهر لمن أبى مشاركتك فيه ، فعليك الإظهار بحق الدعوة إليه ؛ لتدعوه إلى ما تدين به ، أو هو يشاركك فيه ، والتزكية - في الحقيقة - فيما يوجب تقديمك ، وليس في هذا . وأيضاً : إن القول بالإيمان ليس بمقدر عن معنى العبادة ، أو سبب فيه علو من حيث ذلك ، إنما هو خبر عن أمر هو في اللغة تصديق ، والتصديق بأمر هو كذلك ليس بالذي يعد في الرتب ، بل على كل ذلك ، ولا أحد إلا وقد يؤمن بأشياء ويصدق ، فليس في القول به منقبة ، وكذلك ما من أحد إلا وعليه التكذيب بأمور ، فلا بالتكذيب في الإطلاق لوم ، ولا بالتصديق بالإطلاق مدح ؛ إذ كل في ذلك ، لكن الذم في تكذيب يكذب به ، فيكون من حيث كذبك ذممت ، ثم تتفاوت على تفاوت درجات الكذب . ثم التصديق لو كان ثم مدح فهو بصدقه أيضاً ، ولا أحد يخرج الصدق كله ؛ فيصير المرء بوصفه نفسه صادقاً في شيء تزكية ومدحاً ، ولا قوة إلا بالله . على أن للإيمان حدّاً ، وكل عبادة ذات حد ، فلا امتداح ممن قد أداها بالإخبار عن الأداء ، وبخاصة الفرائض منها ، نحو من يقول : قد صليت الظهر ، أو أديت زكاة مالي ، أو حججت ، أو نحو ذلك ، وفيما يقول : هو بر ، أو تقى ، أو حبيب الله - تعالى - أو نحو ذلك مما يرجع ذلك إلى ما لا يعرف حده من الخيرات ، فهو بذلك [ يرتفع على الأمثال ، ويفتخر عليهم ] فيما لو كان صادقاً كان في ذلك منه إغفال عن حق ذلك ، ولو كان كاذباً كان ذلك جائزاً فيه ، ممقوتاً بالكذب ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الفتيل : ما فتلت بين أصبعيك . والنقير : ما يكون وسط النواة . وقيل : النقير والقطمير : قشرة النواة . وقيل : الفتيل - أيضا - : ما يكون وسط النواة . وقيل : النقير : الذي يكون في ظهر النواة ، وهو على التمثيل . وقيل في حرف حفصة : ( ألم ترى إلى الذين قالوا إنا نزكي أنفسنا بل الله يزكي من يشاء ) . وقوله - عز وجل - : { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } الآية ظاهرة . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ } . قيل : أعطوا حظّاً من الكتاب ، وهم علماؤهم . { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ } اختلف فيه : قيل : الجبت : الشيطان ، والطاغوت : الكاهن . وقيل : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : الجبت : الشيطان بكلام الحبشة ، والطاغوت : كهان العرب . وقيل : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الشيطان . وقيل : الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف . يخبر - عز وجل - عن سفههم بإيمانهم بهؤلاء وحسدهم محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويحذر المؤمنين من صنيعهم ؛ لأن هؤلاء كانوا علماءهم مؤمنين بالجبت [ والطاغوت ] . { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } . قيل في القصة : إن هؤلاء أتوا مكة ؛ ليحالفوا قريشاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أجله ، ففعلوا ، فدخل أبو سفيان البيت في مثل عدتهم ، فكانوا بين أستار الكعبة ، فتحالفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه - رضي الله عنهم - : لتكونن كلمتنا واحدة ولا يخذل بعضنا بعضاً ، ففعلوا ، ثم قال أبو سفيان : ويحكم يا معشر اليهود ، أينا أقرب إلى الهدى وإلى الحق ، أنحن أم محمد وأصحابه ؟ فإنا نعمر هذا المسجد ، ونحجب هذه الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفادي الأسير ، أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه ؟ قالت اليهود : لا ، بل أنتم ، فذلك قوله - تعالى - : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } . وفي حرف حفصة : ( ويقولون للذين أشركوا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) . ثم قال الله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } . واللعن يكون على وجوه : اللعن : هو العذاب . وقيل : { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } : عذبهم الله . واللعين : هو الممنوع عن الإحسان والإفضال . وقيل : هو الطريد ، أي : طردوا من رحمة الله وإفضاله وإحسانه . قال : الطاغوت : هو اسم اشتق من الطغيان : كالرحموت والرهبوت ، من الرحمة والرهبة ، ونحو ذلك ، سمي به كل من انتهى في الطغيان غايته ، حتى استحل أن يُعْبَدَ هو دون الله ، فهو طاغوت ، وعلى ذلك [ تأويل ] قوله - تعالى - : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ } [ البقرة : 256 ] أي : بعبادة كل من عبد دون الله . وقيل : هم مردة أهل الكتاب . وقيل : هو الشيطان . وقيل : الصنم ، وذلك كله يرجع إلى ما ذكرت . وقيل في ذلك : كاهن ، وقد سمي جبتاً . وقيل في الجبت : السحر ، فإن كان الجبت السحر فهو على ما قال : { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ … } الآيات [ البقرة : 102 ] ، وأي شيء مما ذكرت قد كانوا آمنوا بذلك ، فعيرهم الله - تعالى - وسَفَّه أحلامهم بالإيمان بمن ذكرت ، ومظاهرتهم على ما لهم من الأتباع على رسول الله رب والعزة صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بموافقته - عليه السلام - رُسُلهُم وتصديقه بكتبهم ؛ وعلمهم بعدول أولئك عن هذه الرتبة ؛ بغياً وحسداً ، وكان في إظهار ذلك عليهم بيان الرسالة ، وإعلام أتباعهم تحريفهم كتب الرسل ، وإبداء ما في قلوبهم من الحسد ؛ لتزول الشبهة عن الأتباع ، وتظهر المعاندة في المتبوعين ، ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } اختلف فيه : قيل : لو كان لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيراً من بخلهم ، وقلة خيرهم . وقيل : لهم نصيب من الملك من الشرف والأموال والرياسة فيما بينهم ، لكن [ لا يأتون الناس ] نقيراً ، فكيف يتبعونهم ؟ ! . وقيل : قوله - سبحانه - : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } . أي : ليس لهم نصيب من الملك فكيف يؤتون الناس شيئاً ؟ ! إنما الملك لله - عز وجل - هو الذي يؤتي الملك من يشاء ؛ كقوله - تعالى - : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } الآية [ آل عمران : 26 ] ، إنما يستفاد ذلك بالله - عز وجل - لا بأحد دونه ، والله - تعالى - أعلم .