Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 56-57)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا } . يحتمل الآيات : أعلام الدين وآثاره . ويحتمل الآيات : آيات الربوبية له . ويحتمل الآيات : أعلام رسالة الرسول صلى الله عليه سلم ؛ فيكون الكفر بها كفراً بالله . وقوله - تعالى - : { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } . قيل : { نُصْلِيهِمْ } : ندخلهم ، وقيل : { نُصْلِيهِمْ } : نشويهم ؛ يقال : شاة مصلية ، أي : مشوية . وقوله - عز وجل - : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } : كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ، أي : جددنا لهم جلوداً غيرها ؛ ليزدادوا التهاباً وإيقاداً من غير أن يسكن ألم العذاب ، فهو من حيث التجديد غير ؛ لأن الأولى قد احترقت ونضجت ، ومن حيث العين نفسها هي الأولى ، ألا ترى ما يقال : تبدل فلان ، فإنما يقال من حيث تغيره من لون إلى لون ، لا أن كانت تحولت نفسه وتبدل من حال إلى حال ؛ فعلى ذلك قوله : { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } هي من حيث العين أنها تلك بعينها واحد ، وعلى ذلك البعث بعد الموت ، والإنشاء هو من حيث التجديد غير ، حيث تفانوا وذهبت آثارهم ، ومن حيث الإعادة إلى الحالة الأولى هم بأنفسهم ليسوا بغير ، وعلى ذلك قد سمى البعث خلقاً جديداً ، وإن كان بعث الأولى في المعنى . ثم تكلموا في قوله - تعالى - : { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } قالوا : كيف كان أن يعذب جلوداً لا مأثم فيها ، وإنما المأثم في الجلود التي احترقت ونضجت ، وقالوا : أيدنا فيمن قطع يده وهو كافر ، ثم أسلم ، فمات على الإسلام ، وما حال اليد المطقوعة ، تعذب في النار ، أو تكون مع النفس في الجنة ؟ وفيمن قطعت يده وهو مسلم ، ثم كفر ، فمات على كفره ، تلحق النفس أو تكون في الجنة ؟ فالجواب لهذا كله : أن الجوارح والأعضاء ليست تعمل ما تعمل بالاختيار والطوع ، ولكنها كالمكرهات والمقهورات في العمل ؛ ألا ترى أن الإكراه عليها يوجب تحويل الفعل منها إلى المكره ، فيجعل كأن المكره هو الذي [ قد ] فعل ذلك في حق الضمان ؛ فهذا يدل أن هذه الجوارح كالمكرهات والمقهورات لحقت النفس حيث كانت . ثم معلوم : أن من أسلم في آخر عمره يتمنى سلامة جوارحه التي كانت ذهبت عنه ؛ ليعمل بها في طلب مرضاة ربه - تعالى - وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه ؛ ليستعملها فيما اختار من الدين ، فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها . وقالت فرقة من الملحدة : إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه النفس التي تأكل ، وتشرب ، وتعمل كل ما تعمل ، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهرها جوهر النور ، لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب ، مشوبة بالآفات والعيوب ، فإذا صفت عن الآفات ، ونزهت عن العيوب التي بها امتحنت - صارت أهلاً للثواب العظيم ، ومحلاً للجزاء الجزيل ، وبالله العصمة والنجاة . وقوله - عز وجل - : { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } . أما ذوق الطعام والشراب يكون بالفم ؛ ليعرف طعمه ولذته ، وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه ؛ ليجد ألم ذلك في جميع الجوارح ، والله أعلم . [ و ] الذوق في العرف جُعِلَ ليعرف الطعم ، يلقب به كل شيء يعرف ؛ يقال : لفلان ذوق في أمر كذا : أي بصر ومعرفة . وقوله - عزو جل - : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } . قيل : العزيز : هو ما يتعزز وجوده في الشاهد . وقيل : هو عزيز لا يعجز ، فهو عزيز لما لا يوجد في الأفهام ، ولا يدرك بالأوهام . وقيل : العزيز : المنتقم ، وقد ذكرناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } من الآفات والعيوب ، لسن كأزواج الدنيا ونسائها . وقوله - عز وجل - : { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } . لا تنسخه الشمس ، ولا أذى فيه ؛ لأن الشمس فيها منافع للناس وأذى ، وكذلك القمر فيه أذى ، وإن كان فيه منافع ، والظلمة كذلك فيها منافع وأذى ، وأما الظل نفسه فليس فيه أذى على كل حال ، فإن كان فهو للزمان ، لا للظل بنفسه ، فأخبر - عز وجل - أنه يدخلهم الظل الذي ليس فيه أذى الشمس ، ولا أذى الظلمة ، ولا أذى الزمان ، ليس كظل الدنيا مشوباً بأذى غيره ، والله أعلم . وذلك تأويل الظليل أن يظله عن جميع المؤذيات ، والله أعلم .