Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 66-70)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ … } الآية . قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : لو كانت علينا نزلت يا رسول الله ، لبدأت بنفسي وأهل بيتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذَاكَ لفَضْلِ يَقِينِكَ عَلَى يَقِينِ النَّاسِ ، وَإِيمَانِكَ عَلَى إِيمَانِ النَّاسِ " . وعن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية قال رجل من الأنصار : والله ، لو كانت علينا لقتلنا أنفسنا ، فقال [ النبي صلى الله عليه وسلم ] : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ لَلإِْيمَانُ أَثْبَت فِي صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي " . وقيل : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ … } الآية : هم يهود [ تغنا العرب ] كما أمر أصحاب موسى ، عليه السلام . وقيل : قال عمر - رضي الله عنه - ونفر معه : والله لو فعل ربنا لفعلنا ، فالحمد لله الذي لم يجعل بنا ذلك ، فقال [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم : " لَلإِْيمَانُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِنَ الجِبَالِ الرَّوَاسِي " . ثم اختلف في قتل الأنفس . قال بعضهم : هو أن يقتل كلٌّ نفسَهُ . وقال آخرون : هو أن يأمر أن يقتل بعض بعضاً ، وأما قتلُ كلٍّ نفسَهُ فإنه لا يحتمل لوجهين : أحدهما : وذلك أنه عبادة شديدة مما لا يحتمل أحد ؛ كقوله - تعالى - : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] أخبر أنه لا يكلف ما لا طاقة له . والثاني : أن فيه قطع النسل وحصول الخلق للإفناء خاصة ، وذلك مما لا حكمة في خلق الخلق للإفناء خاصة . وقوله - عز وجل - : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } ، قيل : هو عبد الله بن مسعود ، وعمار ، وفلان ، وفلان - رضي الله عنهم - ولا ندري أيصح أم لا ؟ ولو كان قوله - تعالى - : { أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } قتل بعض بعضاً فذلك ما أمروا به بمجاهدة العدو ، والإخراج من المنزل ، والهجرة ، ثم أخبر أنهم لا يفعلون ذلك إلا قليل منهم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } يحتمل هذا وجهين : لو فعلوا ما يؤمرون به من الإسلام والطاعة لكان خيراً لهم من ذلك . ويحتمل : لو أنهم فعلوا ما يؤمرون به من القتل لو كتب عليهم ، لكان خيراً لهم في الآخرة ، { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } قيل : حقيقة . وقيل : تحقيقاً في الدنيا . وقيل : ما يوعظون به من القرآن . { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } في دينهم . { وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً } يعني : تصديقاً بأمر الله . وقوله - عز وجل - : { وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } يحتمل وجهين : الأجر العظيم في الآخرة . ويحتمل : في الدنيا ؛ كقوله : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } [ الليل : 7 ] . وقوله : { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } ، فهو الهادي للعباد إلى الطريق المستقيم . وقيل : تثبيتا لهم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ … } الآية . قيل في بعض القصة : " إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبكى ، ثم قال : والذي لا إله غيره لأنت أحبّ إليَّ من نفسي وولدي وأهلي ، وإني لأذكرك ، فلولا أني أجيء فأنظر إليك ، لرأيت أني سأموت ، وذكرت موتي وموتك ، ومنزلتك في الجنة ترفع مع النبيين ، فإني وإن أدخلت الجنة كنت دون ذلك ، وذكرت فراقي إياك عند الموت ، فبكيت لذلك . فما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ؛ فأنزل الله - تعالى - : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ … } [ الآية ] ، فقال [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم : [ " أَبْشِرْ يَا أَبَا فُلاَنٍ ، أَنْتَ مَعِي فِي الجَنَّةِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ " وروي ] " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم على بعض أصحابه ، فرأي بوجوههم كآبة وجزعاً ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَا لَكُمْ ؟ وَمَا غَيَّرَ وُجُوهَكُمْ وَلَوْنَكُمْ ؟ " فقالوا : يا رسول الله ، ما بنا من مرض ولا وجع ، غير أنا إذا لم نرك ولم نلقك اشتقنا إليك ، واستوحشنا وحشة شديدة حتى نلقاك ، فهذا الذي ترى من أجل ذلك ، ونذكر الآخرة فنخاف ألا نراك هناك ؛ فأنزل الله - تعالى - { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ … } " الآية . ويحتمل : أن لم يكن في واحد من ذلك ، ولكن في وجوه آخر . أحدها : أن اليهود ، وغيرهم من الكفرة ، والذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفرطوا في تعنتهم وتمردهم في ترك إجابتهم إياه ، وطاعتهم له - ظنوا أنهم وإن أسلموا وأطاعوا الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك منهم توبتهم ، ولم ينزلوا منزلة من لم يؤذه ، ولم يترك طاعته ، فأخبر - عز وجل - : أنه إذا أطاع الله والرسول فيكون : { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } كأن لم يترك طاعته أبداً - والله أعلم - كما قال - تعالى - : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . ويحتمل : أن يكون ذلك لما سمعوا أن لكل أحد في الجنة مثل الدنيا فظنوا ألا يكون لهم الاجتماع والالتقاء ؛ لبعد بعضهم من بعض ، فأخبر - عز وجل - أن يكون لهم الاجتماع ؛ لأن ذلك لهم في الدنيا من أعظم النعم وأجلها . ويحتمل : أن يكون على الابتداء : أن من أطاع الله - تعالى - والرسول صلى الله عليه وسلم فيكون { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } ] في دار واحدة ، لا يكونون في غيرها ؛ فهذه الوجوه كأنها أشبه - والله أعلم - إذ هم بالطاعة أجابوا ، والله أعلم . ثم اختلف في { وَٱلصِّدِّيقِينَ } ؛ قال بعضهم : أتباع الأنبياء - عليهم السلام - وخلفاؤهم في كل أمر من التعليم ، والدعاء لهم إلى كل خير وطاعة . وقيل : الصديق : هو الذي يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في أول دعوة دعاه إلى دين الله - تعالى - وفي أول ما عاينه . وقوله - عز وجل - : { وَٱلشُّهَدَآءِ } قيل : الشهيد : الذي قتل في سبيل الله . وقيل : الشهيد : هو القائم بدينه . وقيل : الصديقون والشهداء والصالحون كله واحد . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } دلت الآية على أن الجزاء إفضال من الله - تعالى - إذ قد سبق من عنده الإنعام والإفضال عليهم ؛ فيخرج طاعتهم له مخرج الشكر له ، لا أن عليه ذلك وأن الجنة لا يدخل فيها إلا برحمته وفضله . وقوله : - أيضاً - { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أي : ذلك الإنعام الذي أنعم عليهم فضل من الله . ويحتمل قوله : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } أي : ما أحسن من الرفقة بينهم ؛ فذلك فضل منه . والآية ترد على أصحاب الأصلح ؛ لأن تلك الأفعال إنما صارت قربة لله بإنعام من الله وإفضاله وتوفيقه ، وبه استوجبوا الثواب . وقوله - تعالى أيضاً - : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ } بعد العلم بأن الفضل هو بذل ما لم يكن عليه ، وبذل ما عليه هو الوفاء ، لا الفضل في متعارف اللسان والمعتاد . ثم لا يخلوا من أن يرجع منه إلى الخيرات التي اكتسبوها ؛ فيبطل به قول المعتزلة بما لا يخلو من أن كان منه ذلك الفضل أو مثله إلى الكافر أولى ، فإن كان منه لم يكن للامتنان منه بالذي كان منه وجه يستحقه ، وقد كان منه إلى غيره ، فلم ينل تلك الدرجة ، ولا بلغ تلك الرتبة ؛ فبان أنه لا بذلك بلغ من بلغ ، فيكون منه فيما لم يكن . وأيضاً : إنه لو لم يكن معه ذلك عنهم لم يكن البذل فضلا لما ذكرت ؛ ثبت أن ليس الحق عليه كل ما به الأصلح في الدين ؛ لما يزيل معنى الفضل ، وإن لم يكن إعطاء الكافر مثله فهو عندهم محاباة منه على المؤمن ، وقد منع بعض ما عليه في الأصلح ، وذلك عندهم بخل ، جل الله عما وصفوه . وإن كان ذلك في الثواب دل أن له أن يثيب حتى يصير ما أثاب عليه فضلا ، ولا يحتمل ألا يرضى بطاعة العبد واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فثبت أن الرضا ليس هو المراد ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } قيل : عليماً بالآخرة وثوابها . وقيل : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً } بما وعد من الخير في الآخرة لهؤلاء الأصناف . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الصديقون هم [ الذين أدركوا الرسل - عليهم السلام - وصدقوهم . وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : الصديقون هم المؤمنون . وقيل الصديقون ] : السابقون ، الذين سبقوا إلى تصديق النبيين ، أنعم الله عليهم بالتصديق ، والشهداء : هم الذين أنعم الله عليهم بالشهادة . والصالحون : هم المؤمنون أهل الجنة .