Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 64-65)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } [ الآية ] . يحتمل قوله - تعالى - : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وجوهاً . قيل : { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بمشيئة الله . وقيل : { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بأمر الله . وقيل : { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بعلم الله . ومن قال : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، بمشيئة الله ؛ أي : من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يطيعه بمشيئته ، وكذلك من عصاه إنما يعصيه بمشيئته ، من أطاعه أو عصاه فإنما ذلك كله بمشيئة الله . ومن تأول : { إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } العلم ، يقول : إنه يعلم من يطيعه ومن يعصيه ، أي : كل ذلك إنما يكون بعلمه ، لا عن غفلة منه وسهو ، كصنيع ملوك الأرض أن ما يستقبلهم من العصيان والخلاف إنما يستقبلهم [ لغفلة ] منهم وسهو بالعواقب ، فأما الله - سبحانه وتعالى - إذا بعث رسلا بعث على علم منه بالطاعة لهم وبالمعصية ، لكنه بعثهم لما لا ينفعه طاعة أحد ؛ ولا يضره معصية أحد ، فإنما ضرّ ذلك عليهم ، ونفعه لهم . ثم قالت المعتزلة في قوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ } : أخبر أنه ما أرسل الرسل إلا لتطاع ، ومن الرسل من لم يطع ؛ كيف لا تبينتم أن من الفعل ما قد أراد - عز وجل - أن يفعل ، وأن يكون ، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل من رسول إلا ليطاع . ثم من قد كان من الرسل ولم يطع . قيل : هو ما ذكر في آخره : { إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بمشيئة الله ، فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع ، ومن شاء ألا يطاع ، فلم يطع ، وكذلك من علم أنه يطاع فأرسله ليطاع فأطيع ، ومن علم أنه لا يطاع فلم يطع ، ومن أرسل أن يطاع بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم ، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز ألا يطاع . وقوله - أيضاً - : { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قيل فيه : بأمر الله ، وقد مرّ بيانه . وقيل : ليطاع بمشيئة الله ؛ فيطيعه كل من شاء الله . وقيل : بعلم الله ، فهو فيمن يعلم أنه يطيعه ؛ إذ لا يجوز أن يعلم الطاعة ممن لا يكون . والمعتزلة في هذا : أنه أخبر [ أنه ] أرسل ليطاع ، ولم يطعه الكل ما يبعد أن يكون أراد ليطاع وإن كان لا يطيعه الكل . فقلنا : إذا قال : { لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ، والإذن يتوجه إلى ما ذكرت ؛ فعلى ما ذكرت كان ليطاع ممن يطيعه لا غير ؛ فحصل الأمر على الدعوى ، وهو كقوله - تعالى - : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ومعلوم أن الصغار منهم لا يعبدون ، فخرج الخبر إلى الخصوص بالوجود ، لا أن كان في كل أمر ؛ فعلى ذلك أمر الإرادة فيمن وجد ؛ لا أنه في كل على أنه فيه بعلم ، وهو يرجع إلى بعض دون الكل ، فمثله الإذن على إرادة المشيئة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } . أي : علموا أن حاصل ظلمهم راجع إليهم ؛ لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، وهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، فإذا لم يعرفوا أنفسهم لم يعرفوا خالقها . وقوله - عز وجل - : { جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } . أي : جاءوك مسلمين ، تائبين عن التحاكم إلى غيرك ، راضين بقضائك ، نادمين على ما كان منهم ، { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } أي : تشفع لهم الرسول ، { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي : قابلا لتوبتهم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } . قيل : قوله : { فَلاَ } صلة ، وكذلك في كل قسم أقسم به ؛ كقوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [ البلد : 1 ] { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ القيامة : 1 ] ونحوه ، كله صلة ، كأنه قال : أقسم وربك لا يؤمنون . وقيل : قوله : { فَلاَ وَرَبِّكَ } ليس هو على الصلة ، ولكن يقال ذلك على نفي ما تقدم من الكلام وإنكاره ؛ كقول الرجل : لا والله ، هو ابتداء الكلام ، ولكن على نفي ما تقدم من الكلام ، فعلى ذلك هذا . وفيه دلالة تفضيل [ رسولنا ] محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر ؛ لأن الإضافة إذا خرجت إلى واحد تخرج مخرج التعظيم لذلك الواحد ، والتخصيص له ، وإذا كانت إلى جماعة تعظيماً له ؛ كقوله : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [ الجن : 18 ] ، وقوله : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ البقرة : 116 ] ، ونحوه . وقوله - تعالى - : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكماً وإن لم يحكموه ، ليس معناه - والله أعلم - : { حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } أي : حتى يرضوا بحكمك [ وقضائك . وقوله - عز وجل - : { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } . أي : اختلفوا بينهم وتنازعوا . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ ] فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ } . قيل ضيقاً . وقيل : شكّاً مما قضيت بينهم أنه حق . وقيل : إثماً . ثم في الآية دلالة أن الإيمان يكون بالقلب ؛ لأنه قال - تعالى - : { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } أي : في قلوبهم ؛ ألا ترى أنه قال الله - تعالى - في آية أخرى : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } [ الأنعام : 125 ] ذكر ضيق الصدر ، وذكر ضيق الأنفس ، وهو واحد ؛ ألا ترى أنه قال [ الله - عز وجل - ] في آية أخرى : { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [ المائدة : 41 ] فهذه الآيات ترد على الكرامية قولهم [ ؛ لأن الله - تعالى - قال : { لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } وهم يقولون : بل يؤمنون ] ، فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله ؟ ! . ثم قيل : إن الآية نزلت في اليهودي والمنافق اللذين تنازعا ، فتحاكما إلى الطاغوت . وقيل : " نزلت في شأن رجل من الأنصار والزبير بن العوام كان بينهما تشاجر في الماء ، فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال للزبير : " اسْقِ ، ثُمَّ أَرْسِلِ المَاءَ إِلَى جَارِكَ " ، فغضب ذلك الرجل ، فنزلت الآية { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ … } " الآية . ولا ندري كيف كانت القصّة ؟ وفيم كانت ؟ . ثم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأخبار أنه قال : " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَأَهْلِهِ ، وَوَلَدِهِ ، وَمَالِهِ ، وَالنَّاسِ جَمِيعاً " . وقيل في قوله - تعالى - : { ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } أي : في قلوبهم { حَرَجاً } أي : شكّاً { مِّمَّا قَضَيْتَ } أنه هو الحق { وَيُسَلِّمُواْ } لقضائك لهم وعليهم { تَسْلِيماً } . وفي قوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ } قيل : تأويله : أنه ما أرسل رسولا في الأمم السالفة إلا ليطيعوه ، فكيف تركتم أنتم طاعة الرسول الذي أرسل إليكم . وقوله - تعالى - : { إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ما أرسل الله رسولا إلا وقد أمرهم أن يطيعوه ، لكن منهم من قد أطاعه ، ومنهم من لم يطع .