Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 74-76)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } كأنه - والله أعلم - نهي المنافقين بالخروج إلى الغزو كقوله - تعالى - : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] وأمر المؤمنين أن يخرجوا لذلك ؛ لأنه قال الله - تعالى - : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } والمؤمنون هم الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة . وقوله - عز وجل - : { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قيل : في إظهار دين الله . وقيل : في طاعة الله - تعالى - ونصر أوليائه . وقوله - عز وجل : { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } في الآية دلالة أن من بذل نفسه وماله لله - تعالى - غاية ما يجب أن يبذل استوجب العوض قبله ، وإن لم يتلف نفسه فيه ولا أحدث ؛ لأنه قال - عز وجل - : { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ } [ النساء : 74 ] جعل لمن يتلف نفسه فيه الثواب والعوض الذي تلفت نفسه فيه ؛ لأنه إذا غلب لم تتلفت نفسه فيه ، وكذلك قوله - سبحانه وتعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ } [ التوبة : 111 ] جعل لمن قتل ولم يقتل فيه العوض ؛ فهذا يدل على مسائل لنا : من ذلك . أن المرأة إذا سلمت نفسها [ إلى زوجها ] في الوقت الذي كان عليها التسليم استوجب كمال الصدق وإن لم يقبض الزوج منها . ومن ذلك : البائع - أيضاً - [ إذا سلم ] المبيع إلى المشتري كان مُسَلِّماً وإن لم يقبض المشتري . وكذلك من صلى صلاة الظهر في منزله ، ثم خرج إلى الجمعة يصير رافضاً للظهر ؛ لأن عليه الخروج إليها ؛ فيصير بالخروج إليها كالمباشر لها ، وإن لم يباشر ؛ على سبيل ما جعل الباذل لنفسه الله - عز وجل - والمسلم إليه ، كأنها أخذت منه في استيجاب العوض الذي وعد له ؛ فعلى ذلك يجب أن يجعل تسليم ما ذكرنا إلى المحق كأخذ المحق منه ، وإن لم يأخذ ، وليس كالقيام إلى الخامسة ، ولا كالمتوجه إلى عرفات قبل فراغه من العمرة ؛ لأن على هؤلاء الفراغ مما كانوا فيه ، ثم التوجه إلى عرفات والقيام إلى الخامسة ؛ فلم يصح ذلك . وأما المرأة والبائع ومؤدي الظهر في منزله عليهم التسليم والبذل ؛ لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم . وفي الآية أن الله - تعالى - عامل عباده معاملة أهل الفضل والإحسان كأن لا حق له ، لا معاملة ذي الحق ، وإن كانت الأنفس والأموال كلها له في الحقيقة ؛ حيث فرض عليهم الجهاد ، وجعل لهم بذلك عوضاً ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } ، وقال الله - عز وجل - في آية أخرى : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } [ التوبة : 111 ] من المؤمنين كثيراً من لا حق له فيها ، وهي له في الحقيقة ، ووعد لهم على ذلك عوضاً وأجراً عظيماً . وقوله - تعالى - : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، وقوله - تعالى - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية [ التوبة : 38 ] ، مثل هذا لا يقال إلا لتفريط سبق منهم ، ثم لم يزل اسم الإيمان منهم بذلك ، وكان الجهاد فرضاً عليهم ؛ فهذا ينقض على من يخرج مرتكب الكبيرة من الإيمان . وقوله - تعالى - : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ } عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين ؟ ! . وكذلك روي عن الكسائي . وفيه دلالة : أن على المسلمين أن يستنقذوا أسراهم من أيدي الكفرة إذا أسروا بأي وجه ما قدروا عليه : بالأموال ، والقتال ، وغير ذلك ، وذلك فرض عليهم ، وحق ألا يتركوهم في أيديهم ؛ لأنه قال الله - تعالى - : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا … } الآية . وفي الآية دلالة أن إسلام الصغار إسلام ، وكفرهم كفر إذا عقلوا ؛ لأنه قال الله - تعالى : { وَٱلْوِلْدَٰنِ } والكبار من الرجال والنساء لا يسمون : ولداناً ، إنما يسمون الصغار منهم ؛ لأنه عاتبهم بتركهم في أيدي الكفرة ، فلو كانوا على حكم أولاد الكفرة لم يكن للتعيير والعتاب وجه بتركهم في أيديهم ؛ إذ لم يعاتبوا بترك ولدان الكفرة في أيديهم ؛ فدل أنه إنما لحقهم العتاب لإسلامهم ، وكذلك قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ … } الآية [ النساء : 97 ] ، ثم استثنى المستضعفين ، فقال - عز وجل - : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } [ النساء : 98 ] فلو لم يكن إسلام الولدان إسلاماً ، ولا كفرهم كفراً ، لم يكن لاستثنائهم من أولئك وإخراجهم من الوعيد الذي ذكر - معنى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ … } سألوا الله - عز وجل - أن يخرجهم من القرية ، وهم علموا أنه لا يتولى نحوه السماء ، ولكن على أيدي قوم يعينهم على ذلك ، وهم علموا أن لله - تعالى - في ذلك صنعاً ، والمعتزلة لم يعلموا ، وذلك ينقض قولهم ، وبالله التوفيق . وقوله : { ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا } قيل : المشرك أهلها : كل ظالم منعهم عن الخروج إلى دار الإسلام والهجرة . وقوله - عز وجل - : { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } في ديننا ، ونصيراً يمنعنا عن المشركين ، ويقال : مانعاً يمنع عنا المشركين ، وقد ذكرنا الولي والنصير في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النساء : 76 ] وسبيل الله : ذكرنا الذي يأمر خلقه بالسلوك فيه . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ } قال ابن عباس : الطاغوت : هو الشيطان في هذا الموضع ؛ لأنه هو الذي يدعو ويأمر بالسلوك في سبيله . وفي الآية دلالة ألا يؤمر الكفار بالجهاد ، ولا بالصلاة ، ولا بالزكاة ، ولا بغيرها من العبادات ؛ لأنه أخبر أنهم لو قاتلوا إنما يقاتلون في سبيل الشيطان ، وكذلك إذا صلوا ، صلوا له ، وكذلك سائر العبادات ، ولكن يؤمرون أولا بإتيان ما لو فعلوا من العبادات كانت في سبيل الله ، وهو الإيمان ، وهذا ينقض قول من يقول : إن الكافر مأمور مكلف بالصلاة ، والزكاة ، وغيرها من العبادات ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَقَٰتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَٰنِ } هذا يدل على أن الطاغوت هو الشيطان هاهنا ، وكل ما عبد دون الله فهو طاغوت . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } يحتمل قوله : { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ } : أي : كيد أولياء الشيطان { كَانَ ضَعِيفاً } إذا كان الله ناصركم ؛ كقوله - سبحانه وتعالى - : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] . ويحتمل أن كيد الشيطان كان ضعيفاً ؛ لأنه لا يعمل سوى الدعاء والأمر يدعوهم إلى سبيله ؛ فذلك لضعفه لا يباشر القتال ولا الضرب ، إنما هو إشارة منه ودعاء ؛ كقوله تعالى - : { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ } [ إبراهيم : 22 ] .