Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 77-77)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ … } الآية . اختلف فيه ؛ قيل : نزلت الآية في بني إسرائيل ، وهي الآية التي ذكرها الله - تعالى - في سورة البقرة : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ … } [ البقرة : 246 ] إلى قوله : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [ البقرة : 246 ] . وقيل : إنها نزلت في المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال كفار مكة سرّاً ؛ لكثرة ما يلقون من الأذى منهم ؛ فنزل قوله - تعالى - : { كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } أي : لم أؤمر بالقتال ، فنهاهم عن ذلك ، فلما كتب عليهم القتال وأمروا به كرهوا ذلك ؛ فدل قوله - تعالى - : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ … } الآية . وقيل : إنها نزلت في المنافقين الذين كانوا يقاتلون مع النبي ، صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي : يخشون الناس - يعني المنافقين - كخشية المؤمنين الله أو أشد خشية ؛ كقوله - سبحانه وتعالى - : { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً } [ البقرة : 165 ] . وإن كانت في المؤمنين ؛ فتأويله : يخشون الناس في القتال كخشية الله في الموت أو أشد خشية ؛ لأنه أهيب وأسرع نفاذاً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل أيضاً - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ … } الآية . تكلموا في ذلك : فمنهم من جعله خبراً عن أمر بني إسرائيل الذين قالوا لنبي لهم : { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً … } [ البقرة : 246 ] الآية ، أنهم إذا أمروا بالكف عن مقاتلته تمنوا الإذن في ذلك ، وسألوا نبيهم - عليه السلام - عن ذلك ، ثم فيهم من أعرض عن الطاعة ، وقد كان أهل الإيمان يتمنون الإذن في ذلك ؛ كقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } [ آل عمران : 143 ] فوعظوا بمن ذكرت ؛ ليقبلوا العافية ، ولا يتمنوا محنة فيها شدّة ، فيبعثهم على ما بعث أولئك . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ العَافِيَةَ ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَشوروا فِي وُجُوهِهِمْ " . أو كان في علم الله - سبحانه وتعالى - أن يأمرهم ، فَأُخْبِرُوا بالذين قتلوا وحل بهم ؛ لئلا يفعلوا مثل فعلهم ، والله أعلم . وخشيتهم كخشية الله ؛ كقوله - تعالى - : { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ … } [ البقرة : 249 ] إلى تمام القصة . وقد قيل : الآية نزلت فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا في ذلك ، ثم خاطبهم الذي ذكر . لكن اختلف في ذلك : فمنهم من يقول : كان ذلك في المصدقين ؛ لكن اشتد عليهم الأمر ، وذلك [ نحو ] ما كان منهم يوم حنين وأحد [ ونحو ذلك ] ، حتى أغاثهم الله - تعالى - وفرج عنهم بِمنَّه ، وعلى ذلك قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } [ آل عمران : 143 ] أي : ما فيه الموت من الجهاد ، وعلى ذلك : { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } ، فلما عاينوا السبب الذي فيه هلاكهم ، وتبلغ عند ذلك الخشية غايتها ؛ نحو قرب الموت وشدة المرض ؛ يكون المرء يخشى منه الموت ما لا يخشى لولا تلك الحال ؛ لأنه يرى الموت من المرض ، وإن كان الذي يظهر عليه من خشية الموت في تلك الحال أشد ، فهو - في الحقيقة - خشية من الله - تعالى - أن يكون جعل ذلك سبب الموت ، وأنه حضره وقرب منه ؛ فيكون في ظاهر الأمر كمن يخشى من تلك الأحوال ، وقد جعل لما جبل عليه الخلق في مثله معروف مثله ؛ أعني : أن المريض [ عند الموت لما يغلب ] عليه الإياس من حياته ، وإن كان الذي يصيبه يستوي عليه أحواله ، فعلى ذلك أمر الأول . وعلى ذلك فيما طبع عليه الخلق من طمأنينة القلب عند ملك أسباب الرزق والقدرة عليه ما لم يكن في غيرها ، وإن كان من حيث قدرة الله - تعالى - واحد ؛ فتكون تلك الخشية جبلية طبيعية ، لا اختيارية ، أو سخط بحكم الرب ، وهو كالذي جاء في قوله - تعالى - : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ … } الآية : [ البقرة : 216 ] . وقوله - على ذلك - : { رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ … } الآية ، يحتمل وجهين : أحدهما : الخبر عما في طباعهم ، كما قال - عز وجل - { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ … } الآية [ البقرة : 216 ] ، وقال [ النبي ] صلى الله عليه وسلم : " حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ " وإنما ذلك على الطبع فذلك الطبع كالسائل عن ذلك ، وربما يضيفون القول والسؤال على اعتبار الأحوال إلى ما لا يطيق له ، فعلى ذلك هذا ، والله أعلم . ويحتمل : أن يكون قولا منهم عن وجه الحكمة لهم بالأمر فيما علم أنهم يبلغون بالقتل والجبن إلى حال لا يقومون للعدو ، ولا يملكون أنفسهم في ذلك الوقت ؛ فأخبر الله - عز وجل - أن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التمتع بالدنيا ، ولو صوروا متاع الآخرة في قلوبهم لذهب عنهم ذلك ، ويثبتون للعدو ، ولا يبالون للعدو بما يحل بهم ، ولا يخشون لذلك ، وكأنه وعد لهم أن متاع الآخرة لكم على هذا الفعل لو صبرتم خير لكم ، وما وعد لكم عليه خير من متاع الدنيا . وأيضاً : أن يقال : إن هذا وإن عظم هوله على الطبع ، فإنه إذا كان لله بحق العبادة لهو أيسر وأهون من الموت على صاحبه إذا حضر ؛ إذ يريهم الله متاع الآخرة أو بعض ما فيه الكرامة ؛ فيصير ذلك متاع الآخرة لهم وقت الموت فهو خير من تمتعهم في الدنيا ثم الموت ، ولا ذلك منه ، كما قيل في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ ، وَمنْ كَرِهَ لِقَاءَ الله كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ " إن المؤمن يرى ما له من الكرامة ؛ فيحب الموت أن يعجل به ؛ ليصل إلى ذلك ، والكافر يرى سخطه فيكرهه ، وعلى هذا تأويل القول في الدنيا أنها : " سِجْنُ المُؤْمِن وَجَنَّة الْكَافِرِ " أن تكون كذلك في ذلك الوقت ، والله أعلم . وتأويل آخر : أن تكون الآية في المنافقين : أنه يظهر عليهم النفاق وقت المحنة بالجهاد دون غيره من العبادات ، قال الله - تعالى - : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ … } الآية [ محمد : 20 ] ، بين ما نزل بالمنافقين ، وكذلك قوله - تعالى - : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ … } [ الأحزاب : 18 ] - والله أعلم - فيمن نزلت الآية ، لكنها معلوم أن فيها ترغيباً فيما عند الله ، وتزهيداً في الدنيا ، ودعاء إلى الرضا بحكم الله - تعالى - فيما خف وثقل ، والله المستعان . وعلى التأويل الآخر : جميع ما ذكر ظاهر في المنافقين ، مذكور ذلك في الآيات التي ذكرتها ، وفيهم قال الله - تعالى - : { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ … } الآية [ الأحزاب : 16 ] ، وغير ذلك مما دل على إنكارهم ، وفضل خوفهم في ذلك ، والله أعلم . فإن قال قائل : كيف قال الله - تعالى - : { إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفاً } وقد هلك به أكثر البشر ؟ قيل : قد يخرج على وجوه - والله أعلم - : أحدها : أنه يضعف كيده على من تعوَّذ بالله - تعالى - كقوله - تعالى - : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ … } الآية [ الأعراف : 200 ] ، وإنما يقوى على من جنح له ، ومال إلى ما دعاه إليه ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ … } الآية إلى قوله - تعالى - : { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 - 202 ] . والثاني : أن يكون ضعيفاً على المقبل على ربه ، والذاكر له في أحواله ، والمفوض أمره إلى ربه ، فأما من تولاه وأقبل على إشارته فهو الذي جعل له السلطان على نفسه بما آثره في شهواته ، ومال به هواه ، وهو كقوله - تعالى - : { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية [ النحل : 99 ] ، وقد سماه الله - تعالى - : { ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } [ الناس : 4 ] ، بما يخنس بذكر الله - تعالى - ويوسوس عند الغفلة عن الله ، فكان سلطانه به ، والله الموفق . والثالث : أنه لا يملك الجبر والقهر ولا اكتساب الضرر في الأبدان والأموال ، فهو ضعيف ، والله أعلم . والرابع - والله أعلم - : أن يكون كان ضعيفا ، أي : صار ضعيفا عند نصر الله ومعونته ، والله أعلم . ويحتمل : كان ضعيفا لو ظهر ، حتى يعلم أنه شيطان ، لكن قوي بما لا يعلم المغرور أنه كيده وتغريره ، والله أعلم . وقوله - عز جل - : { رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ } . قيل : في حرف حفصة : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، قالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال ، فلما كتب عليهم القتال إذا هم يخشون الناس كخشية الله " كأن في الآية إضماراً ، يبين ذلك حرف حفصة ، وإلا لم يكن في ظاهر الآية خبر حتى يكون قوله - تعالى - : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ … } الآية - جواباً له . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ … } فإن كانت الآية في المنافقين ، فهو على الإنكار قالوا ذلك ، وإن كانت في المؤمنين فهو يخرج على طلب الحكمة في فرض القتال عليهم ؛ طلبوا أي حكمة في فرض القتال علينا ؟ وقد تطلب الحكمة في الأشياء ، ولا عيب يدخل في ذلك ، وأصله : أن كل آمر - في الظاهر - من هو فوقه فذلك سؤال له في الحقيقة لا أمر ؛ فيخرج سؤاله مخرج الخضوع والتضرع له ، ومن أمر من دونه فهو في الحقيقة ليس بسؤال ، فهو يخرج على الأمر والنهي ، وهو الأمر الظاهر في الناس . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } . معناه - والله أعلم - : إنا لم نخلقكم للدنيا وللمتاع فيها ، إنما خلقناكم للآخرة وللمقام فيها ، فلو خلقتكم للدنيا ثم كتبت عليكم القتال - لكان ذلك عبثاً خارجاً عن الحكمة ، ولكن خلقناكم للآخرة وللمقام فيها . ويحتمل قوله - تعالى - : { يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } وقوله - تعالى - : { وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ … } إلى آخره ، أن لم يقولوا ذلك قولا ، ولكن كان ذلك خطراً في قلوبهم ، فأخبرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عما أضمروا ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله - تعالى - ليدلهم على نبوته ورسالته . وقوله - عز وجل - : { لَوْلاۤ أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } فنموت حتف أنفنا ولا نقتل ، قتلا ؛ فَيُسَرٌّ بذلك الأعداء ؛ كقوله : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ يونس : 85 ] وفي القتل فتنة . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } يحتمل وجهين : أحدهما : ما ذكرنا : أنهم لم يخلقوا لمتاع الدنيا ، ولكن إنما خلقوا لمتاع الآخرة . والثاني : أن متاع الدنيا قليل من متاع الآخرة ، كقوله - سبحانه وتعالى - : { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ التوبة : 38 ] ، وكقوله - تعالى - : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } [ الشعراء : 205 - 207 ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ } لأن متاع الآخرة دائم غير منقطع ، ومتاع الدنيا زائل منقطع . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً } قد ذكرناه .