Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { حـمۤ } . قال بعضهم : هو هجاء أسماء الرب جل وعلا ؛ وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنهما . وقال بعضهم : فواتح السور كلها ، وكذلك قال في سائر الحروف المقطعة . وقال بعضهم : أصله { حـمۤ } أي : قضى ، كقول الشاعر : @ ألست ترى أن الذي حم كائن @@ أي : الذي قضى كائن ، إلا أنه ذكره بالهجاء كمن ذكر زيدا بالهجاء . وقد قلنا نحن : إن تفسير الحروف المقطعة ما ذكر على أثرها ، وقد ذكرنا أقاويل الناس واختلافهم فيها في غير موضع ما أغنانا عن ذكرها في هذا الموضع ، والله أعلم . وقوله : { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } . قد ذكرنا قوله : { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } في سورة الزمر ، غير أنه ذكر العزيز الحكيم وهاهنا ذكر العزيز العليم وهما واحد ، والله أعلم . وقوله : { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } ، يخرج على وجهين : أحدهما : { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } أي : متجاوز الذنب ، وهو في حق المؤمنين خاصة . والثاني : { غَافِرِ ٱلذَّنبِ } أي : ساتر الذنب ، وهو يحتمل للكافر والمؤمن جميعاً ؛ فإنه يستر كثيراً على المؤمن والكافر جميعاً الذنب في الدنيا ، ولم يفضحهما ، ويتجاوز عن المؤمن خاصة في الآخرة ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } . يخبر أنه يقبل التوبة وإن عظمت المعصية ، وجلت الذنوب وكثرت ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : التوب : جماعة التوبة . وقوله : { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } . أي : لمن لم يتب . وقوله : { ذِي ٱلطَّوْلِ } . قال أبو عوسجة : أي : ذي القدرة . وقال القتبي : ذي التفضل ، يقال : طُلْ عليَّ برحمتك ، أي : تفضل . وقيل : ذي السعة والغناء . وقيل : ذي النعم ؛ وكله قريب بعضه من بعض . وقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } . وحَّد نفسه ، وأخبر أن مصير الخلق إليه في الآخرة فيجزيهم بأعمالهم ، والله أعلم . وقوله : { مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . أي : يجادل في دفع آيات الله والطعن في آيات الله الذين كفروا بالله أو كفروا بآيات الله ، وكانت مجادلتهم ما ذكر حيث قال : { لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } أي : يبطلوا به الحق ، أهل الكفر هم الذين كانوا يجادلون في دفع آيات الله والطعن فيها ، فأما أهل الإيمان بها كانوا يفرحون بنزولها ويزدادون بذلك إيماناً ؛ كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } [ الرعد : 36 ] وكقوله : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً } [ الأنفال : 2 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، كانوا يستسلمون لها ويقبلونها ، ويستقبلون لها بالتعظيم والتبجيل ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ } . معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغره تقلبهم في البلاد ، لكنه ذكر الخطاب له ، وأراد به غيره ؛ لما يحتمل أن يظن قوم أن أهل الكفر لما كانوا فيه من التقلب في البلاد والسعة في عيشهم وأن أهل الإيمان في ضيق وشدة وخوف - أن أولئك على الحق وهؤلاء على الباطل ، فجائز أن يظن ظان ما ذكرنا ، فأخبر الله - عز وجل - أن الأمن والسعة ، ليس بدليل على كون صاحبه على الحق ، ولا الضيق والشدة بدليل على كون صاحبه على الباطل ، ولكن محنة : امتحنهم مرة بالسعة والأمن ، ومرة بالضيق والخوف ؛ دليل ذلك : وجود الحالين جميعاً في كل فريق مع اختلاف مذاهبهم ، وتضاد أقاويلهم . ويحتمل أن يكون المراد منه أهل مكة ، أي : لا يغررهم تقلبهم في البلاد وأمنهم وسعتهم بعد ما نزل بأهل الآفاق والنواحي أنهم على الحق ، وأن ذلك إنما يدفع عنهم لمكانهم ، وإنما يدفع ذلك عنهم ، ويكونون على أمن ؛ لمكان كونهم بقرب من البيت ؛ لحرمته وشرفه . وقوله - عز وجل - : { كَـذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَٱلأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ } . ذكر هذا لتصبير رسوله على تكذيب قومه إياه بالباطل ؛ يقول : لست أنت بأول من كذبه قومه ، ولا بأول من جادله قومه بباطل ، لم يزل الأمم المتقدمة يكذبون رسلهم ، ويجادلونهم بالباطل ؛ فصبروا على ذلك ؛ فاصبر أنت على تكذيب قومك ، ومجادلتهم إياك بالباطل كما صبر أولئك كقوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] ، وهو ما ذكر في قوله - عز وجل - : { وَهَمَّتْ كُـلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } همت كل أمة برسولهم ما ذكر ، لكن الله تعالى بفضله عصم رسله عما همَّ أولئك الكفرة بهم من القتل والمجادلة بالباطل ، وفي ذلك آية من آيات الرسالة لهم حيث حفظهم عما هموا بهم وكادوا بلا أعوان وأنصار كانوا للرسل مع كثرة أولئك الكفرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } . أي : كيف وجدوا عقابي ، أليس وجدوه حقا على ما وعد الرسل - عليهم السلام - أنه نازل ؟ ! بهم أو يقول : أليس وجدوه أليماً شديداً ؟ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } . يحتمل قوله : { حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ما ذكر في قوله : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ … } الآية [ الأحزاب : 38 ] . وقوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 38 ] يحتمل أن يكون قوله : { حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ما قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] فذلك الذي حق عليهم من كلمة ربك ، والله أعلم .