Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 20-22)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } . قال أهل التأويل : أي : الحكم بالحق . والقضاء المذكور في الكتاب يخرج على وجوه : أحدها : { يَقْضِي } أي : يأمر ؛ كقوله تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] ؛ وكقوله : { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } [ الأحزاب : 36 ] أي : إذا أمر أمراً ، يقول : { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } أي : يأمر بالحق ، { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } أي : لا يملكون الأمر بالحق ، فكيف تعبدون من دونه ؟ ! والثاني : القضاء : الوحي والخبر ؛ كقوله تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ } [ الإسراء : 4 ] أي : أوحينا إليهم ، فكأنه يقول : والله يوحي بالحق ويخبر به ، والذين يدعون من دونه لا يملكون الوحي ولا الخبر ، فكيف اخترتم عبادتهم على عبادة من يوحي بالحق ويخبر ؟ ! والله أعلم . والثالث : القضاء هو الخلق والإنشاء ؛ كقوله تعالى : { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ فصلت : 12 ] أي : خلقهن ، فيكون قوله على هذا { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } ، أي : يخلق بالحق ، والذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئاً ، وقد يعلمون استحقاق العبادة إنما يجوز بالخلق والإنشاء ؛ وهو كقوله تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [ النحل : 17 ] ، { خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } [ الرعد : 16 ] يقول : خلق من يدعون دونه كخلقه حتى تشابه ذلك عليهم فعبدوهم ؛ إذ يعلمون أن من خلق ليس كمن لم يخلق ، وقد تعلمون أنها لم تخلق شيئاً ، فكيف عبدتموها ؟ ! والله أعلم . ثم أقول : أصل التأويل { يَقْضِي بِٱلْحَقِّ } أي : يحكم بالحق في الدنيا بالآيات والحجج ما عرف كل أحد أنها حجج وآيات وبراهين ، والحكم بما ذكرنا حكم بالحق ، والله أعلم . والثاني : أي يحكم بالحق في الآخرة وهو الشفاعة ، أي : لا يجعل الشفاعة لمن يعبدون على رجاء الشفاعة ؛ كقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، ولكن إنما يجعل لمن ارتضى ؛ كقوله تعالى : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : السميع للمؤمن ، أي : المجيب للمؤمن ، والبصير لعقاب أولئك . وقيل : السميع لأقوالهم ، البصير بأفعالهم . وجائز أن يكون قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } صلة ما تقدم من قوله : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } يقول : السميع بما يكون منهم ظاهرا من قول أو فعل ، والبصير بما أخفوا في قلوبهم وتكن صدورهم ، يخبر بهذا ؛ ليكونوا أبداً مراقبين حافظين أنفسهم ما ظهر وما خفي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : ما قال الحسن : إنهم لو ساروا فنظروا في آثار من كان قبلهم من مكذبي الرسل ، لكان لهم في ذلك زجر ومنع عن مثل صنيع أولئك . وقال بعضهم : هو على الخبر ، أي : قد صاروا في الأرض ، ونظروا في آثار من تقدمهم ، لكنهم لم ينظروا نظر اعتبار أنه لماذا أصابهم ما أصابهم ؟ والله أعلم . وقال قائلون : هو على الإيجاب والإلزام ، أي : سيروا في الأرض وانظروا في آثار أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء ؛ كقوله : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ } [ النمل : 69 ] . ولكن نقول : ليس على حقيقة السير في الأرض بالأقدام ولا نظر العين والبصر ، ولكنه أمر منه لهم بالتفكر والاعتبار في آثار من كان قبلهم ، وإلى ماذا صار عاقبة أمر صنيع مكذبي الرسل ومصدقيهم ؟ لينزجروا عن مثل صنيع مكذبهم ، ويرغبوا في مثل صنيع مصدقهم ، والله أعلم . وقوله : { كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } ، في أبدانهم وأنفسهم ، { وَآثَاراً } ، أي : خبر أو ذكر في الأرض . ويحتمل { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } أي : أشد أعمالا في الأرض ، وليس كما يقول بعض المعتزلة : أي : أنهم كانوا أشد منهم قوة في الخيرات ، فإن كان ما ذكر فذلك ليكون أصلح لهم ، وهذا بعيد سمج من القول ، والوجه فيه ما ذكرنا أنهم كانوا أشد منهم قوة في أبدانهم وأنفسهم . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ } . يخبر أن أولئك الذين كانوا من قبل هؤلاء كانوا أشد من هؤلاء قوة وأشد آثارا في الأرض ، ثم لم يمنعهم شدة قوتهم في أبدانهم وأنفسهم وما ذكر من آثار الأرض ولم يدفعوا عن أنفسهم ما نزل بهم من عذاب الله ، فأنتم يا أهل مكة دونهم في البطش والقوة ، فكيف تمنعون عذاب الله إذا نزل بكم ؟ ! والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } . ذكر - والله أعلم - أن أولئك قد عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم في الآخرة وتقربهم إلى الله زلفى ، كما تعبدون أنتم على رجاء الشفاعة لكم والتقرب إليه ، ولو كانت عبادتهم إياها طريق الشفاعة وسبب التقريب ، لكان يغيثهم من عذاب الله في الدنيا ، وهو كما ادعت اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، فقال ردّاً عليهم بقوله : { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } [ المائدة : 18 ] أي : في الدنيا لو كنتم على ما تزعمون ؛ إذ لا أحد يهلك ويعذب ولده وحبيبه في الدنيا فعلى ذلك الأول . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } . فقوله : { ذَلِكَ } يقول : ذلك العذاب والإهلاك الذي نزل بهم لما كانت أتتهم رسلهم بالبينات ، فكفروا وكذبوا الآيات والأدلة التي أتتهم رسلهم أنهم رسل الله إليهم ، فأصابهم ما أصابهم ، كذلك فأنتم يا أهل مكة إذا كذبتم الرسول بعد ما أتتكم البينات والأدلة على رسالته ، ينزل بكم ما نزل بأولئك بالتكذيب والعناد ورد الآيات والأدلة ، والله أعلم .