Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 23-27)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا } . يحتمل : { بِآيَاتِنَا } أي : بحججنا ، وذكرنا أنه يحتمل أن الآيات والسلطان واحد ، ويحتمل أنهما غيران . وقوله : { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ } ، ليعلم أنه كان مبعوثاً إلى الكل لم يبعث إلى بعض دون بعض . وقوله : { فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } . دل قولهم : ساحر كذاب على أن موسى - عليه السلام - قد آتاهم من الآيات والحجج ما عجزوا عن إتيان مثلها والمقابلة لها ؛ فخافوا أن يتبعه الناس لذلك ، فموهوا بقولهم : { سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } على سائر الناس ؛ لئلا يتبعوه فيما يدعو ؛ لما عرف الناس أن السحر ليس يعرفه كل أحد وأن أكثر الناس يعجزون عن السحر ، وكانوا يعرفون أن السحر يكون كذباً ، فموهوا بذلك القول أمر موسى - عليه السلام - على أتباعهم ، ونسبوه إلى الكذب من غير أن ظهر من موسى كذب قط ، وقد كان لم يزل من فرعون تمويه وتلبيس على قومه أمر موسى ؛ مخافة أن يتبعوه ؛ لما أتاهم من الحجج والأدلة التي ظهرت عندهم أنها حجج وأدلة ، من ذلك قوله - عز وجل - : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [ الشعراء : 35 ] وقوله : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [ طه : 71 ] قال هذا بعد ما اتبعه السحرة وآمنوا به ؛ ليموه بذلك أمرهم على من لم يتبع موسى من الأتباع ، وقوله : { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا } [ الأعراف : 123 ] وغير ذلك من التمويهات التي كانت منه ؛ فعلى ذلك هذا القول منهم حيث قالوا : { سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } لأنهم اعتادوا . وجائز أن يكون قولهم : إنه كذاب ؛ لأنهم اعتادوا عبادة الأصنام دون الله تعالى ، فلما جاء موسى - عليه السلام - بما يمنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد ، ودعاهم إلى عبادة الواحد - قالوا : إنه كذاب ، وكذلك قال أهل مكة لرسولنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : إنه { سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 4 - 5 ] سموه : كذاباً ؛ لما دعاهم إلى عبادة الواحد ، ومنعهم عن عبادة ما اعتادوا من العدد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا } . قال بعضهم : أي : جاءهم بالتوحيد . وقال بعضهم : أي : جاءهم بالرسالة . وكأن غير هذا أقرب ، أي : فلما جاءهم بما يظهر عندهم من الحجج أنها آيات ، وأنها من عندنا جاءت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ } . أمر أتباعه أن يقتلوا أبناء من آمن منهم ؛ لينزجروا بذلك عن متابعة موسى ؛ لما رأى ما كان من التمويهات والحيل لم يمنعهم عن اتباعه ، بل كانوا يتبعونه ، فأوعدهم بقتل الأبناء كما كان يقتل الأبناء عندما قيل له : إن ذهاب ملكك بولد يولد كذا . … ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } . لا شك أن كيدهم في الآخرة في ضلال ، ولكن أراد كأن كيدهم في الدنيا ظهر أنه ضلال ؛ حيث لم يمنعهم كيده وحيله وتمويهاته عن اتباع موسى ، عليه السلام . وقوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } . قال هذا ؛ لما رأى أنه لم يمنعهم عن اتباع موسى ما ذكر من قتل الأبناء ، قال عند ذلك : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [ وهو يحتمل ] وجوها : أحدها : يحتمل أنه هم فرعون أن يقتل موسى - عليه السلام - فمنعه قومه أو الملأ من قومه عن قتله ، فقال عند ذلك : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } . والثاني : يحتمل أنه قال هذا مبتدأ من غير أن كان منهم منع إياه عن قتله ، وهو كما قال ربنا - جل وعلا - لرسوله صلى الله عليه وسلم : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } [ المدثر : 11 ] من غير أن كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم منع له عن ذلك ، وهذا في كلام العرب موجود سائغ التكلم به على الابتداء من غير أن كان من أحد منع عما يريدون أن يفعلوا ، والله أعلم . والثالث : يحتمل { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ } أي : ذروني لائمتي في قتل موسى ، أي : لا تلوموني إذا أنا قتلته ، والله أعلم . وقوله : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : أنه كان ذلك من فرعون يقول : { ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } يمنعني عن قتله إن كان صادقاً فيما يدعي من الرسالة ؛ لأن من أرسل رسولا ، فهم أحد قتله أو الضرر به ، منعه المرسل عن ذلك ، فعلى ذلك يقول ، والله أعلم . والثاني : يكون ذلك أمراً من الله - عز وجل - موسى بالدعاء على فرعون بالهلاك ؛ لما هم قتله ، وعلى ذلك الرسل - عليهم السلام - قد أذن لهم بالدعاء على فراعنتهم ومعانديهم ومكابريهم إذا بلغوا في العناد غايتهم والتمرد نهايتهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } . قد كان هناك تبديل الدين فإنه قد أظهر موسى - عليه السلام - دين الحق وآمن أتباعه ، لكن كأنه أراد - والله أعلم - بقوله : { أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } ، أي : يذهب بدينكم من الأصل . وقوله - عز وجل - : { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } . ذكر اللعين ، وسمى إظهار التوحيد في الأرض ودين الإسلام : فساداً ليعلم أن كل مدعٍ شيئاً وإن كان مبطلا في دعواه فعنده أنه على حق وأن خصمه [ على ] باطل ؛ فلا يقبل قول أحد إلا ببرهان ، والله أعلم . ويحتمل أن فرعون اللعين أراد بقوله : { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } قتل أبنائهم أي : يقتل موسى أبناءكم مجازاة لما قتلتم أنتم أبناءهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } . يحتمل قوله : { مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ } ، أي : متكبر على التوحيد . ويحتمل متكبر على الرسل لا يؤمن بما يدعوه الرسول إلى الإيمان بيوم الحساب ، والله أعلم .