Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 82-85)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . قد ذكرنا معناه في غير موضع . وقوله : { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً } . أي : كانوا أكثر عدداً منكم وأشد في القوة والبطش . وقوله : { وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } . أي : أكثر أعمالا منكم ، ثم كانت عاقبتهم الهلاك والاستئصال . وقوله : { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . يقول : لم يغن عنهم كثرة العدد والحشم والأموال ، ولا قوة الأبدان في دفع العذاب عن أنفسهم ، فأنتم - يا أهل مكة - أحق ألا تقدروا على دفع العذاب عن أنفسكم إذا نزل بكم مع ضعفكم وقلة عددكم ! والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } . يحتمل قوله : { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } وجهين : أحدهما : أي : فرحوا بما عندهم أنه علم وليس في الحقيقة علماً ، لكن عندهم أن ذلك علم ؛ وهو كقوله : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً } [ طه : 97 ] ، أي : انظر إلى إلهك الذي هو عندك إله ، وإلا لم يكن ذلك عند موسى - عليه السلام - إلها ، لكنه ذكر على ما عند ذلك الرجل للتعريف ؛ فعلى ذلك قوله : { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } أي : بما عندهم أنه علم وإن لم يكن في الحقيقة علماً ، والله أعلم . والثاني : يحتمل أن يكون على حقيقة العلم ، وذلك من أهل الكتاب ؛ قد كان من أهل الكتاب الإيمان بما عندهم من الكتاب ، وهو على الحقيقة علم لا شك فيه ، لكنهم لما كذبوا غيره من الكتب والعلوم وكفروا بها ، لم ينفعهم إيمانهم بما عندهم من العلم ؛ كقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ … } [ البقرة : 91 ] ، كان إيمانهم بما أنزل إليهم حقّاً ، لكنهم لما كفروا بغيره أبطل ذلك الكفر إيمانهم بالذي أنزل إليهم ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقوله : { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . أي : يحويهم العذاب بما كانوا يستهزئون بالرسل . وقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } ، يحتمل هذا وجهين : يحتمل أن يكون هذا القول منهم وما ذكر من الإيمان منهم إذا رأوا بأس الله - بعد وفاتهم في قبورهم ، أي : عذاب الله ، فإن كان التأويل هذا ، فهذا يدل على عذاب القبر لمن شاء الله تعالى في حقه العذاب ، والله أعلم . والثاني : يحتمل أن يكون ذلك منهم في حياتهم ؛ حين رأوا بأس الله في الدنيا آمنوا بما ذكروا ، فإن كان ذلك في الحياة ، فلم ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما قال الله تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ، وقد تقدم ذكر هذا في سورة يونس - عليه السلام - على الاستقصاء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } . ألا يقبل الإيمان عند رؤية بأس الله ومعاينة عذابه . والثاني : كذلك سنة الله التي قد خلت في عباده من التعذيب والانتقام من مكذبي الرسل في الدنيا واستئصالهم ، يخوف أهل مكة بما أنزل إليك ؛ ليحذروا مثل صنيعهم . وقوله : { وَخَسِرَ هُنَالِكَ } : أي : خسر عند ذلك الكافرون ، والله أعلم .