Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 77-81)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } . قد ذكرنا هذا أيضاً . وقوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } . كأنه كان يتوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم نزول ما وعد لهم ويخطر ذلك بباله ، ويطمع ذلك ، فنهاه عن توقع نزول العذاب الذي وعد للكفرة في الوقت الذي يطمع فيه ، وعن الخطر بباله النصر له وإهلاك أولئك في الوقت الذي يتوقع ، كأنه يقول : إن شئنا أريناك بعض الذي نعدهم ، وإن شئنا توفيناك ولم نرك شيئاً ؛ وهو كقوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } [ آل عمران : 128 ] ، وإلا ظاهر قوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } حرف شك لا يحتمل ذلك من الله تعالى ؛ إذ هو يعلم أنه يفعل ذا أو لا يفعل ، أو يكون ذا أو لا يكون ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا : أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع نزول ما وعد ، ويحدث نفسه بذلك ، فيقول له : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إلينا على ما ذكرنا ، والله أعلم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " هذه الآية من المكتوم ؛ لأن ظاهره شك " . وفي الآية دلالة الرسالة ؛ لأنها خرجت مخرج العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم والتوبيخ له ، ثم أظهر ذلك على الناس ، والسبيل في مثله في عرف الناس الإخفاء والإسرار عن الناس ؛ فدل أنه إنما أظهر عليهم للأمر بالتبليغ ، وكذلك في قوله - تعالى - : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } [ آل عمران : 128 ] ؛ إذ المرء لا يظهر مثل ذلك من غير أمر وتكليف ممن وجب عليه طاعته ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } يقول : لست أنت بأول رسول أرسلت إليهم فاستعبدوك وأنكروك وكذبوك ، بل قد أُرْسِلَ إلى الأمم السالفة رسل مثل ما أرسلت أنت إلى هؤلاء . وقوله : { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } . في الآية دلالة : أنا لم نؤخذ بمعرفة أعين الرسل وأساميهم على التعيين ، كما أنا لا نؤخذ بالإيمان بالله - تعالى - بجميع ما جاء منه على التفصيل والتعيين بأساميهم ؛ لكن على الجملة ، وعلى هذا قلنا : إن الإيمان برسول واحد إيمانٌ بجميع الرسل ؛ إذ المرء يوجد منه الإنكار لغيره على الجملة أو التعيين ، وكذلك الإيمان بالله تعالى إيمان بالرسل جميعاً ؛ لأن الإيمان بالله إيمان بأمره ونهيه ؛ فيكون إيماناً بمن جاء الأمر والنهي على يده ، والله الموفق . وقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . كأنهم سألوه أن يأتي بآية بعد آية على أثر آية أخرى ، فقال عند سؤالهم ذلك : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : ليس لرسول أن يأتي بالآية على شهوته أو على شهوة السائل . وهذه الآية تدل على نقض قول الباطنية ؛ فإنهم يقولون : إن أنفس الرسل جواهر روحانية يأتون بها الآية حيث شاءوا وكيف شاءوا ، فكان للرسل عندهم بسبب الجواهر الروحانية التي فيهم - قدرةُ إتيانِ الآيات كيف شاءوا من غير إذن من الله تعالى ، ومن غير سؤال منهم إياه في وقت الإتيان ، ولو كان الأمر على ما قالوا لم يكن لقوله : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } معنى ، وأنه مخالف للآية ؛ فإن فيها إخباراً : أنه لا يأتي الرسل بالآيات إلا بإذن من الله تعالى ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } . أي : إذا جاء الأمر بعذاب الله ، أو إذا جاء الأمر بموعود الله ، يعبر بالأمر عن الموعود الذي أوعدوا ، وقد ذكرنا معنى الخسران فيما تقدم . وقوله : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } . ذكرهم بهذه الآية وبالآية التي تقدم ذكرها لوجهين : أحدهما : يذكرهم النعمة التي أنعمها عليهم حيث قال : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] ، وقال : { جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ غافر : 64 ] ، ثم قال هاهنا : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ، ذكرهم أولا بدء إنشائهم حيث خلقهم من تراب ثم من نطفة … إلى آخر ما ذكر . وفيه دلالة وحدانيته وعلمه وتدبيره وقدرته ، ثم ذكرهم من بعد نعمه … إلى آخره ؛ يستأدي بذلك شكره وحمده على ذلك ، هذا وجه . والثاني : يذكرهم أنه إنما أنشأ هذه الأشياء التي ذكرها وعدّها عليهم للبشر ، لم ينشئها لأنفسها ، كأنه يقول - والله أعلم - : قد أنشأت هذه الأشياء لكم تنتفعون بها وتستعملونها كيف شئتم ، فما بالكم أشد إنكاراً وكفراً بالنعمة من غيركم من العالم ، وسائر العالم أشد خضوعاً واستسلاماً لنعمه والقيام بشكرها له ؟ ! ثم في الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : ليس لله تعالى أن يؤلم طفلا ونعما إلا بعوض يعوضها ، ثم لا شك أن ما سخر من الأنعام والدواب للبشر ، ومكن لهم استعمالها والانتفاع بها أنواع المنافع ؛ أنها تتأذى وتتألم بذلك ؛ فيجب على قولهم : ألا يكون لله تعالى أن يؤلم إلا بعوض ترضى به هذه الأشياء ؛ إذ هكذا حكم كل مجعول بعوض أن يشترط رضا أربابها في العوض ، وإذا لم تكن هذه الأشياء من أهل الرضاء بحيث ألا يجوز التعويض ؛ فدل أن ذلك بناء على ما قلنا من أن الأصلح ليس بواجب ، والله الموفق . ثم جعل منافعها مختلفة منها الركوب ومنها الأكل وغير ذلك من الانتفاع بصوفها ووبرها ، وما أعطى لهم أيضاً من السفن يركبون بها البحار ؛ ليصلوا إلى حوائجهم في الأمصار التي بعدت منهم ونأت ؛ فضلا منه ومنة ، فذلك قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ غافر : 80 ] . وقوله : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } . يحتمل أنه أراهم آيات وحدانيته وألوهيته ، وأراهم آيات نعمه وإحسانه إليهم ونحوها ، يقول : فأنى آيات الله [ التي ] أراكم تنكرونها أنها ليست من الله تعالى .