Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 30-33)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } . روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال : " أمتي أمتي ؛ لأن اليهود قالوا : ربنا الله ، ثم قالوا : عزير ابن الله ، وأن النصارى قالوا : ربنا الله ، ثم قالوا : المسيح ابن الله ، وأن أمتي قالوا : ربنا الله ، ولم يشركوا به أحداً " ، وكذلك روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال : " هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً " فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر - رضي الله عنه - فهو تفسير الاستقامة التي ذكر ، والله أعلم . وقال بعضهم : أي قالوا ربنا الله ، ثم استقاموا في إخلاص العمل له والقيام بذلك . وقال بعضهم : ثم استقاموا على أداء الفرائض والشرائع والحدود . وقيل : ثم استقاموا في الطاعات له . والاستقامة وجوه ثلاثة : أحدها : في الاعتقاد ، اعتقدوا ألا يعصوه ويجتنبوا جميع ما يخالف أمره ونهيه . والثاني : استقاموا في اجتناب جميع ما يخالف ما أعطوا بلسانهم : أنه ربنا الله ، وقاموا بوفاء ما أعطوا بلسانهم قولا وفعلا . والثالث : قاموا في جميع الأعمال مخلصين لله تعالى لم يشركوا فيها أحداً لأحد فيها نصيباً من المراءاة غيرها ، بل خالصاً لله تعالى سالماً ، والله أعلم بما أراد بذلك . وقوله : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } : اختلف فيه : قال بعضهم : ذلك عند قبضهم الأرواح في الدنيا يبشر لهم بما ذكر . وقال بعضهم : تقول لهم الملائكة يوم القيامة عند معاينتهم الأهوال والأفزاع ؛ ليسكن بذلك قلوبهم عند تلك الأهوال والشدائد ، والله أعلم . ثم اختلف في قوله : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } أي : لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم من الأهل والأولاد . وقيل : لا تخافوا ما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة ، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أهل أو دين . وقال بعضهم : لا تخافوا من العذاب ولا تحزنوا على فوت ما وعدتم من النعيم ؛ فإنها دائمة لا يفوت ولا ينقطع أبداً . وقوله - عز وجل - : { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } . على ألسن الأنبياء والرسل - عليهم السلام - فمن قال : إن البشارة التي ذكر في الدنيا عند قبض الأرواح ، فلما ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " ؛ لأن المؤمن يُرَى له الجنة ويبشر بها في ذلك الوقت ؛ فيصير الدنيا له سجناً لما عاين مما هُيِّئ له وجعل له من الثواب ، والكافر لما رأى له مكانه في النار أو بشر به صارت له الدنيا جنة ؛ وعلى ذلك يخرج قوله - عليه السلام - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يشبه أن يكون هذا القول من الذين بشروهم بما بشروا يقولون : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . وجائز أن يكون ذلك من الله تعالى ، وإن كان المذكور على أثر البشارة الملائكة ؛ وذلك كقوله - تعالى - : { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ * إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ غافر : 50 - 51 ] ثم إن كان ذلك من الله - سبحانه وتعالى - فيكون تأويله { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ } في عصمتكم في الدنيا ، وأولى بكم في الآخرة في المعونة ، أو نقول : نحن أولى بكم في النصر والتوفيق في الدنيا والجزاء والثواب في الآخرة ، والله أعلم . وإن كان ذلك من أولئك الذين بشروهم يقولون : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا بالصحبة ، فكذلك يكون في الآخرة . وقوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : { مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } أي : لكم ما ترغب به أنفسكم وتتوق إليه . أو لكم فيها ما تتلذذ به أنفسكم وتتنعم بها . وقوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } . قيل : ما تتمنون وتسألون ، أو يقول : ما تدعون من الدعوى . وقوله : { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } . قال بعضهم : { نُزُلاً } أي : رزقاً من غفور رحيم وهو من الإنزال ، وقال بعضهم : { نُزُلاً } أي : إنزالا في المنزل من غفور رحيم ، والله أعلم . وقوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً } . كأنه يقول : ومن أحسن مذهباً ومسيرة ممن دعا إلى الله ، أي : إلى توحيد الله ودينه ، أو دعا إلى المعروف والنهي عن المنكر ، أي : دعا غيره إلى ذلك وعمل بنفسه ، وهذا الحرف يجمع جميع الخيرات والطاعات ، فإن كان قوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } على ما ذكرنا من المذاهب والسيرة فكأنه يقول : ومن أحكم وأتقن مذهباً وسيرة ممن ذكر ، وإن كان على حقيقة القول فيكون قوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } أي : ومن أصدق قولا ممن قال ما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . أي : اختار الانتساب إلى الإسلام من بين غيره من الأديان والمذاهب ، وقد أبى سائر الفرق الانتساب إلى الإسلام سوى أهل الإسلام . والثاني : انتسب إلى ما خص الله سبحانه وتعالى تسميتهم به وهو الإسلام ؛ كقوله : { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الحج : 78 ] ، وقوله : { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] ، وقال في حق إبراهيم - عليه السلام - : { أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] ، ويكون اسم المؤمن خاصّاً لأهل الحق ؛ فإن اليهود والنصارى سلموا أنفسهم مؤمنين ، ولا يمتنعون عن إطلاق اسم المؤمن ويمتنعون عن إطلاق اسم المسلم ؛ ولهذا يقال : دار الإسلام ، ولا يقال : دار الإيمان ، وإن كان الإسلام والإيمان واحداً ؛ لاختصاص هذا الاسم بهؤلاء ، والله أعلم . أو يقال : إنه اختار النسبة إلى الإسلام ، وغيرهم من الناس انتسبوا إلى ما لهم من العز في الدنيا والشرف فيها ، وغير ذلك من الأسباب التي كانت لهم في الدنيا . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : هم المؤذنون ، وعلى ذلك رويت الأخبار أنها نزلت في المؤذنين . وقال بعضهم : ذلك في كل مؤمن دعا الخلق إلى طاعة الله تعالى وعمل بنفسه ، والله أعلم . وعن الحسن : أنه تلا قوله - تعالى - : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً } قال : هذا صفوة الله ، هذا خِيرة الله ، هذا أحب أهل الأرض إلى الله تعالى ، أجاب في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحاً في إجابته ، قال إنني من المسلمين لربّه ، هذا خليفة الله تعالى .