Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 34-36)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } . قيل : و " لا " الأخير هاهنا زائدة كأنه قال : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، وقد يزاد حرف " لا " في الكلام وقد ينقص ؛ فعلى ذلك هذا . ثم جائز أن يكون قوله : { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } ، وقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } كل واحد منها موصولاً بالآخر ، يقول : لا تستوي الحسنة ، وجائز أن يكون كل واحد منها مقطوعاً من الآخر على الابتداء ، فإن كان أحدهما موصولا بالآخر يقول : لا تستوي الحسنة والسيئة في جلب حب القلوب واللين والعطف لها ؛ بل الحسنة تجلب حب القلوب والميل إليها لا السيئة . { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : ادفع بالحسنة دون السيئة ؛ وهو كقوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ … } الآية [ آل عمران : 159 ] ؛ فعلى ذلك يقول هاهنا أنْ : لا تستوي الحسنة والسيئة في الطاعة والميل وجلب حب القلوب ، بل هما مختلفان مفترقان فادفع سيئتهم بالحسنة ، والله أعلم . وجائز أن يكونا جميعاً على الابتداء لا اتصال لأحدهما بالآخر ، فإن كان الابتداء فمعناه - والله أعلم - : أنكم تعلمون بعقولكم أن لا استواء بين الحسنة والسيئة ولا بين المحسن والمسيء ، وكذا لا استواء بينهما في الحكمة ، وقد رأيتم أنهما قد استويا في هذه الدنيا في جميع منافعها ولذاتها ، وجمع بينهما في هذه ، وفي الحكمة والعقول التفريق بينهما ، دل أن هنالك دارا أخرى يفرق بينهما في الجزاء والثواب فيهما - والله أعلم - وهو ما ذكر في آية أخرى : { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم : 35 - 36 ] ، وقوله : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] أي : لا نجعل هذا كهذا في هذه الحياة الدنيا ؛ فدل ذلك على أن هناك دارا أخرى فيها يقع ذلك التمييز والتفريق ، فعلى ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } . صرف عامة أهل التأويل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبي جهل - لعنه الله - أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدفع سيئة أبي جهل بالحسنة ، لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنه لم يذكر أن أبا جهل صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر حيث قال : { فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ، بل دامت عداوته إياه إلى أن خرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأغرى الناس عليه ، فرجع ذلك الإغراء إليه فقتل في ذلك اليوم ؛ فدل أنه لا وجه لصرف الآية إلى هذا . ثم يخرج قوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } على وجهين : أحدهما : ادفع سيئتهم في حادث الوقت بحسنة تكون منك إليهم ، أي : إذا أحسنت إليهم كفوا هم عن الإساءة إليك في حادث الوقت - والله أعلم - فيكون كقوله : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَٰوةٌ } [ البقرة : 179 ] . والثاني : أي ادفع سيئتهم بالعفو والصفح عنهم ، أي : لا تكافئهم بمساويهم ولكن تجاوز عنهم واصفح ، فإذا فعلت ذلك يصير الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، أي : لا يعاد ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } : على أمر الله تعالى والقيام بجميع أموره ، أو يقول : لا يعطى ولا يؤتى المعاملة التي ذكر ولا يوفق لذلك إلا من عزم على الصبر على ما أمر الله تعالى والصبر على ذلك . وقوله : { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } . يقول : ولا يعطى هذه المعاملة التي ذكر من الدفع بالحسنة والصفح عن المجرم إلا من كان له حظ ونصيب عظيم عند الله تعالى ، والله أعلم . وقوله : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : جائز أن يكون الاستعاذة التي ذكر هي مباشرة الأسباب التي بها يدفع نزغ الشيطان ووساوسه ، أمره أن يأتي بالأسباب التي يتهيأ له أن يدفع بها نزغاته وغمزاته ، وهذا كالاستغفار الذي أمره به ، ليس هو أمراً بأن يقولوا : نستغفر الله بألسنتهم ، ولكن أَمْرٌ بمباشرة أسباب يقع ويجب لهم المغفرة بها ؛ فعلى ذلك الاستعاذة . والثاني : جائز أن يكون أمره بالاستعاذة إياه أمراً له بسؤال لطف من عند الله يدفع به نزغاته وهمزاته ، والله أعلم . وعلى قول المعتزلة لا يصح الاستعاذة منه ؛ لأنهم يقولون : إنه قد أعطى كلاماً به يدفع نزغاته وهمزاته متى لم يبق عنده شيء يملك إعطاءه إياهم من اللطف وغيره ، والله الهادي .