Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 49-51)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } ، وقال في آية أخرى : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } ، هاتان الآيتان في ظاهر المخرج : إحداهما : مخالفة للأخرى ؛ لأنه ذكر في إحداهما الإياس والقنوت إذا مسه الشر ، وفي الأخرى كثرة الدعاء إذا مسه الشدة والبلاء ، ومن طباع الخلق والعرف فيهم أنهم [ إذا ] أيسوا وقنتوا لا يدعون ولا يسألون ، بل يتركون سؤالهم ، وإذا طمعوا ورجوا عند ذلك سألوا ودعوا ، هذا هو العرف فيهم ؛ فدل أن بينهما مخالفة من حيث الظاهر ، لكن نقول : إن الآية تخرج على وجوه : يحتمل : أن كل واحدة من الآيتين في إنسان بعينه يشار إليه سوى الآخر ، كان عادة أحدهما - على الإياس والقنوط من الخير - ترك الدعاء والسؤال ، وكان عادة الآخر الدعاء والتضرع إليه والسؤال عن كشف ذلك عنه ، فأخبر - جل وعلا - رسوله عليه الصلاة والسلام ما أضمر كل واحد منهما : في نفس أحدهما الإياس والقنوت ، والآخر الدعاء والسؤال والطمع في الخير ؛ ليكون له عليهم دلالة الرسالة وآية النبوة إذ أنبأه عن ضمير كل واحد منهما وما في نفسه ؛ ليعلم أنه رسول ، وإنما علم ذلك بالله جلا وعلا ، والله أعلم . والثاني : أن الكفرة كانوا فرقا ، وكانوا على مذاهب شتى مختلفة : فرقة كانت تطمئن في حال الرخاء والسعة ، وتيأس وتنقلب في حال البلاء والشدة ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ … } الآية [ الحج : 11 ] . وفرقة كانت تفزع إلى الله تعالى وتقبل إليه عند إصابة الشدة والبلاء ، وتعرض عنه عند كشف ذلك عنهم وتوسيع النعم عليهم ؛ نحو قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ … } الآية [ العنكبوت : 65 ] ونحوه كثير في القرآن . وفرقة كانت في الحالين جميعا على الإعراض عنهم ، وترك الإقبال إليه والطاعة له ، لا يفزعون ولا يقبلون لا في حال الرخاء والسعة ولا في حال البلاء والشدة ؛ كقوله : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الأنعام : 43 ] . وفرقة كانت ترى الحسنة والخير من أنفسهم ، وإذا صارت سيئة وشدة تطيروا بالرسل عليهم السلام ؛ كقوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، وقوله تعالى : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } [ النمل : 47 ] . وإذا كانت الكفرة على هذه المذاهب المختلفة وكانت أجناسا شتى ، فيكون كل آية منهما في جنس غير الجنس الآخر ، وفي أهل مذهب غير أهل مذهب آخر ، فأما المسلمون فيكونون في الحالين جميعاً على التوحيد والإقبال إلى الله تعالى في حال الرخاء والسعة ، وفي حال البلاء والشدة ، وهو على ما استثناهم الله تعالى عند ذكر الكفرة ؛ حيث قال : { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ هود : 10 - 11 ] ، وقوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } الآية [ العصر : 1 - 2 ] ، وأمثال ذلك من الآيات ، وصفهم - جل وعلا - بالثبات والقرار على دينهم في الأحوال كلها ، والله أعلم . والثالث : جائز أن يكون ما ذكر من الآيتين على ما ذكر إخباراً عما طبع عليه البشر وأنشئ ، وإنما أنشئ البشر وطبع على الرغبة في الخير والسعة والنفار عن الشدة والبلاء والكراهة له ؛ فهذا إخبار عما طبعوا عليه وأنشئوا ، ليس على حقيقة إظهار ذلك منهم قولا أو فعلا ، [ ولكن ] على ما طبع كل إنسان ؛ راغبا حريصا في السعة والرخاء ، وأنه ما ذكر لا يسأم من دعاء الخير ، كارها نافرا عن البلاء والشدة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي } . قال بعضهم : { هَـٰذَا لِي } ، أي : أعطانيه من خير علمه مني . وجائز أن يكون ما ذكرنا أنهم كانوا يتطيرون بالرسل عند البلاء والشدة ، والسعة يرونها من أنفسهم ؛ حيث قال : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ … } الآية [ الأعراف : 131 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً } . كانوا ينكرون البعث والجزاء لما عملوا في الدنيا ، ثم يقولون : ولئن كان يذكر محمد من البعث والجزاء للأعمال والجنة ؛ إن ذلك لنا دونهم ، وهو قوله : { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] أي : إن رجعت إلى ربي على ما يقوله محمد : { إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } وهو على ما قالوا في الدنيا : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] لما رأوا السعة لأنفسهم في الدنيا دون المؤمنين ؛ فعلى ذلك في الآخرة قالوا لنا دونهم ، والله الهادي . ثم أخبر تعالى عما ينزل بهم بأعمالهم في الآخرة ، وهو قوله تعالى : { فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } . أي : ننبئنهم بخبر ما عملوا ؛ لأن ذلك كان منهم تمنياً وتشهياً بمن يذيقهم العذاب الغليظ . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } . هو ما ذكرنا من دعائهم وسؤالهم الخير وطمعهم ذلك . وقوله : { فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } ، قال أبو عوسجة : { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي : تباعد عما أمر به ، { فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } أي : كثير الدعاء لا يمل ولا يسأم ، وكذا قال القتبي .