Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 52-54)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } . يقول : إن كان هذا القرآن من عند الله ثم كفرتم به ، وجائز أن يكون على الابتداء ليس بجواب لقوله : { أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } ويكون كأن لم يذكر جواب { أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } ؛ لما عرفوا أن من عاند وعادى ما كان من عند الله أنه ما يعمل بهم وما يصنع ؛ وهو كقوله تعالى : { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 86 - 87 ] يُذْكر له جواب ؛ لما عرفوا أن من تريدون عبدوا دون الله بعد معرفتهم أنه إفك وأنه كذب وليس بإله ، أن الله ماذا يفعل بهم ، فلم يُذْكر لهذا جواب ؛ لمعرفتهم بما يُفعل بهم ؛ فعلى ذلك قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } يجوز أنْ لم يذكر له جواب ؛ لما عرفوا أنه ما يفعل بهم وما يستوجبون منه بما عاندوه وعادَوْه بعد معرفتهم أنه من عند الله جاء ثم كفروا به ، والله أعلم . وإن كان موصولا فجوابه ما ذكر من قوله : { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } ؛ فيكون كأنه يقول - والله أعلم - : أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ، فإذا كفرتم ضللتم ، فمن أضل ممن هو في شقاق بعيد ؟ ! أي : في خلاف وبعد ؛ فيكون جوابه كأنه قال : لا أحد أضل ممن عرف أنه من عند الله ثم خالفه وتباعد عنه ، على ما ذكرنا في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ الأنعام : 21 ] أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } . اختلف فيه : قال بعضهم : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا } أي نريهم عذابنا الذي نزل بالأمم المتقدمة في بلاد عاد وثمود وقوم لوط ، كانوا يمرون عليها ويعرفون أنه لماذا نزل بهم ذلك وتكذيبهم الرسل وعنادهم ، ونريهم عذابنا أيضاً في أنفسهم ببدر حيث قتل فراعنتهم يومئذ ؛ { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } ؛ يقول : إن القرآن هو الحق من الله ؛ لأن فيه الإخبار عن العذاب للذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم . وقال بعضهم : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ } هو ظهور محمد صلى الله عليه وسلم على البلاد والقرى النائية وفتحها عليه ، { وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي : فتح مكة وظهوره عليهم ، على ما وعد له ربه - جل وعلا - من النصر له وفتح البلاد والقرى . فيكون هذان التأويلان آية لرسالته ونبوته ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } آيات وحدانيته وألوهيته : أما في الآفاق فما جعل منافع البلاد النائية والقرى المتباعدة متصلة بمنافع أنفسهم ومنافع البلاد القريبة ، ومنافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ؛ ليعلم أنه تدبير واحد وفعل فرد لا عدد ، أو أن يكون آياته في الآفاق رفع السماء مع غلظها وكثافتها وسعتها بلا سبب ولا تعليق من أعلاها ولا عماد من أسفلها . وفي أنفسهم : ما حوَّلهم وقلَّبهم في الأرحام من حال النطفة إلى حال العلقة ، ومن حال العلقة إلى حال المضغة ، ثم من حال المضغة إلى حال الإنسان والتصوير والتركيب ، إلى آخر ما ينتهي إليه أمره ؛ ليعلم أنه صنع واحد وتدبير فرد لا تدبير لأحد سواه في ذلك . فهذان التأويلان في آية الألوهية والوحدانية ، والأولان في إثبات الرسالة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . كأنه يقول : أولم يكف ربُّك شاهداً أنه من عنده على ما تقول أنت ، أو يقول : أولم يكف ربك ناصراً ومعيناً ، أو يكون قوله : { أَوَلَمْ يَكْفِ } أي : أولم يكفهم ما جاء من عند الله من البينات والقرآن ؛ كقوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ … } الآية [ العنكبوت : 51 ] ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا . ويحتمل : أولم يكفهم آية على رسالتك أو آية على وحدانية الله تعالى ما جاء من عند الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ } . ألا إن شكهم ومريتهم في البعث هو الذي حملهم على تكذيب ما جاء من عند الله وإنكاره ، والله أعلم بالصواب .