Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-5)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { حـمۤ * عۤسۤقۤ } . قال بعضهم : { حـمۤ } هو اسم من أسماء الله تعالى . وقيل : هو اسم من أسماء القرآن . وقال بعضهم : { حـمۤ } أي : قضى ما هو كائن . وقد ضعف هذا القول ابن عباس ، رضي الله عنه . والصحيح من الأقوال : أن " حم " خبر مبتدأ محذوف ، و " تنزيل الكتاب " خبره { مِنَ ٱللَّهِ } صفة الكتاب ، والتقدير : هذا حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . وقال بعضهم في { حـمۤ * عۤسۤقۤ } : عين عبارة عن عذابه ، والسين عن المسخ ، والقاف كناية عن القذف ، يقول صاحب هذا القول : يخرج عين من الأرض فيها عذاب ، ويمسخ رجل من هذه الأمة بالبادية فيقذفه الناس بالحجارة ، والله أعلم . وقال بعضهم - وهو قول ابن عباس - : { حـم * سق } على إسقاط حرف العين ، ثم يقول : السين كل فرقة تكون ، والقاف كل جماعة تكون . وذُكِرَ : كان يعلم علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - حساب العين ، وكذلك ذكر في ابن مسعود وأبي - رضي الله عنهما - و { حـم * سق } على طرح العين . وقال بعضهم : العين عبارة عن العذاب ، والسين عبارة عن سيكون ، والقاف عبارة عن الوقوع ، أي : قضى ما سيكون ذلك ، والله أعلم . وذكر عن جعفر بن محمد بن علي - رضي الله عنهم - قال : العين عبارة عن العذاب ، والسين عبارة عن سيكون ، ولم يفسر القاف وقال : عجب أو كلام نحوه ، والله أعلم . وقال بعضهم : العين عبارة عن علمه ، والسين السلام ، والقاف عبارة عن القدرة ، وكذا محتمل . وجائز أن يكون كل حرف من هذه الحروف المقطعة عبارة عن صفة من صفاته أو اسم من أسمائه ، على عادة العرب بالاكتفاء عن حرفٍ عبارة عن جميع الكلمة : فالحاء عبارة عن حلمه وحكمته وحكمه ، والميم عبارة عن ملكه ومجده ، والعين عبارة عن علمه ، والسين عبارة عن سنائه وسؤدده ، والقاف عبارة عن قدرته وقوته يكون كل حرف من هذه الحروف عبارة عن اسم من أسمائه أو صفة من صفاته ، وعبارة عن حكم من أحكامه ، وهذا الذي ذكرنا كله على الإمكان والاحتمال لا يسع أن يحقق فيه التفسير أنه كذا ، وأنه أراد كذا ؛ لأنه من المتشابه ، وأنه من السر الذي لم يطلع الله - تعالى - عليه أحداً إلا رسله ، عليهم الصلاة والسلام . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } ، أي : كما أوحى إليك فقد أوحى إلى الذين من قبلك مثله . ثم اختلف في قوله : { كَذَلِكَ } قال بعضهم : أي : كما أوحينا إليك بسورة { حـمۤ * عۤسۤقۤ } أوحينا بها إلى الذين من قبلك . وقال بعضهم : أي : كما أوحينا إليك بهذه الحروف ، يعني : { حـمۤ * عۤسۤقۤ } بعينها فقد أوحينا بعين هذه الحروف إلى الذين من قبلك ، وهي { حـمۤ * عۤسۤقۤ } . وقال بعضهم : كما أوحينا إليك { حـمۤ * عۤسۤقۤ } أوحينا إلى الذين من قبلك من الرسل بمعنى ذلك . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : ليس نبي إلا وقد أوحي إليه بـ { حـمۤ * عۤسۤقۤ } كما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو على ما ذكرنا . وقوله : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . يخرج ذكر هذا في هذا الموضع على وجوه : أي : له ما في السماوات وما في الأرض شهود على ألوهيته ووحدانيته . والثاني : أن ما في السماوات والأرض وما فيها له دلالات وحدانيته وربوبيته . والثالث : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : كلهم عبيده وملكه ؛ فلا يحتمل أن يتخذ من ملكه وعبيده ما ذكروا من : الولد ، والشريك ، والصاحبة ، وما قالوا ؛ إذ لا أحد يتخذ من عبيده ومن ملكه ما ذكروا : من الولد ، والشريك ، والصاحبة ؛ فعلى ذلك يتعالى الله عن أن يكون له في ملكه ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } . العلوّ والعظمة - في الشاهد - يكون من وجوه ثلاثة : أحدها : العلو عبارة عن القهر والغلبة ؛ يقال : فلان عال ؛ أي : غالب وقاهر . والعظمة عبارة عن القدر ، والمنزلة ، ونفاذ الأمر . والثاني : يكون العلو عبارة عن الكبرياء ، والسؤدد ، وكذلك العظمة . والثالث : العلو يكون عبارة عن الارتفاع في المكان ، والعظمة : عظمة في البدن والنفس ، وهذا مما لا يكون فيه كثرة منقبة وقدر ، ولا شيء من ذلك ، ولا يزيد ذلك في صاحبه رفعة ولا مرتبة ، والله يتعالى عن الوصف بهذا ، فإنما رجع الوصف له بالعلوّ والعظمة إلى الوجهين الأوّلين ، والسلطان ، والقدرة ، ونفاذ الأمر والمشيئة والكبرياء ، والغلبة . فأمّا ما رجع إلى الارتفاع في الأمكنة ، والعظمة في البدن - فهو صفة المخلوق ، وهم الموصوفون بذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً . وقوله : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } . يحتمل هذا وجهين : أحدهما : تكاد يتفطرن لذنوب أهل الأرض ، وفسادهم ، وعظيم ما قالت الملاحدة في الله من الولد ، والشريك ، والصاحبة ، كادت تنشق لذلك وتتساقط ، كقوله في آية أخرى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] ، بين في هذه الآية أنها كادت تنفطر وتنشق لماذا ؛ وهو دعواهم للرحمن ولدا ؛ فلذلك يحتمل - هاهنا - هذا المعنى ، والله أعلم . والثاني : كادت تنشق لبكاء أهلها عليها ، وإشفاقاً ورحمة على أهل الأرض . ويحتمل : تكاد تنشق لعظمة الربّ ، وجلاله ، وعظم سلطانه ؛ كقوله - تعالى - : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 21 ] . أخبر أنه لو جعل في الجبال والأرض والسماء من المعنى والتمييز ما جعل في البشر ، لكانت هذه الأشياء بالوصف الذي ذكر من الخضوع لربّها ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] يخبر عن شدّة خضوع هذه الأشياء وخشوعها لربّها وتذللها له ، وعناد الكفرة واستكبارهم ، وقلة خضوعهم لربّهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } ؛ لكثرة أهلها وازدحامهم فيها ، وعبادتهم لربهم ، على ما ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما من موضع قدم فيها إلا وملك فيها : ساجد ، أو راكع ، أو قائم ، يسبّح الله - تعالى - ويصلي له " ، والله أعلم . وقوله : { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } . هذا يدل على أنّ ما ذكر من تفطر السماء ؛ لعظم ما يقوله الملاحدة فيه من الشريك ، والولد ، والصاحبة ، حيث قال على إثره : { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ، أي : الملائكة ينزهونه ويبرئونه عما يقولون فيه ، ويثنون عليه بالثناء الذي يليق به ، ويصفونه بما هو أهله ، والله أعلم . وقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } امتحنهم - جل وعلا - بالتسبيح ، والثناء له ، والاستغفار لأهل الأرض ، على ما ذكر . ثم قال بعضهم : إن قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } منسوخ بقوله - تعالى - : { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ } [ غافر : 7 ] ؛ لأنّ الأول عام لجميع أهل الأرض ، والثاني خاص ، لكن هذا بعيد ، ومحال أن يستغفر الملائكة ، ويطلبون التجاوز من ربهم لمن يقول له بالشريك والولد والصاحبة ، وإذا كان كذلك كان استغفارهم يرجع إلى المؤمنين خاصة ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [ غافر : 7 ] ، وبقوله : { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } [ غافر : 7 ] ؛ فكان المراد من العام : هو الخاص ؛ لأنّ المراد منه العموم ، ثم صار منسوخاً بورود الخاص متراخياً ، والله أعلم . ثم إن كان استغفارهم لجملة أهل الأرض - على ما يقولون - فهو عبارة عن طلب السبب الذي به تقع لهم المغفرة ؛ وهو التوبة عن الشرك والتوحيد ؛ فيكون هذا سؤال التوحيد والهداية لهم ؛ لتقع المغفرة لهم بذلك والتجاوز ؛ ويصيروا لذلك ، وعلى ذلك يخرج استغفار إبراهيم - عليه السلام - لأبيه أنه سؤال وطلب السبب الذي به تقع المغفرة له ، وأن يجعله أهلا لذلك ، وكذلك أمر الرسل - عليهم السلام - قومهم بالاستغفار لهم ، وهو ما قال هود - عليه السلام - و { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } [ هود : 52 ] ، وقول نوح : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] لا يحتمل أن يقولوا لهم : قولوا : نستغفر الله ، ولكن يقولون لهم : اطلبوا ، واسألوا ربكم السبب الذي به تقع المغفرة لكم ؛ وهو التوبة عما هم فيه ، واختيار الهداية والرشد لأنفسهم ؛ ليكونوا لذلك أهلا ، فعلى ذلك يخرج استغفار الملائكة إن كان لجملة أهل الأرض ، على ما يقول بعض أهل التأويل ، وعلى هذا لا حاجة إلى النسخ ولا يحتمله .