Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 36-43)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أن الله - تعالى - أعطى من أعطى هذه النعم واللذات في هذه الدنيا ؛ ليكتسبوا بها نعمة دائمة ولذة باقية ، وكذلك ما أعطاهم من السمع ، والبصر ، وغير ذلك من الحواس ؛ ليكتسبوا بها ما يدوم ويبقى ، فمن استعمل ما أعطاه من الأموال واللذات مما ذكرنا في غير ما أمر به وجعل سمي : خاسراً عابثاً ، وكذلك من استعمل ما أعطاه من الحواس في غير ما جعلت وأمر باستعمالها يسمّى : أصم أبكم أعمى ، وكذلك النفس ؛ إذ المرء [ لم ] يكتسب بها حياة دائمة سمي : ميتاً ، والله أعلم . أو أن يقال : إنهم ما أعطوا في هذه الدنيا من اللذات والمتعة إلا ترغيباً فيما أبقى عنده ووعدهم في الآخرة ، وكذلك ما امتحنوا من الشدائد والمصائب إلا تحذيراً وترهيباً عما أوعدهم وخوفهم في الآخرة . ثم قوله : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي : تتمتعون به فيفنى ويزول عن سريع وما أبقى ، ولم يؤتكم هو الباقي الدائم ، ثم بين أن ما أبقى عنده لمن ؟ بقوله : { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } آمنوا بأن له الدنيا والآخرة ، وأن له الخلق والأمر ، وأنه بريء عن جميع معاني الخلق { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، أي : يكلون أمورهم إلى ربهم ، هو مفزعهم ومعتمدهم ، لا يفزعون إلى أحد سواه ، ولا يعتمدون غيره في جميع أحوالهم . ثم نعتهم - أيضاً - بما ذكر من الاجتناب عن الكبائر والفواحش فقال : { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } جائز أن يكون ما ذكر من كبائر الإثم هي الفواحش ، والفواحش هي كبائر الإثم ، كل واحد منهما في معنى الآخر ، والله أعلم . وقال بعضهم : كبائر الإثم : أنواع ما بها يصير المرء مشركاً ، وهي كبائر الشرك ، والفواحش هي التي توجب الحدود في الدنيا . وقيل : الكبيرة : ما يكبر ويعظم من الذنب ، والفاحشة : ما يفحش من العمل ، وقد ذكرنا وجوهاً في ذلك فيما تقدم في سورة النساء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } أي : إذا ما غضبوا هم مما يرجع إلى الأموال والأنفس وأمر الدنيا - يغفرون ، ويتجاوزون عن ذلك ، فأما ما يرجع ذلك الغضب إلى أمر الدين فإنه لا يسع المغفرة عن ذلك ، ولكن يجب الرجوع والتوبة إلى الله ، والله - تعالى - أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : أجابوا لربهم إلى ما دعاهم ربهم ، وقد دعاهم إلى دار السلام بقوله : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [ يونس : 25 ] ، لكن جعل لإجابتهم شرائط وأعلاماً فمن وفى بها استوجب الموعود ، وهو كقوله - تعالى - : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ … } الآية [ البقرة : 40 ] ، { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ … } [ المائدة : 12 ] إلى آخر ما ذكر ؛ فعلى ذلك علم إجابتهم لربهم وشرطها ما ذكر من قوله - تعالى - : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ … } إلى آخر ما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } ذكر بعضهم أن الأنصار كانوا يتشاورون فيما بينهم ورسول الله صلى الله عليهم عنهم غائب ، فنزل هذا مدحاً لهم على فعلهم . وذكر عن الحسن أنه تلا هذه الآية : قوله : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } قال : والله ما شاور قوم قط إلا هداهم الله - تعالى - لأفضل ما بحضرتهم . وأصله : أن الله - تعالى جل وعلا - أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يشاور صحابته حيث قال : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] . وقال الحسن : ما شاور قوم في أمر قط إلا هداهم الله - تعالى - لأفضل [ ما ] بحضرتهم ؛ لأن المشاورة اجتماع العقول والأذهان ، وإذا اجتمعت كانت إلى استدراك الحق والصواب أسرع وأبلغ مما [ لو ] انفرد كل عقل بنفسه ، والله أعلم . وقال القتبي : { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي : يتشاورون فيه . وقوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } : ظاهر . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } صير المنتصر من الباغي ، والغافر لمظلمة من ظلمه جميعاً في الذين استجابوا لربهم إلى ما دعاهم إليه ، والمنتصر مستوفي حقٍّ جعل له ، والغافر تارك الحق ، لكن إذا جعل له الاستيفاء دخل فيما ذكر من المستجيبين لله تعالى ، لكن تارك الحق أفضل من مستوفي الحق ، وعلى ذلك حث الله - تعالى - رسوله بالعفو عن المظلمة وترك الانتصار والمكافأة ، وأخبر أنه من عزم الأمور ؛ حيث قال : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } راجع إلى الأذى باللسان ؛ من نحو الشتيمة ، والسب ، والذي لا يؤثر في النفس أثرا ، حثهم على المغفرة والعفو ، ومدحهم على ذلك . وقوله : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } راجع إلى ما يؤثر في الأنفس والأبدان تأثيراً من الجراحات وغيرها ، حثهم على العفو فيما يرجع إلى الأذى باللسان ، وألا يكافئوهم على ذلك ، وفيما رجع إلى الأنفس والأبدان جعل لهم الاستيفاء والانتصار ، وإن كان ترك الاستيفاء والعفو عن الكل أفضل ؛ على ما قال : { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ البقرة : 237 ] . وقوله : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } سمى الثانية : سيئة وإن لم تكن في الحقيقة سيئة ؛ لأنها جزاء السيئة ؛ فسمّاها باسم الأولى . أو سماها : سيئة ؛ لأنه لو لم تكن الأولى كانت سيئة ثانية - أيضاً - فسماها على ما هو في نفسها من باب الإضرار والضرر - سيئة في نفسه ، وإن كان حسناً لغيره ، والله أعلم . ويشبه أن يكون سماها بما ذكر ؛ لاختلاف الأحوال : هي عند الذي يقتص منه ويُجَازَى بها سيئة ، وتلك الحال عنده سيئة ، وهو كقوله - تعالى - : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] سمى حالة الضيق والشدة : سيئة ؛ لأنها عندهم سيئة ، وحال السعة والرخاء : حسنة ؛ لأنها عندهم حسنة ، وإن لم تكن تلك الحال في الحقيقة سيئة ، لكنه سماها : سيئة على ما عندهم ؛ فعلى ذلك جائز أنه سمى الثانية : سيئة ؛ لما هي عند المفعول به سيئة ، والله أعلم . وقوله : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } هو ما ذكرنا أنه وإن جعل لهم حق الاستيفاء والانتصار ، فالعفو عن ذلك أفضل . ثم فيه دلالة ألا يجمع بين العفو وأخذ البدل إذا لم يكن من الآخر الرضا بذلك ؛ لأنه قال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } أخبر أنه إذا عفا عنه يكون أجره على الله فليس له أن يأخذ من المعفو عنه شيئاً ، والله أعلم . فهو ينقض على من يقول بأنه يأخذ البدل من الجاني شاء أو أبى ، وأن يعفو عنه ويأخذ البدل ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } لأنه لا يحب الظلم ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه ، فمن أخذ ما ليس له أَخْذُه فهو ظالم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } أي : أولئك ما عليهم من حجة ، أو ما عليهم من تبعة . وقوله : { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } إنما الحجة والتبعة على الذين يظلمون الناس ابتداء . وقوله - عز وجل - : { وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي : يأخذون من الناس ما ليس لهم أن يأخذوا ؛ فالتبعة والحجة عليهم ، فأما من يأخذ حقّاً وجب له واستوفاه فلا تبعة عليه ولا حجة . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويفسدون في الأرض } . وقوله : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي : من صبر على الأذى والمظلمة وعفا عنها وتجاوز فإن ذلك من عزم الأمور ؛ أي : ذلك من تحقيق الأمور وإحكامها .