Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 44-48)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ } أي : من أضله الله لما آثر ولاية الشيطان ، ولا وليّ له سواه بعده يرشده ، أو لا ولي ينفعه من بعده ، وهو كما قال : { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } [ النحل : 100 ] أخبر أن سلطان الشيطان على من يتولاه . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } قال أهل التأويل : أي : هل إلى رجوع الدنيا من سبيل ، يقولون : يسألون ربهم الرجوع إلى الدنيا . والأشبه أن يكون سؤالهم الرجوع إلى المحنة التي امتحنوا في الدنيا قبل موتهم ؛ أي : سألوا أن يكلفهم ويمتحنهم في الآخرة ؛ ليظهروا الطاعة لله - تعالى - في أوامره ونواهيه ، والله أعلم . وقوله : { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } قال أهل التأويل : يعرضون على النار قبل أن يدخلوها ؛ كقوله - تعالى - : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 12 ] وكقوله - تعالى - : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ … } [ الفجر : 23 ] . وقوله - عز وجل - : { خَاشِعِينَ } من الذل ؛ لأن الله - تعالى - أذلهم في الآخرة بما اختاروا في الدنيا من سوء صنيعهم ، وأعطوا أنفسهم شهواتهم ومناهم . وقوله - عز وجل - : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } يحتمل ما ذكر من نظرهم من طرف خفي ما ذكر في آية أخرى : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] ؛ هو لشدة هولهم وفزعهم في ذلك اليوم لا يرفعون رءوسهم ، ولا ينظرون إلى موضعٌ . ويحتمل أن يكون قوله : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } أي : لا ينظرون إلى الناس ، ولا يقبلون بوجوههم إليهم إلا نظر التلصص والتغفل ؛ حياء منهم ؛ لسوء فعالهم ، وهكذا المعروف في الناس ؛ لأن من صنع إلى آخر سوءاً لا يتهيأ له رفع الطرف إليه ونظره إليه متصلا إلا على التلصص منه والتغفل ؛ فعلى ذلك أولئك ، والله أعلم . وقال بعض أهل التأويل : إنهم يحشرون عمياً ؛ فلا يرون بأعينهم ، إنما يرون بقلوبهم ، وهو الطرف الخفي . وقال القتبي : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } ، أي : قد غضوا أبصارهم من الذل . وقال أبو عوسجة : أي : ينظرون نظراً مستقيماً ، والله أعلم . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } ، الآية . يخرج ما ذكر من خسران أنفسهم وأهليهم على وجوه : أحدها : ما ذكر بقوله - تعالى - : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] أمروا بأن يقوا أنفسهم وأهليهم النار ، فهم حيث لم يقوا ما ذكر من الأنفس والأهل خسروا ، والله أعلم . والثاني : قوله : { خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ } أي : خسروا بسبب أنفسهم ، وبسبب أهليهم ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ التغابن : 15 ] ؛ لما يعملون أموراً بسبب الأموال والأولاد والأزواج ، هي فتنة لهم ، وكقوله : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } [ التغابن : 14 ] فقد يخسر الرجل ويصير مؤاخذاً بسبب هؤلاء . والثالث : يحتمل أن يكون خسرانهم أنفسهم وأهليهم ما قالوا : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] ، وقوله : { وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] خسر ما كان رجاه وطمع أن له عند ربه في الآخرة للحسنى . على هذه الوجوه الثلاثة يخرج تأويل الآية . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : ليس من أحد من كافر ومسلم إلا وله أهل ومنزل في الجنة ، فإن أطاع الله - تعالى - أتى منزله وأهله ، وإن عصاه خسر نفسه وأهله ، ومنزله في الجنة وورثه المؤمنون عنه . لكن لا يحتمل أن يكون الله - عز وجل - مع علمه أنه يموت كافراً أن يجعل له الأهل والمنزل في الجنة ، اللهم إلا أن يفعل ذلك ليكون لهم حسرة على ذلك وغيظاً . وقوله : { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : ما كان للأصنام التي عبدوها دون الله تعالى ولاية النصر لهم وقدرة دفع العذاب عنهم ؛ لأنهم كانوا يعبدونها في الدنيا رجاء أن تشفع لهم في الآخرة وأن تزلفهم ، فأخبر الله - تعالى - أن ليس لها ولاية النصر لهم ؛ على ما رجوا وطمعوا من عبادتها الشفاعة لهم والدفع عنهم ، والله أعلم . والثاني : { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي : ما كان للرؤساء الذين اتخذوهم في الدنيا أرباباً ولايةُ النصر لهم ؛ لأنهم لا يملكون دفع ذلك عن أنفسهم ، فكيف يملكون دفع ما نزل بأتباعهم ؛ يخبر أن ليس لهم ولاية دفع العذاب عنهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } يحتمل قوله : { فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } أي : من حجة ، أي : من أضله الله ، فلا حجة له أن يقول : إنك أضللتني ؛ لأنه إنما يضله لما يختاره ويؤثره . والأصل : لا أحد يفعل ما يفعل من المعاصي وقت فعله لأن الله تعالى قضى له ذلك أو أراده ، أو قدره وقضاه ؛ إنما يفعله لغرض له وهواه ؛ فلم يكن له الاحتجاج عليه بذلك ، وبالله العصمة . والثاني : أنه ليس له حجة عليه بذلك ؛ لأنه يعلم أنه لو خيّر بين ما يريد أن يختاره ويؤثره وبين ضدّ ذلك ، لكان يختار ذلك على ضده ، ويختار تحصيله ، ويؤثره على ترك ذلك ، فكيف يكون له حجة بذلك ؟ والله الموفق . ويحتمل قوله : { فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } أي : من أضله الله - تعالى - فما له إلى الهدى من سبيل أي : ليس له سبيل ، ولكن عليه السبيل ؛ أي : لا يملك أحد إرشاده . ويحتمل : أي : من أضله الله فما له من سبيل ؛ أي : ليس له سبيل ، ولكن عليه السبيل . وقوله - عز وجل - : { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ } أي : أجيبوا له ، وقد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ … } الآية . هذا يخرج من وجهين : أحدهما : أي : أجيبوا له من قبل أن يأتي يوم لا يملك أحد ردّ ذلك اليوم إذا أتاهم ؛ لأنه هو اليوم الذي يجزي فيه الخلائق ، وفيه أهوال وأفزاع ؛ يقول : لا أحد يملك ردّ ذلك اليوم ؛ والله أعلم . والثاني : أي : أجيبوا من قبل أن يأتي يوم لا مردّ لما ينزل فيه بهم من العذاب والعقاب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ } هذا - أيضاً - يخرج على وجهين : أحدهما : أنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام في الدنيا ؛ لتكون لهم شفعاء ، وملجأ يلتجئون إليها ؛ يقول : ما لكم [ من ] أولئك الأصنام ملجأ تلتجئون إليها بل تكونون كما ذكر في آية أخرى : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 24 ] وقوله - تعالى - : { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ … } الآية [ الأحقاف : 28 ] ، والله أعلم . والثاني : { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ } أي : ما لهم من حيل يحتالون بها دفع ما نزل بهم من العذاب ، على ما يكون في الدنيا من حيل يحتالون [ بها ] دفع ما نزل بهم من البلاء والشدائد ، وبالله النجاة . وقوله - عز وجل - : { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } . هذا - أيضاً - يخرج على وجهين : أحدهما : أي : لا يملكون أن ينكروا على الله - تعالى - ما يفعل بهم ؛ لأنه إنما يفعل بهم ذلك بما كسبت أيديهم ؛ فلا يقدرون على إنكار ذلك على الله تعالى . والثاني : { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } أي : ما لكم من تغيير ؛ أي : ما يملكون دفع ذلك عن أنفسهم ، ولا منعه وتغييره . وقيل : لا يملكون أن يمنعوا الله - تعالى - عما يريد أن يفعل بهم ، وهو ما ذكرنا . وقوله - تعالى - : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } أي : إن تولوا عن إجابتك إلى ما تدعوهم إليه { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يحتمل : أي : فما أرسلناك لأنْ تحفظ عليهم أفعالهم وأعمالهم { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } أي : ما عليك إلا التبليغ ، إنما حفظ أعمالهم وأفعالهم على الملائكة الذين جعلوا حفاظاً عليهم ، وهم الكرام الكاتبون . والثاني : { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } يحتمل : فما أرسلناك لأنْ تمنعهم عما يفعلون حسّاً ، إنما عليك البلاغ فحسب وبيان الحق ، وأنت غير مؤاخذ بما يفعلون ، وهو كقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] ونحو ذلك . وقوله : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } إن كان هذا في المسلم فيكون قوله : { فَرِحَ بِهَا } أي : رضي بها ، وسر بها ، وإن كان في الكافر فيكون له فرح بها ؛ أي : بطر بها وأشر . وقوله : { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ } وهذا - أيضاً - إن كان في المسلم فإنه إذا أصابه شدّة أو بلاء ينسى ما كان إليه من الله - تعالى - من النعمى ، فجعل يشكو مما أصابه ، فهو كفور للنعم التي كانت له من قبل ذلك . وإن كان في الكافر فهو ظاهر أنه كفور لنعمه وإحسانه أجمع ، والله أعلم .