Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 49-53)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يخبر أنه بما يأمرهم وينهاهم ، وبما يمتحنهم بأنواع المحن بأمر ونهي ، ولا يمتحن بحاجة نفسه في جرّ منفعة ، واستفادة خير ، أو دفع مضرة أو بلاء ؛ إذ له ملك السماوات والأرض ، ولكن إنما يأمرهم وينهاهم ويمتحنهم ؛ لحاجة أنفسهم في إصلاحها وفكاكها ونجاتها عن المهالك ، وهو كقوله : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ لقمان : 12 ] يخبر بما ذكر أنه غني ، لا ينفعه إيمان مؤمن ، ولا يزيد في ملكه ، ولا يضرّه كفر كافر ، ولا ينقص من ملكه . ويحتمل أن يكون قوله : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } كقوله : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ … } الآية [ آل عمران : 26 ] . ويحتمل أن يقول : له ملك السماوات والأرض ؛ أي : هو يؤتي الملك من له الملك في الدنيا ، وهو ينزع عمّن يشاء ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } الآية [ آل عمران : 26 ] . وفيه نقض قول المعتزلة في خلق أفعال العباد منهم ، وإنكارهم أن يكون فعل الله - تعالى - مخافة وقوع الشرك في ذلك بينهم وبين الله - تعالى - فيكون ذلك فعل الله - تعالى - وفعل العبد ؛ إذ هو تفسير الشركة في الشاهد . فيقال لهم : إن الله - تعالى - قال : له ملك السماوات والأرض ، وقال في آية أخرى : { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } [ الإسراء : 111 ] وقد رأينا الملوك في الدنيا ، ثم لم يوجب ذلك الشركة في ملكه ؛ لاختلاف المعنى والجهات ؛ إذ حقيقة الملك له ، ولغيره ليست حقيقة الملك ، إنما له ملك الانتفاع ، لا على الإطلاق ؛ فعلى ذلك أفعال العباد من الخيرات خلقاً لله تعالى ، فيكون على قولهم غير خالق لأكثر الأشياء مما شاء ؛ وهذا لأن قوله : { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } إما أن خرج على الوصف بالربوبية لله تعالى والألوهية ، أو على وجه الوعد والخبر بأنه يخلق ما يشاء . فإن كان على الوصف له بالربوبية ؛ فلا يكون ذلك وصف الربوبية ؛ إذ لا يكون خالقاً لجزء من عشرة آلاف من الأشياء التي شاء أن يخلقها ، وإن كان على الوعد والخبر فيخرج كذباً على قولهم ، فنعوذ بالله تعالى من السرف في القول ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } يخبر - تعالى - أن الأولاد جميعاً من الذكور والإناث مواهب الله - تعالى - وهداياه ، فيجب أن يقبلوها منه قبول الهدايا والهبات على الشكر له والمنة ، ثم بدأ بذكر الإناث ثم بالذكور ؛ لأن من الناس من إذا ولد له الإناث يعدها مصيبة ، ويثقل ذلك عليه ، وعلى ذلك ما أخبر عن الكفرة أنهم إذا بشروا بالأنثى ظلت وجوههم مسودة بقوله - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [ النحل : 58 ] يخبر عن ثقل ذلك عليهم ، وغيظهم على ذلك فبدأ بذكر ذلك ؛ لئلا يعد أهل الإسلام الأولاد الإناث مصيبة وبلاء على ما عدها الكفرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } ، التزويج : هو الجمع بين الشكلين والمتماثلين في الحقيقة ، وقد يسمى التزويج بين المتضادين مجازاً - والله أعلم - فيكون معنى قوله : { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } أي : يقرن ويجمع بين الإناث والذكور ، فيهب له من النوعين جميعاً حالة واحدة . وقال القتبي : { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } ، أي : يجعل بعضهم بنين و [ بعضهم ] بنات ، تقول العرب : زوجت أهلي : إذا قرنت بعضها ببعض ، وزوجت الكبار بالصغار إذا قرنت كبيراً بصغير . وقوله - عز وجل - : { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } والعقيم من النساء : التي لا تلد ، وهي لا توصف بالبركة ، ويقال : إنها ليست مباركة ، لا يرغب فيها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } { عَلِيمٌ } : بإنشاء الأولاد والإناث في الرحم ، { قَدِيرٌ } على ذلك . أو { عَلِيمٌ } بمصالح الخلق ، { قَدِيرٌ } : لا يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } كأن هذا إنما ذكر وأخبر عن نازلة أو سؤال كان عن كيفية الرسالة ، وهل الرسل - عليهم السلام - يرون ربهم ويشاهدونه ويشافهونه ؟ فأخبر أنه ليس من البشر من يكلمه إلا بالطرق الثلاثة التي ذكرها ، والسؤال وقع عن الرؤية في الدنيا ، فيكون الجواب بناء على السؤال ، والله أعلم . ثم قوله : { إِلاَّ وَحْياً } قال بعضهم : { إِلاَّ وَحْياً } : ما يرى في المنام ، ورؤيا الأنبياء - عليهم السلام - حقيقة . وقوله : { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } نحو ما كلم موسى - عليه السلام - ألقى في مسامعه صوتاً مخلوقاً على ما شاء وكيف [ شاء ] ، من غير [ أنْ ] كان ثَمَّ ثالثٌ . وقوله : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } أي : يرسل ملكا يخبره عن الله - تعالى - وطرق الرسول إلى معرفة ذلك في الدنيا الوجوه التي ذكرنا : إما الإلهام ، وإما الإلقاء في المسامع ، وإما رسول يرسل فيخبر عن أمره وكلامه ، فأما أن يحتمل وسع أحد رؤيته أو يشافهه أو يعاينه في الدنيا فلا ، والله الموفق . ثم اختلف في قوله : { أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } : قال بعضهم : الحجب أنفسها هي حقيقة الحجب . وقال بعضهم : الحجاب : هو عجزهم عن احتمال رؤيته ؛ لأن الله - تعالى - أنشأهم على بنية وخلقة لا تقوم أنفسهم القيام لذلك على ما أخبر - عز وجل - حيث قال لموسى - عليه السلام - : { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] أي : فإن احتمل ذلك فاحتمل ما سألت ، والله أعلم . وفي الآية : أن الله - تعالى - يكون مكلماً للبشر بالرسول ، وإن لم يشافهه المرسل ، وكأن ذلك تسمية بطريق المجاز ؛ إذ لم يكن في الحقيقة كلام الرسول كلام المرسل ، وكذلك في قوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 6 ] لا يكون ما يسمع من الرسول - عليه السلام - كلام الله حقيقة ، وكذا ما يقال : سمعت من فلانة قول فلان ، أو حديث فلان كله ، على المجاز ، ليس على التحقيق ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون سبب نزول قوله : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً … } الآية - قول أولئك الكفرة ؛ حيث أخبر الله - تعالى - بقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ … } الآية [ البقرة : 118 ] ، وقولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } [ الفرقان : 21 ] سألوا أن يروا ربهم جهاراً ، فقد حجبوا عن رؤية الله - تعالى - في الدنيا والآخرة ، حيث قال : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] وسألوا أن يكلمهم شفاها ، فأخبر أنه لا يكلم أحداً شفاهاً ، ولكن يكلم بما ذكر من الأوجه الثلاثة ؛ حيث قال : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } ردّاً عليهم ، فأخبر الله - تعالى - : أن طريق تكليمه الخلق في الدنيا هذه الوجوه التي ذكرنا ، وقد كلم البشر من هذه السبيل والطريق التي ذكر ؛ حيث قال : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] أخبر أنه أنزل إليهم ما ذكر ، كما أنزل على الرسول ، وحيث قال : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ … } الآية [ التوبة : 6 ] ، وغير ذلك من الآيات مما يكون كأنه قد كلمهم بما ذكر ، كما كلم الرسل من الوجوه التي ذكر . وقوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } كأنه يقول : هكذا أوحينا إلى الرسل الذين من قبلك بالوجوه والطرق التي ذكرنا كما أوحينا إلى الذين من قبلك . وقوله : { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } . قال بعضهم : { رُوحاً } جبريل بأمرنا . وقال بعضهم : أي : أوحينا إليك أمراً من أمرنا . وقال بعضهم : { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } أي : الكتاب الذي أنزله عليه وأوجبه إليه ، سماه : روحاً ؛ لأنه يحيي به الدين ، وتكون به حياة الدين ، ويحيي به الأبدان ، وهو حياة الذكر والشرف ، وهو كقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ } [ آل عمران : 169 ] حياة الذكر والشرف ، والله أعلم . وقوله : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } أمّا الكتاب فإنّه لا شك أنه كان لا يدريه ولا يعلمه حتى أدراه وأعلمه ، وأمّا الإيمان حيث أخبر أنه لا يدريه فهو يحتمل وجوهاً : أحدها : ما كنت تدري ما الإيمان ؟ في حق اللسان . أو ما كنت تدري ما الإيمان ؟ في حق الإيمان . أو ما كنت تدري ما الإيمان ؟ في حق قدره ومحله ومنزلته عند الله تعالى . فإن كان المراد في حق اللسان ، فهو ظاهر أنه كان لا يدري في حق ابتداء الأمر أن الإيمان هو التصديق أو التوحيد ، أو ما هو ؟ وهو معروف أنه كان لا يدريه في حق اللسان حتى أدراه وأعلمه أنه ماذا ؟ وكذلك جميع أهل اللسان ، لا علم [ لهم ] بذلك حتى علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " فنزل [ جبريل ] ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإيمان ؟ وما الإسلام ؟ على صورة أعرابي حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا كان جبريل نزل ليعلمكم معالم دينكم " ، والله أعلم . وإن كان في حق فعل الإيمان ومباشرة ركنه ، فهو إذن كان غير قادر على فعله وإتيانه على هذه وكان لا يدري ، لكنه لا يدريه فإنه لا يوصف بالجهل به ؛ ألا ترى أن الصغار لا يدرون ، ولا يقال : إنهم جهلة ، وإنما يوصف بالجهل من ملك الفكرة والنظر وأسباب العلم ثم ترك ذلك ، فعند ذلك يوصف بالجهل ، فأما من لم يملك ذلك ولم يبلغ هذا المبلغ فإنه لا يوصف بالجهل ؛ ألا ترى أنه يقال للأعراض والأشياء : إنها لا تدري ولا توصف بالجهل ؛ فعلى ذلك يجوز أن يوصف ويقال : إنه كان لا يدري ، ولا يوصف ولا يقال : إنه كان جاهلا به ، والله أعلم . ألا ترى أن الولد في البطن لا يوصف بأن له سمعاً وبصراً ونحوه ؛ لأنه ليس بمحل للسماع والبصر ، فإذا أخرج منه عند ذلك يجعل له لما مكن من السماع والبصر ، وهو ما ذكر بقوله : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } [ النحل : 78 ] عندما مكن لهم ذلك . وإن كان المراد : أنه لا يدري في حق المحل والمنزلة والقدر ، فهو هكذا كان لا يدري ما محل الإيمان وقدره عند الله تعالى ؟ حتى أدراه وأعلمه محله ومنزلته ، والله أعلم . وقوله : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً } فإن كان المراد هو الإيمان فهو نور بالحجج والبرهان ، وهو كما ذكر : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] . وإن كان المراد هو الكتاب ، فهو نور لما يرفع جميع حجب القلوب وسواترها عمن اتبعه ونظر إليه بعين التعظيم . وقوله : { نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ } من علم أنه يختاره شاء أن يهديه . ثم قوله : { نَّهْدِي بِهِ } يحتمل : القرآن . ويحتمل الإيمان نفسه ؛ أي : يجعله بالإيمان مهتدياً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . قوله : { لَتَهْدِيۤ } يحتمل : لتدعو ، أو لتبين لهم الصراط المستقيم ، ثم فسره بقوله - تعالى - : { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } لم يفهم من صراط الله ما يفهم من صراط الخلق ، أو صراط فلان ، فكيف يفهم من مجيئه أو إتيانه ما يفهم من مجيء الخلق أو إتيانه ، فهذا يدل أن لا كل ما أضيف إلى الله - تعالى - يفهم منه ما يفهم مما يكون من الخلق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } . يحتمل : ألا إلى الله يرجع تدبير الأمور . ويحتمل : ألا إلى الله تصير الأمور في الآخرة ، وهو البعث ، والله أعلم بالصواب .