Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-14)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } . في قولهم وجوابهم : أن الله خلق السماوات والأرض - دلالة أنهم قد عرفوا أنه رسول ، لكن كذبوه عناداً ومكابرة ؛ لأن أهل مكة كانوا لا يؤمنون بالرسل حتى يزعموا أنا عرفنا أن الله خلق السماوات والأرض بقولهم ، وينكرون رسالته خاصة ؛ بل ينكرون الرسل أجمع ، ثم هم ما عرفوا أن الله هو خلق السماوات والأرض إلا بالرسل ؛ إذ هم ليسوا من الذين عادتهم الاستدلال والنظر في الدلائل ؛ ليعرفوا الله - تعالى - بالدلائل العقلية ، والظاهر في العوام جملة المعرفة بالدلائل السمعية ؛ فكان الظاهر هذا : أن معرفتهم : أن الله خلق السماوات والأرض بقول الرسل - عليهم السلام - لكنهم كذبوه ولم يصدقوه عناداً منهم ومكابرة ، وما به عرفوا سائر الرسل من المعجزات موجود معاين في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم لا بد أن يعرفوه رسولا ، لكنهم كذبوه عناداً ؛ فدل أن قولهم هذا دليل على معرفتهم برسالته ، والله أعلم . ثم تمام الاحتجاج بهذا أن يقال لهم : قد عرفتم أن الله هو خلق السماوات والأرض ، فهلا عرفتم أنه لم يجعلهما عبثاً باطلا ؛ إذ لو كان على ما يزعمون أن لا رسل ولا بعث ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب يكون خلقه إياهما عبثاً باطلا ، فكان إقرارهم بخلقه إياهما إقراراً لخلقه على وجه الحكمة ؛ ولن يخرج خلقه على الحكمة إلا بالإقرار بالرسل والبعث والثواب والعقاب ؛ على ما عرف غير مرة . أو أن يقال : فإذا عرفتم أن الله - تعالى - هو خلق السماوات والأرض وما ذكر إلى آخره … فكيف أنكرتم قدرته على البعث والإعادة بعد الموت ، والأعجوبة في خلق السماوات والأرض أعظم وأكثر من الأعجوبة في بعثكم وإعادتكم ، فكيف أنكرتم ما هو أقل في القدرة والأعجوبة ؟ والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } . جائز أن يكون ذكر هذا على سبيل النعت والوصف لله - تعالى - عز وجل - صلة لقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } الذي وصفه أنه جعل الأرض كذا وأنزل كذا . ويحتمل أن يكون أراد : ولئن سألتهم عن الأرض وما ذكر أنه من جعلها مهداً ؟ ومن جعل لهم فيها سبلا ؟ فقالوا : الله جعل ذلك على ما قالوا في السماوات والأرض . وفيه وجوه من الدلالة : أحدها : يذكرهم نعمه عليهم ، حيث جعل هذه الأرض بحيث يمهدونها ، ويفترشونها ، وينتفعون بها بأنواع المنافع ، وبحيث مكن لهم الوصول إلى حوائجهم التي فرقها في الأمكنة المتباعدة بما جعل لهم فيها سبلا وطرقاً يسلكون فيها ليصلوا إلى الحوائج التي فرقت في البلدان المتباعدة ، ما لولا جعله فيها السبل والطرق التي جعل ما قدروا السلوك فيها ، ولا عرفوا أنهم من أي جهة يصلون إلى حوائجهم التي فرقت ؟ فيلزمهم بما ذكر القيام بشكره على تلك النعم . وفيه دلالة حكمته ؛ ليدلهم أنه إنما جعل لهم ما ذكر لحكمة ، لم يجعلها عبثاً باطلا ؛ فيلزم حيث فرق حوائجهم في أمكنة متباعدة ثم مكن لهم الوصول إليها ، ليعلم أن الذي ملك أنفسهم هو مالك أطراف الأرض ؛ إذ لو كان هذا غير مالك ذلك ، لمنعهم عن الوصول إلى حوائجهم . وفيه دلالة قدرته ، حيث جعل لهم في الأرض ما ذكر من التسخير لهم ، حتى ظهروها ويفترشوها ويسلكوا فيها السبل التي جعلها لهم إلى حيث أرادوها وقصدوها ، ومكن لهم ذلك ليعلم أن من قدر على ما ذكر لا يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } . فيما ذكر من إنزال الماء من السماء ، ونشره في الأرض ، وإنبات النبات فيها بذلك الماء دلالة من الوجوه التي ذكرنا في قوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } فإنه أنزل الماء من السماء ؛ ليكون في الأرض أنواع النعم التي ذكر ، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ؛ ليعلموا أعظم نعمه عليهم ، وليعلموا أن مالكهما واحد ، وما جعل في الماء من المعنى واللطف ما يوافق جميع النبات والثمار على اختلاف النبات والثمار واختلاف أجناسها وجواهرها ؛ ليعلم أن من قدر على إحياء الأرض بذلك المعنى الذي جعل في الماء موافقته جميع النبات والثمار على اختلاف جواهرها وأجناسها - لا يحتمل أن يعجزه شيء من بعث أو غيره ؛ إذ الأعجوبة فيما ذكر من إحياء الأرض بذلك الماء ، وموافقة المعنى المجعول في الماء جميع ما ذكر - أعظم وأكثر من البعث ؛ لأنه إعادة ، وذلك ابتداء ، فمن ملك وقدر على ما ذكر من الأشياء فهو على البعث أقدر وأملك ؛ ولذلك قال الله تعالى : { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أي : تبعثون ، والله الموفق . وقوله : { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } جائز أن يدخل فيما ذكر من خلق الأزواج كلها جميع ما يكون لها أزواج من مقابلات وأشكال ؛ إذ التزاوج قد يقع ويستعمل في الأضداد والأشكال من الأفعال والجواهر من الكفر والإيمان ، والطاعة والمعصية ؛ فيكون في ذلك دلالة خلق أفعال العباد إذ أخبر أنه خلق الأزواج كلها ، وبين هذه الأفعال ازدواج وإن كانت متضادة متقابلة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } فيه ما ذكرنا من الوجوه : أنه فرق حوائج الخلق في أمكنة بعيدة ؛ وبينهم وبين أمكنة حوائجهم مفاوز وفيافي وبحار ، فجعل لهم في المفاوز أنعاماً يركبونها ؛ ليصلوا إلى حوائجهم ، وفي البحار سفناً ليركبوها ؛ ليصلوا إلى حوائجهم التي في البحار ؛ يذكرهم نعمه ؛ ليتأدى بذلك شكرها ، ويذكرهم قدرته أن من ملك هذا وقدر لا يعجزه شيء . وقوله - عز وجل - : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } جعل ظهوره بحيث يستوون عليها ويقرون ، وكان له أن يجعل ظهورها بحيث لا يستوون عليها ولا يقرون ، وهذا من نعمة الله تعالى عليهم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } ثم نعمته تخرج على وجوه : ما ذلل لهم من الأنعام وسخرها لهم بقوتها وشدتها . أو جعل لهم أن يستعملوا الدواب وهي تتألم وتتلذذ كما تتألمون وتتلذذون ، ثم جعلها متعة لهم ، لا أن جعلوا لها . أو أن تكون نعمته التي أمرهم أن يذكروها : الإسلام والتوحيد ، قولوا : الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وتقولوا : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } . أو يأمرهم أن يذكروا ما أنشأ لهم من النعم العظيمة . وقوله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } . قال بعضهم : مطيقين ؛ يقال : أنا لك مقرن : أي : مطيق ، ويقال : أنا مقرن لهذا العمل ، أي : أقوى عليه . وأصل هذا التأويل أن الدواب والأنعام في أنفسها أشد وأكثر قوة وأعظمها من البشر ، لكن الله - تعالى - بفضله ومنه علَّم الإنسانَ الحيلَ ، حتى قدر على استعمال الدواب والأنعام مع قوتها وشدتها حيث شاءوا وسخرها لهم . ويحتمل أن يكون قوله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي : لم يجعلنا من قرن الدواب ومن قرنها بحيث نستعمل لما تستعمل الدواب ، ونركب على الظهور ؛ أي : لم يجعلنا من قرن الدواب ومن أشكالها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : يحتمل البعث ؛ على ما قاله أهل التأويل . ويحتمل : وإنا إلى ما جعل لنا ربنا من الوصول إلى حوائجنا لمنقلبون بها وراجعون - والله أعلم - وإنا إلى أوطاننا ومنازلنا راجعون بها ما لولا هي لم يتهيأ لنا الرجوع إلى ذلك ، ولا الوصول إلى ما جعل لنا من الحوائج التي فرقت في الأمكنة المتباعدة ، والله أعلم .