Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 15-25)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } . قال عامة أهل التأويل : أي : الكفرة جعلوا لله - تعالى - من عباده أنثى ، أي : بنتاً . وقال الزجاج : { جُزْءًا } أي : بنتاً ، وقال : إن الجزء عند بعض العرب البنت ؛ لأن الكفرة قد اختلف أنواع كفرهم ، وهم مختلفون في كفرهم ؛ يقول الثنوية بالاثنين ، يقولون : إن الله - تعالى - هو خالق الخيرات ، وخالق الشرور غيره ؛ على حسب ما اختلفوا في ذلك الغير ما هو ؟ فهؤلاء الثنوية جعلوا لله - تعالى - من عباده جزءاً وهو الخيرات ، ولم يجعلوا له الجزء الآخر ، ومشركو العرب جعلوا له فيما رزقهم جزءاً لله - تعالى - وجزءاً لشركائهم ؛ حيث قال : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] ، فهؤلاء جعلوا له جزءاً مما رزقهم ، وهو الظاهر ، وفريق آخر جعلوا له جزءاً من عباده وهو الإناث ، ولم يجعلوا لله البنين ، كقوله - تعالى - : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } [ النحل : 57 ] فجعل الجزء له على ما ذكر أظهر مما ذكره أهل التأويل وصرفوه إليه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } أي : كفور لنعمه { مُّبِينٌ } أي : يبين كفرانه . وقوله - عز وجل - { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } هو على الإضمار ؛ كأنه يقول : أم يقولون : اتخذ مما يخلق بنات لنفسه وأصفاكم بالبنين ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } [ النحل : 62 ] . ثم قوله - تعالى - : { أَمِ ٱتَّخَذَ } أي : قالوا : بل اتخذ مما يخلق بنات . يذكر في هذه الآيات سفه أهل مكة وشدة تعنتهم ؛ لأنهم قوم لا يؤمنون بالرسل ، وما ذكروا من اتخاذ الولد ، وما ادعوا بأن الملائكة بنات الله ، وما أقروا حين سئلوا : من خلق السماوات والأرض ؟ أن الله هو خالق ذلك كله مما لا سبيل إلى معرفة ما قالوا وادعوا إلا بالرسل ، وهم ينكرون الرسل ، فكيف ادعوا ما ادعوا وهم ينكرون خبرهم ؛ لأن من ادعى ولداً لغائب لا يعلمه إلا بخبر صادق ، وكذلك معرفة الملائكة إنما هو بخبر يأتيهم ، ثم هم ينكرون الأخبار والرسل ؛ فتتناقض دعواهم وتضمحل ، على ما ذكرنا . ثم أخبر عنهم ما يظهرون من الحزن عندما يولد لهم من الإناث ، وما يلحقهم من الكراهة في ذلك بقوله - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } . ثم قوله : { بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } أي : شبهاً بالخلق ، وأنه يخرج على وجهين : أحدهما : بما جعلوا له ولداً ، والولد هو شبيه الوالد ؛ فكان في إثبات الولد إثبات المثل والشبيه . والثاني : في إثبات الولد له إثبات المشابهة بينه وبين جميع الخلق ؛ لأن الخلق لا يخلو إما أن يكون مولوداً من آخر أو يولد آخر منه ، وإما أن يكون له شريك فيما يملكه ، أو يكون هو شريك غيره ، فيكون البعض شبيهاً بالبعض ، فمن أثبت لله شريكاً وولداً فقد جعله شبيهاً بالخلق ؛ ولهذا تبرأ الله - تعالى - من الولد والشريك تبرؤاً واحداً بقوله - تعالى - : { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ } [ الفرقان : 2 ] نفى الولد والشريك عن نفسه نفياً واحداً وبراءة واحدة ، والله الموفق . وقوله : { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } يحتمل أن يكون تفسيراً لقوله : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ } ، وعلى ذلك قول أهل التأويل : إنهم جعلوا هذه تفسيراً للأولى . وجائز أن يكون لا على التفسير للأولى ، ولكن على الابتداء في قوم آخرين سواهم ، على ما ذكرنا نحن من التأويل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } اختلف فيه : قال بعضهم : هي الأصنام التي عبدوها ، حلّوها وزينوها بأنواع الزينة والحليّ ، يقول - والله أعلم - : ولو حلي بالحليّ وزين بالزينة وهو لا يملك نفعاً ، ولا ضرّاً ، ولا تكلما ، ولا خصومة ، ولا شيئاً من ذلك ، ولا يلتفت إليه ، ولا يكترث له ، لولا تلك الحلي والزينة التي بها في جعل العبادة له كمن منه خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما فيها من المنافع ، أي : ليس هذا بسواء لذلك ، يذكر سفههم في اختيارهم الأصنام التي هذا وصفها في العبادة على عبادة الله تعالى الذي منه كل شيء ؛ يصبر رسوله صلى الله عليه وسلم على أذاهم وتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم معه ، والله أعلم . وقال بعضهم : قوله : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } هي الإناث ؛ يقول - والله أعلم - : إن الأنثى ضعيفة ، قليلة الحيلة ، وهي عند الخصومة والمحاورة غير مبينة ؛ يصف عجزهن وضعفهن ونقصانهنّ ، يقول - والله أعلم - : كيف نسبوا إلى الله - عز وجل - ما هو أضعف وأعجز وأنقص فيما ذكر ، وقد اتقوا هم منها ، واختاروا لأنفسهم ما هو أكمل وأقوى وهم الذكور ، وهو صلة قوله - عز وجل - : { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ … } إلى آخر ما ذكر ، وكل حرف مما تقدم ذكره من قوله : { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا } ونحو ذلك . ثم قوله - عز وجل - : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } يحتمل أن يرجع إلى معنى آخر غير المعنى فيما ذكر من الآيات ، وكل حرف من هذه الحروف يرجع إلى فريق غير الفريق الآخر ؛ لأنهم كانوا في المذاهب مختلفين متفرقين . وجائز أن يرجع الكل إلى معنى واحد ، والله أعلم . وفي هذه الآيات ما ذكرنا من الوجوه من تصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى القوم ، ومن بيان سفه أولئك ، ومن التحذير لما تأخر منهم ، والله أعلم . وقال القتبي : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } أي : يرى في الحلي ، وهي البنات ، يريد جعلهم بنات لله - تعالى - وهم إذا كان لأحدهم بنت { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } ؛ أي : حزين ، والخصام جمع : خصيم { غَيْرُ مُبِينٍ } أي : غير مبين الحجة . وقال أبو عوسجة : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } أي : ينشأ ؛ كما يقال : ينشأ الصبي ينشأ ، أي : يشب ويرتفع ، والخصام : المخاصمة . وقال أبو معاذ : { يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } - والله أعلم - : البنت ، ويقرأ { يُنَشَّأُ } بالتشديد ، و { يُنْشَأُ } بالتخفيف ، وهما لغتان ، وقرأ بعضهم : { يَنْشَأُ في الحلية } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } . فإن قيل : كيف سفههم في جعلهم عباد الرحمن إناثاً ، وقد جعل الله من عباده إناثاً ، لماذا عاتبهم على ذلك ؟ قيل : عن هذا وجهان : أحدهما : إنما سفههم وعاتبهم ؛ لشهادتهم على الله - سبحانه وتعالى - أنه جعل الملائكة إناثاً ، وهم لم يشاهدوها ، ولا يؤمنون بالرسل - عليهم السلام - حتى يقع لهم العلم والخبر بذلك بقول الرسل ، والله أعلم . والثاني : أن الله - تعالى - وصف ملائكته بأنهم لا يفترون عن عبادته ، وأنهم لا يستحسرون ، وأنهم مطيعون لله - تعالى - على الدوام بحيث لا يرد منهم عصيان طرفة عين ؛ على ما نطق بذلك الكتاب ، فهم إذا قالوا : إنهم إناث ، وصفوهم بالضعف والعجز ، فلا يتهيأ لهنّ القيام بما ذكر ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } ، وقوله : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } [ النحل : 57 ] ، وقوله : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } [ النحل : 62 ] - ليس على حقيقة الجعل ، ولكن على الوصف له والقول ؛ أي : قالوا : إن الملائكة بنات الله ، ووصفوا لهم بما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } تعلق المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله - تعالى - لم يشأ الكفر من الكافر ، وإنما شاء الإيمان ، فإن الكفار ادعوا أن الله - تعالى - شاء منهم الكفر ، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام ؛ حيث قالوا : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } أي : لو شاء منا ترك عبادة الأصنام لتركناها ، ولكن شاء منا عبادة الأصنام ، والله - تعالى - رد عليهم قولهم واعتقادهم فقال : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، أي : ما هم إلا يكذبون . وعندنا الآية تخرج على وجوه : أحدها : أنهم في قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } صدقة ؛ فإن معناه : لو شاء منهم تركهم عبادة الأصنام ما عبدوها ، ولكن شاء أن يعبدوها فعبدوها ؛ فيكون هذا منهم إخباراً عن المخبر به على ما هو ؛ فيكون صدقاً . ثم قوله - تعالى : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يحتمل : إنما سماهم كذلك لما قالت المعتزلة : إنهم ادعوا وأخبروا أن الكفر بمشيئة الله - تعالى - وأنه شاء منهم الكفر دون الإيمان ، فالله - تعالى - شاء منهم الإيمان دون الكفر ، فقد أخبروا على خلاف المخبر به ؛ فيكونون كاذبين . ويحتمل أنهم قالوا ذلك وفي قلوبهم بخلاف ما أخبروا ، وهو أن الكفر ليس مما شاء الله - تعالى - وإنما شاء الإيمان كما تقوله المعتزلة ، ولكن يقولون ذلك ردّاً على المسلمين الذين يدعونهم إلى الإيمان والرجوع عن الكفر : إنه إذا كان شاء منا الكفر دون الإيمان كيف نؤمن ونترك الكفر ؟ والإخبار عما هو به وإن كان صدقاً ، ولكن إذا كان في قلب المخبر واعتقاده خلاف ذلك فيكون ذلك الإخبار في نفسه صدقاً ، لكن من حيث إنه إخبار عما في الضمير يكون كذباً ، وهذا كقول الله - تعالى - : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] وهم في قولهم : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 1 ] صدقة ، لكن في إخبارهم عما في ضميرهم كذبة ؛ لما لا يوافق ظاهر كلامهم حقيقة ما في قلوبهم ، فيرجع تكذيب الله - تعالى - إياهم لكذب قلوبهم ، وإن كانوا في نفس قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 1 ] صدقة ، وإذا احتمل الوجهين فلا تكون الآية حجة لهم مع الاحتمال ، وعلى الوجهين جميعاً يكونون كاذبين ؛ لذلك قال : { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، والله أعلم . والثاني : أنهم وإن كانوا صادقين في ذلك فهم ربما قالوا ذلك على الاستهزاء والسخرية ، لا على الجد ؛ فيكون قصدهم تلبيس الصدق على الناس ورده ، كقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [ مريم : 66 ] ، وهذا القول من هذا الإنسان حق وصدق ، لكن إنما قال ذلك استهزاء منه وإنكاراً للبعث ؛ ألا ترى أن الله - تعالى - وعظه على ذلك وذكره ، حيث قال : { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } [ مريم : 67 ] فعلى ذلك قول أولئك وإن كان في الظاهر صدقاً فهم إنما قالوا ذلك استهزاء وسخرية على سبيل الإنكار وتلبيس الحق ؛ فيكون إخبارهم من هذا الوجه ولهذا الغرض خرصاً وكذباً ، والله أعلم . والثالث : غرضهم بذلك الاحتجاج على المسلمين في توعيدهم بالعذاب بسبب العناد والكفران كيف نعذب وإنما باشرنا الكفر بمشيئته ، ولو شاء أن نترك العبادة للأصنام تركنا فإذا كان شاء منا الكفر حتى كفرنا لماذا عاقبنا ؟ فأبطل احتجاجهم بقوله - تعالى - : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي : هم جاهلون في الاحتجاج بهذا ، كاذبون في أنهم باشروا الكفر بسبب مشيئة الله - تعالى - إياهم الكفر ، ولكن لسوء اختيارهم ، وأسباب حاملة لهم على ذلك ، وأصله : أن لا أحد من العصاة والفسقة والكفرة يفعل وعنده أن الله - تعالى - شاء ذلك منهم ، فإذا كان وقت فعله لا يفعل ما يفعل ؛ لأن الله تعالى شاء ذلك منه لم يكن له هذا الاحتجاج والقول الذي قالوا : والله الموفق . والرابع : يحتمل أنهم يقولون : { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } ، وقولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] أي : لو أمرنا الله - تعالى - بترك عبادتنا أولئك الأصنام ما عبدناهم ، لكن أمرنا أن نعبدهم ، كانوا يدعون أنما يعبدون لأمر من الله - تعالى - كقوله : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . أو أرادوا بالمشيئة : الرضا ؛ يقولون : لولا أن الله - تعالى - قد رضي بذلك عنّا وعن آبائنا ، وإلا ما تركنا وهم على ذلك ؛ فاستدلوا بتركهم على ما اختاروا على أن الله - تعالى - قد رضي بذلك عنهم ، فردّ الله - سبحانه وتعالى - بقوله : { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } وبقوله : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ … } الآية [ الأعراف : 28 ] ، وقد ذكرناه على الاستقصاء في قوله - تعالى - : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا … } الآية [ الأنعام : 148 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } أي : لم نؤتهم كتاباً ليكون لهم العلم بذلك ؛ يسفههم في قولهم ؛ لأنهم قوم لا يؤمنون ولا يصدقون . وقوله - عز وجل - : { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } إنهم قوم ينكرون [ الرسل ] ويكذبونهم بعلة أنهم بشر ، ثم اقتدوا بآبائهم واتبعوهم وهم بشر أيضاً ، فهذا تناقض في القول ؛ يذكر سفههم وتناقضهم في القول . وقوله - عز وجل - : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } يصبّر رسوله على ما قال هؤلاء : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } : أنّه ليس ببديع من هؤلاء ؛ بل قال أوائلهم لرسلهم على ما قال قومك ؛ يصبره صلى الله عليه وسلم ويعزيه ، ويذكر سفههم في اتباعهم إياهم واقتدائهم بهم وهم بشر ، فيقول : فإذا كنتم لا محالة تتبعون البشر فاتبعوا أمر [ من ] هم أهدى من آبائكم ، وهم الرسل ، وهو ما قال - عز وجل - : { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } فقالوا عند ذلك : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } عناداً وتعنتاً منهم . وقال بعضهم : أي : قل يا محمد : { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ } أي : إن جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم من الدين ، أفتتبعونني فيما جئتكم ؟ فردوا عليه وقالوا : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } . وقوله - عز وجل - : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } هذا وعيد . ثم قال بعضهم : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } يقول : هو رجوع إلى ذكر الأمم الخالية ، فقال : فانتقمنا منهم بالعذاب الذي نزل . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - : { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } وذلك جائز . وقوله : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } يحتمل : مكذبي الرسل . ويحتمل : مكذبي العذاب .