Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } قال أهل التأويل : إنا أنزلنا الكتاب - أي : القرآن - في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالتفاريق . ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى قوله : { حـمۤ } أي : قضى ما هو كائن على ما قال بعض أهل التأويل : إن ما قضى في كل سنة من الموت والحياة والرزق ونحو ذلك ينزل في ليلة القدر نسخها الملائكة الذين وكلوا على ذلك ، فهذا يحتمل . ويحتمل أن تكون الهاء راجعة إلى ما ضمن في قوله : { حـمۤ } على ما أراد به ، والله أعلم . ويحتمل أنه أراد بهذا إنزال شيء وأمر في ليلة القدر ، عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيخبر أنه أنزل ذلك ولم يبينوا لنا ذلك ؛ لما لا حاجة لنا إلى معرفته . وقالت الروافض في قوله - تعالى - { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ } : إن الله - تعالى - أنزل شيئاً على رسوله ، يكون ذلك الشيء على رأسه وعلى رءوس الأئمة الذين يكونون بعده بحيث يروا ذلك دون غيرهم ، إذا استقبلهم أمر أو بدا لهم شيء ، نظروا في ذلك الشيء ، [ و ] عرفوا ما احتاجوا ، وما يكون لهم من الصلاح ، أو كلام نحو هذا . وأما عند أهل التأويل هو ما ذكرنا راجع إلى ذلك الكتاب المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو إلى ما ذكرنا من تضمين ما ضمن في قوله : { حـمۤ } ، وكذلك قالوا - أيضاً - في قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] ، وقوله : { فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } وهي ليلة القدر ، سماها : مباركة ، وقد سمى المطر والماء المنزل من السماء [ مباركا ] ؛ كقوله - تعالى - : { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } [ ق : 9 ] ، وكذلك الأرزاق المنزلة من السماء والمستخرجة من الأرض مباركة بقوله : { بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] والمبارك هو الذي عنده يدرك كل الخيرات ، والبركة : هي اسم كل خير يكون أبداً على الزيادة والنماء ، فسمى تلك الليلة : مباركة ؛ لما جعل فيها من الخيرات والبركات . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } . يحتمل { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } للخلق إذا أنشئوا وبلغوا المبلغ الذي يستوجبون الإنذار . ويحتمل { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } الخلق بالرسل ؛ هذا هو الظاهر ؛ أن هذا القول من الله تعالى - والله أعلم - قال : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } بالقرآن بما أنزل علي . وقوله - عز وجل - : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } . يحتمل : أي : يفصل ويبين كل أمر هو كائن في ليلة القدر . ويحتمل : أي : يبين في ليلة القدر كل ما يكون في تلك السنة . ثم قوله : { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } يحتمل أي : كل أمر فيه حكمة . ويحتمل : كل أمر محكم متقن { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } الأمر الذي ذكر بقوله : { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } . يحتمل قوله : { رَحْمَةً } أي : ما أنزل من الكتاب هو رحمة من ربك . ويحتمل : ليلة القدر ؛ أي : جعلها رحمة منه . ويحتمل ما ذكر من أمر حكيم هو رحمة منه . ويحتمل : أي : الرسول المبعوث إليهم رحمة منه لهم ، وهو كقوله - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . وقوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يحتمل قوله : { ٱلسَّمِيعُ } بأقوالهم التي أسروها ، { ٱلْعَلِيمُ } بأفعالهم وأعمالهم التي أخفوها وأضمروها . ويحتمل { ٱلسَّمِيعُ } : المجيب لمن دعا ، { ٱلْعَلِيمُ } بما يرجع إلى مصالحهم في دينهم ودنياهم . وقوله : { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } . قال بعضهم : رب الشيء هو مصلحه ؛ معناه : مصلح السماوات والأرض وما فيهما ، وحافظ ذلك كله . وقال بعضهم : { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : مالكهما ومالك ما فيهما . ويحتمل : { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : خالقهما ، وخالق ما فيهما ، ومنشئ ذلك كله . وقوله : { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } . قال بعضهم : هذا على إتمام الآية ، ومراعاة المقاطع على وجهها ، هذا وأمثاله يخرج على هذا ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قوله : { إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } على إثر قوله : { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : هو رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم تعلمون : أنه رب ما ذكر ، فكيف تصرفون العبادة واسم الألوهية إلى من ليس برب ؟ ! لما ذكر أن الإيقان هو العلم بالشيء حقيقة . ثم نعت الربّ فقال : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فكأنه يقول : لا معبود يستحق العبادة سواه ؛ لأن الإله هو المعبود عند العرب ؛ يقول : لا تستحق الأشياء التي يعبدون العبادة إنما المستحق لها هو الذي لا إله غيره . ويحتمل أن يقول : لا يستحق اسم الألوهية إلا هو ، لا الأشياء التي سميتموها : آلهة ، ثم نعته فقال : { يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي : هو يحيي ويميت ، وهو ربكم ورب آبائكم الأولين . إن من عادة العرب أنهم كانوا يعبدون ويخدمون شيئاً دون الله - تعالى - رجاء أن تشفع لهم وتقربهم تلك العبادة إلى الله تعالى - فيقول : إن الذين تعبدون دونه لا يقع لهم العلم بعبادتكم إياها ، فاصرفوا العبادة إلى الذي يعلم بعبادتكم على كل حال ، وأخلصوا له ذلك ، ولا تشركوا غيره .