Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 9-16)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } يحتمل قوله - عز وجل - : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ } أي : في أمر القرآن . ويحتمل : بل هم في شك في أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } اختلف أهل التأويل فيه : قال بعضهم : ليس هو على حقيقة الدخان ، ولكن على التمثيل والمجاز . ثم اختلف في كيفية ذلك ، مع اتفاقهم أنه قد مضى ذلك وقد كان ؛ قال بعضهم : { بِدُخَانٍ } أي : بجدب وقحط ؛ جعل الدخان كناية عن الجدب ؛ لوجوه : أحدها : لما يقال : إن الجائع في القحط كان يرى بينه وبين السماء والناس دخاناً من شدة الجوع ، كالذي يشتد به العطش يرى السراب ماء ؛ وذلك لأنه لما اشتد الجوع ضعفت أبصارهم وغطاها الجوع ؛ فيكون الجوع سبب ترائي الدخان ، فاستعير له ، ولأن في سنة الجدب تيبس الأرض ، وينقطع النبات ، فيرتفع الغبار ، ويصعد الريح ليبسها ، فيشبه ذلك الغبار الذي يرتفع من يبس الأرض بالدخان ولذلك قيل للسنة : غبراء ، وقيل : جوع أغبر ؛ لأن العرب ربما وضعت الدخان موضع الشر إذا علا ، فيقولون : لو كان بيننا : أمر ارتفع له دخان ، وقالوا : إن هذا القحط الذي جعل الدخان كناية عنه قد كان ، فإنه اشتد بهم القحط ، وقلت الأمطار ، ويبست الأرض ، وارتفع الغبار ، وصعدت الريح كالدخان ، وضعفت الأبصار لشدة الجوع ، حتى كانوا يرون السماء كالدخان ؛ على ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : كان أحدهم ينظر إلى السماء ، فيرى كهيئة الدخان من شدة الجوع . وقال بعضهم : إنما مثل الأرض يومئذ كمثل بيت أوقد ليس فيه خصاصة . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : قد مضى الدخان ، وهو سنون كسني يوسف - عليه السلام - فجهد الناس ، والله أعلم . ومنهم من يقول : هو على حقيقة الدخان ، وأنه لم يمض بعد ، وكذلك روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : الدخان لم يمض بعد ، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام ، وينتفخ الكافر حتى ينفذ ، وكذلك قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - والحسن وغيرهم ، لكن صرف الدخان المذكور في الآية على التمثيل أشبه ؛ لأن الأمر إذا اشتد وبلغ نهايته يشبه بالنار والدخان ، كقوله : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [ المائدة : 64 ] ، وليس هناك نار ، لكن وصف شدة الحرب فعلى ذلك جائز تشبيه ما اشتد بهم من الجوع والجدب والقحط بالدخان الذي ذكر ، وكذلك يصف الناس الأمر إذا اشتد ؛ يقولون : هاج الدخان وثار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، يحتمل قوله : { يَغْشَى ٱلنَّاسَ } أي : غشي الناس ما ذكر ، وهو عذاب أليم ؛ على تأويل من قال : إنه ماضٍ كائن . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - : { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : يغشى ، فيقول الناس : هذا عذاب أليم ؛ وهو على قول من يقول : إنه لم يمض بعد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } أي : إنا نؤمن بك فيما تدعونا إليه لو كشفت عنا العذاب ، في معنى الشرط والجزاء ، وهو كقول [ قوم ] موسى - عليه السلام - حيث قالوا : { يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ … } الآية [ الأعراف : 134 ] . ويحتمل أن يكون قوله : { إِنَّا مْؤْمِنُونَ } على الحال ؛ كأنهم قالوا : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون للحال . ثم أخبر الله - عز وجل - أنهم لا يؤمنون ، وأنهم كذبة فيما قالوا ؛ حيث قال - تعالى - : { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } يقول : أنى يتوبون ؟ ! أو من أين تنفعهم توبتهم في ذلك بعدما خرجت أنفسهم من أيديهم ، وقد جاءهم رسول قبل ذلك الوقت مبين أنه رسول ؟ ! والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } يحتمل : أي : أعرضوا عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن . ويحتمل تولوا عما دعاهم إليه رسول الله وأمرهم به . ويحتمل : تولوا عن رسول الله نفسه . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } . قولهم : { مُعَلَّمٌ } لأنهم يقولون : إنما يعلمه بشر . وقوله : { مَّجْنُونٌ } نسبوه إلى الجنون ؛ لوجهين : أحدهما : ما ذكر : أنه إذا نزل به الوحي ، تغيرت حاله ولونه ؛ لثقل ذلك عليه ، فيقولون : به آفة وجنون . والثاني : لما رأوه قد خاطر بروحه ونفسه ؛ لأنه خالف الفراعنة منهم والأكابر الذين كانت همتهم القتل والإهلاك لمن خالفهم ودعاهم إلى غير الذي كانوا عليه ، إذن نسبوه إلى الجنون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } . قال بعضهم : { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } في معاصيكم وكفركم الذي كنتم فيه . وقال بعضهم : أي : { إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } إلى عذاب يوم القيامة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ } . قال بعضهم : ذلك يوم بدر ، وهو قول ابن مسعود - رضي الله عنه - وقول عامة أهل التأويل ، وقالوا ذلك أشد من الدخان . وقال بعضهم : هو عذاب يوم القيامة ؛ وهو قول ابن عباس والحسن ، والله أعلم .