Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 34-50)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } يقول الله تعالى - وهو أعلم - : إن الذي يحمل هؤلاء على الإنكار والكفر بك وترك الإيمان بك - إنكارهم البعث والإحياء بعد الموت ؛ كقوله - تعالى - : { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ الأنعام : 92 ] ممن آمن بالآخرة فأما من لم يؤمن بالآخرة لا يؤمن به ، والله أعلم . وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لدعاء الخلق إلى الزهد في هذه الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، والقطع عن جميع شهواتهم ومناهم في الدنيا ، وتأخير ذلك إلى الآخرة ، فمن آمن بالآخرة سهل عليه ترك ذلك كله ، وهان عليه قطع نفسه عن قضاء ذلك كله ، ومن أنكر الآخرة وجحدها اشتد ذلك عليه وصعب ، [ و ] حمله ذلك على إنكارها والجحود لها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } هذا منهم احتجاج عليه ، يقولون : لو كنت صادقاً فيما تقول : إنه بعث وإحياء ، فأحي من ذكروا وائت بهم ، لكن هذا احتجاج باطل ؛ لأن الآيات والحجج ليست تنزل وتأتي على ما تشتهي أنفس أولئك ، ولكن تنزل على ما توجبه الحكمة ، وعلى ما فيه الحجة ، لا على ما يريد المقام عليهم الحجة ، كما في الشاهد أن الواجب على المدعي إقامة ما هو حجة في ذاتها ، لا إقامة ما يريدها المدعى عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أتاهم من البيان والحجة ما يوجب البعث والإحياء بعد الموت لو تأملوا ولم يكابروا عقولهم ، وكون سؤالهم منه آية أخرى مردود عليهم ، والله أعلم . وبعد : فإن الله - تعالى عز وجل - قد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة ، ولو أعطاهم ما سألوا من الآيات ثم أنكروها أهلكوا واستؤصلوا ؛ إذ من سنته أن كل آية أتت ونزلت على إثر سؤال كان منهم ، ثم أنكروا - كان في ذلك هلاك وعذاب ؛ لذلك لم يعطهم ما سألوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ } ليس في هذا جواب لقولهم : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، ولم يأت بجواب ذلك ، وإنما كان ؛ لأنهم لم يستحقوا الجواب لهذا السؤال ؛ لأنهم سألوا ذلك تعنتاً وعناداً . ويحتمل أن يكون في هذا جواب لقولهم وسؤالهم الآية المخترعة ، وفي الآية دلالة على البعث أيضاً . بيان الأول : أنه أخبر عن قوم تبع ومن ذكر من الأمم الخالية ، كانوا ينكرون رسالة رسلهم ، ويكذبونهم ، ويوعدونهم الرسل بالعذاب والهلاك ، فيكذبونهم - أيضاً - فيما يوعدون من البعث ، فجاءهم الهلاك ، فيقول : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } ومن ذكر ، أي : أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء ؟ وهم علموا أن أولئك أشد قوة وبطشاً ، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله الذي نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث ، فأنتم دون أولئك ، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب إذا نزل بكم ؟ ! وهو كقوله - تعالى - : { أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ } [ القمر : 43 ] وإذا لم يتهيأ لهم الدفع ومن سنته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة ، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق ؛ لذلك لم يعطهم الآية التي سألوا ، والله أعلم . وأما الثاني : وهو أنه لما أخبر : أن تعذيب أولئك الكفرة ؛ لتكذيب الرسل وإنكار البعث ؛ فدل أن البعث حق حتى يستحق منكره العذاب ، والله أعلم . وذكر أن تبعاً كان رجلا صالحاً ، وعائشة - رضي الله عنها - تقول : " لا تسبوا تبعاً ؛ فإنه كان رجلا صالحاً " . وذكر أنه كان رسولا ، وقد ذكرنا نعته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } ، وقال في آية أخرى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] : إن الكفرة كانوا لا يطلقون القول ، فلا يقولون : إن الله - تعالى - خلقهما وخلق ما بينهما باطلا ولعباً ، لكن خلق ذلك كله على فتياهم وظنهم ، وعلى ما عندهم يصير عبثاً باطلا ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، ويقولون : أن لا بعث ، ولا حساب ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، فإذا كان فتياهم وظنهم أن لا بعث ولا نشور ، يكون خلقهم وخلق السماء والأرض وما ذكر - باطلا ولعباً ؛ لأن المقصود بخلق ما ذكر - على زعمهم - لم يكن ألا الإفناء والإهلاك ، ومن لم يقصد في بنائه إلا النقض في الشاهد والإفناء في العاقبة ، كان في بنائه وقصده سفيهاً ، غير حكيم ، فعلى ذلك الله - سبحانه وتعالى - في خلقه إياهم ، وإنشائه لهم ، وتحويله إياهم من حال إلى حال أخرى : من حال النطفة إلى حال العلقة إلى حال المضغة إلى حال تصوير الإنسان ، ثم إلى حال الكبر ، لو لم يكن ما ذكرنا من المقصود سوى الإفناء والإهلاك على ما زعموا - كان سفهاً باطلا ، غير حكمة ؛ لما ذكرنا : من قصد في البناء الإفناء خاصة لا غير ، كان في فعله وقصده لاعباً عابثاً سفيهاً ؛ ولذلك سفه الله تلك المرأة التي لم يكن قصدها في غزلها إلا نقضه في العاقبة ؛ حيث قال : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً … } الآية [ النحل : 92 ] ، فعلى ذلك خلق الله إذا لم يكن بعث ولا نشور - على ما قال أولئك الكفرة وظنوا - كان كذلك سفهاً غير حكمة ؛ ولذلك قال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] جعل خلقه إياهم [ لا ] للرجوع إليه عبثاً ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } قال بعضهم : إلا لإقامة الحق . وقال بعضهم : إلا لأمر كائن مراد . وأصل الحق : هو أن يحمد عليه فاعله في العاقبة ، والباطل هو ما يذم عليه فاعله ، وإنما خلق - جل وعلا - ما ذكر ؛ ليحمد على فعله ، لا ليذم ، ولو لم يكن القصد في خلقهم إلا الإفناء والإهلاك لكان لا يحمد عليه ، ولكن يذم ، على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنهما لم يخلقا باطلا وعبثاً ، وهو ما ظنوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ } سمى يوم القيامة مرة : يوم الجمع ، ومرة يوم التفريق ، ومرة يوم الفصل ، فهو يوم الجمع ؛ لما يجمع فيه الخلائق جميعاً ، وكذلك يوم الحشر . ويوم الفصل يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يفصل بين أوليائه وأعدائه ، ينزل أولياءه في دار الكرامة والمنزلة وهي الجنة ، وأعداءه في دار الهوان والعقاب ، وهو ما قال : { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] . ويحتمل أن يكون قوله : { يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } أي : يوم القضاء والحكم ، أي : يقضي ويحكم بين المؤمنين والكافرين فيما تنازعوا واختلفوا في الدنيا بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ يونس : 93 ] . ويحتمل - أيضاً - ما ذكرنا من الفصل بين الأولياء والأعداء ما لو لم يكن ذلك في الآخرة بينهم كان جامعاً مسوياً بين الأولياء والأعداء ، وهم استووا واجتمعوا في الدنيا في ظاهر أحوالهم ، ومن سوى بين وليه وعدوه ، كان سفيهاً غير حكيم - دل أن هنالك داراً أخرى يفصل بينهما ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } هذا في الكفار خاصة يخبر أنه لا ولي ينفعهم في الآخرة ، ولا يعين بعضهم بعضاً على ما يعان في الدنيا إذا نزل ببعض منهم بلاء وشدة ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ … } الآية [ عبس : 34 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَٱخْشَوْاْ يَوْماً … } الآية [ لقمان : 33 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ البقرة : 123 ] ، والله الموفق . ثم قوله - تعالى - : { لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً } يحتمل مولى الأعلى ومولى الأسفل ، على ما يعين بعضهم بعضا في الدنيا . ويحتمل كل ولي وقريب ؛ يخبر أنه لا قريب يملك دفع ما نزل به ، ولا ولي ، ولا يملك نصره ولا معونته ؛ لأن ولايتهم يومئذ تصير عداوة بقوله - عز وجل - : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ … } الآية [ الزخرف : 67 ] ، استثنى المتقين ، وعلى ذلك استثنى في هذه الآية أيضاً حيث قال : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ } ومن عليه ، وهداه الإيمان ، ورزقه التوحيد فإنه يكون بعضهم لبعض شفعاء وأولياء ينصر بعضهم بعضا ، ويشفع بعضهم لبعض ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } : { ٱلْعَزِيزُ } في نقمته من أعدائه لأوليائه { ٱلرَّحِيمُ } للمؤمنين الذين استثنى في الآية ؛ حيث قال : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ } . وقوله : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } ظاهر الآية أنها طعام كل أثيم ، لكنها ليست بطعام كل أثيم ؛ بل هي طعام أثيم دون أثيم ، وهو الكافر ؛ لأن الإثم المطلق هو الإثم من كل وجه ، وهو الكافر ، فأما المؤمن المسلم لا يكون أثيماً مطلقاً مع قيام إيمانه وكثير طاعته ؛ فلا يكون صاحب الكبيرة داخلا تحت الآية . قال بعض أهل [ التأويل ] : إنه [ لما ] نزل قوله - تعالى - : { إِنَّ شَجَرَةَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلأَثِيمِ } أتى بعض الكفار بالعسل والزبد ، وقالوا لأصحابهم : تعالوا نتزقم فإن محمداً وعدنا بذلك ؛ لما كان الزقوم هو الزبد والتمر والعسل بلغة قوم من العرب ، فنزل عند ذلك قوله - تعالى - : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ … } الآية [ الصافات : 64 - 65 ] ، أخبر أنها شجرة أنشئت من النار ، بقوله - تعالى - : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } الآية [ الصافات : 64 ] ، ليست كسائر الأشجار ، ثم شبهها بالمهل بقوله - تعالى - : { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } والمهل : دُرْدِيُّ الزيت . ثم يحتمل تشبيهها بالمهل وجهين : أحدهما : لالتصاقه بالبدن ؛ لأنه قيل : إنه ألصق الأشياء بالبدن . ويحتمل أن يشبهها بذلك ؛ لكثرة ألوانها وتغيرها من حال إلى حال . ثم الإشكال أنه ليس في أكل دُرْدِيُّ الزيت فضل شدة وكثير مؤنة ، فما معنى التشبيه به ؟ لكن نقول : إنّه بين أن ذلك المهل والدردي من النار ؛ حيث قال : { كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ } . ثم الإشكال أن شجرة الزقوم كيف تكون للأثيم ؛ فيحتمل ذلك وجهين : أحدهما : أنه يخرج منها شيء ويسيل ، فيسقى ذلك الكافر . ويحتمل : أنه يأكلها كما هي ، فتذوب في بطنه ، فتغلي ، فيكون ما ذكر . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رأى فضة قد أذيبت ، فقال : هذا المهل ، فجائز أن يكون على هذا كل شيء يذاب ويحرق فهو المهل ، والحميم هو الشيء الحار الذي قد انتهى حره غايته والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } ظاهر هذا أن يكون بعدما أدخلوا في النار ، لكن يحتمل أيضاً أن يكون ذلك في أول ما يراد أن يدخلوا النار ؛ كقوله : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } [ الحاقة : 30 - 31 ] فعلى ذلك { خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } . ثم قوله - تعالى - : { فَٱعْتِلُوهُ } : قال بعضهم : أي : ادفعوه { إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } أي : إلى وسط الجحيم . وقال بعضهم : { فَٱعْتِلُوهُ } أي : قودوه قوداً إلى { سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } يقال : جيء بفلان يعتل إلى السلطان ؛ أي : يجرّ ويقاد . وقال بعضهم : هو السوق الذي فيه شدة وتعنيف ؛ أي : سوقوه سوقاً شديداً عنيفاً . وبعضه قريب من بعض . والجحيم : هو معظم النار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } أي : من شراب الحميم ؛ جعل الله - عز وجل - لأهل النار من ألوان الشراب : الحميم ، والصديد ، ونحوهما ، مكان ما جعل لأهل الجنة من أنواع الشراب ؛ حيث قال : { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ … } الآية [ محمد : 15 ] . ثم في الآية أن الفريقين جميعاً لا يتولون شرابها بأنفسهم ، لكنهم يسقون ؛ على ما ذكر في أهل الجنة في غير آي من القرآن ؛ حيث قال : { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ … } [ المطففين : 25 ] ، وقوله - تعالى - : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً … } الإنسان : 17 ] ، ونحو ذلك كثير ، وقال في أهل النار : { ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ } ، وقوله - تعالى - : { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [ الغاشية : 5 ] ، وقال في آية أخرى : { مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 36 ] ، وغير ذلك . وقوله - عز وجل - : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } قال أهل التأويل : إنما يقال هذا لأبي جهل اللعين ، وله ذلك العذاب الذي ذكر في الآية ، وهو المراد بالأثيم ؛ كان في الدنيا يفتخر ، ويقول : أنا العزيز الكريم ، وليس فيما بين كذا إلى كذا أعزّ منّي ، وأنا المتعزز المتكرم ، فيقال له في الآخرة : { ذُقْ } هذا الذي ذكر { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } في الدنيا يصغرونه ويهينونه . ويحتمل أن يكون هذا في كل كافر يتعزز في الدنيا ويتكرّم ، وكل رئيس منهم ، والله أعلم . وقال بعضهم في قوله - عز وجل - : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } أي : ذق فإنك لست بعزيز ولا كريم ، ثم يقال ذلك له على التهزي به ؛ أي : لو كنت عزيزاً كريماً ما دخلت النار ، والله أعلم .