Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 16-20)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } قال أهل التأويل : أي : التوراة . والإشكال : أنه آتى بني إسرائيل جملة كتباً كثيرة ، أمّا التوراة والإنجيل والزبور هي كتب معروفة قد نعرفها ، وقد يجوز أن يكون لهم كتب غيرها ، فما معنى ذكر الكتاب ؟ وما معنى حملهم على أن التوراة [ هي المرادة ] ، إلا أن نقول : يجوز أن يريد بذكر الكتاب : الكتب ؛ فإنه أدخل الألف واللام ، فيكون لاستغراق الجنس . ويحتمل أنّه أراد به التوراة ، كما قال أهل التأويل ؛ إذ يجوز أن يذكر اسم العام ويراد به الخاص ، وهو الواحد منهم . ويحتمل أن تكون التوراة هي الكتاب الذي فيه عامة الأحكام ، فإنه قيل : إن الزبور ليس فيه الحكم ، إنما فيه التسبيح والتحميد ، وكذا الإنجيل ليس فيه إلا أحكام قليلة ، فيجوز أن يكون المراد : التوراة لهذا ، والله أعلم . وقوله : { وَٱلْحُكْمَ } قال بعضهم : { وَٱلْحُكْمَ } أي : فهم ما فيه . وقال بعضهم : { وَٱلْحُكْمَ } : فقه ما في الكتاب ؛ إذ الحكم الظاهر داخل تحت قوله : { ٱلْكِتَابَ } بين بقوله : { وَٱلْحُكْمَ } أنه أعطى الحكم الظاهر فيه ، والحكم المستخرج منه بالاستنباط والاجتهاد ، والله أعلم . ويحتمل أن يراد بالكتاب : هو ما يتلى فيما بينهم وبين ربهم ، والحكم هو ما أمرهم فيه أن يحكموا فيما بين العباد والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلنُّبُوَّةَ } إنما ذكر النبوة ؛ لأن النبوة كانت ظاهرة في بني إسرائيل ، فإنه ذكر أن في بني إسرائيل كذا كذا رسولا ونبيّاً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } قد كان رزقهم [ من ] الطيبات ما ذكر من المنّ ، والسلوى ، وغير ذلك من الطيبات ، [ ما ] لا يحصى . وقوله - عز وجل - : { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } قد ذكرنا تفضيلهم على العالمين في موضعه . وقوله - عز وجل - : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } قال بعضهم : { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي : آيات من الأمر . وقيل : { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي : ما بين لهم من الحلال والحرام والشبه ، ونبأ ما كان قبلهم ، والله أعلم . ويحتمل { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي : بيان ما تقع الحاجة إليه من الأمر . وعندنا { بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } يخرج على وجهين : أحدهما : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي : بينات التكوين ودلالات لما جعل الله لهم في نفس كل أحد من دلالات وحدانيته وألوهيته . أو ما أقام من الآيات في العالم على التكوين يدل على جعل الألوهية والربوبية له . وقوله - عز وجل - : { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } على ما ذكرنا من أمر التكوين ؛ أي : ما اختلفوا في صرف الألوهية والوحدانية عن الله - تعالى - إلى غيره { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي : إلا من بعد ما بين لهم أن الألوهية والربوبية [ له ] بالدلالة الواضحة والحجة النيرة ، وأنّ له الخلق والأمر ؛ إلا أنه ذكر العلم وأراد به أسباب العلم ودلائله ، والله أعلم . والثاني : يحتمل قوله - تعالى - : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } : أمر المجيء من الأمر والنهي ، والتحليل والتحريم ، وبيان ما يؤتى و [ ما ] يتقى ، وما لهم وما عليهم . ثم قوله - عز وجل - : { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } واختلافهم فيما امتحنوا يتوجه إلى وجوه : أحدها : ما اختلفوا فيما امتحنوا من الدين ، أو فيما امتحنوا في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجابة له إلى ما يدعوهم إليه والطاعة له . ويحتمل : اختلافهم الذي ذكر الاختلاف في القرآن ، أو فيما امتحنوا من التحليل والتحريم . ثم يخبر الله - تعالى جل وعلا - أنهم ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق في ذلك والبيان أنه من الله ، وأن ما هم عليه باطل مضمحل . ثم أخبر أن اختلافهم إنما هو لبغي بينهم وحسد ، حملهم ذلك على الاختلاف فيما بينهم . ثم أخبر أنه { يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . ثم قوله - تعالى - : { يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } يحتمل وجهين : أحدهما : أي : يجزيهم في الآخرة جزاء اختلافهم في الدنيا . أو { يَقْضِي } : أي : يفصل ويبين لهم يوم القيامة الحق من الباطل ، والمحق والمبطل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا } يحتمل أن يكون هذا صلة قوله - تعالى - : { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } كأنّه يقول : وآتيناهم بينات من الأمر ، وجعلنا ذلك شريعة لك ، فاتبعها أنت وإن لم يتبعوها هم . والشريعة : هي الملة والمذهب ، وهي ما شرع فيه ويذهب إليه ؛ كذلك قاله القتبي ؛ قال : يقال : شرع فلان في كذا إذا أخذ فيه ، ومنه : مشارع الماء : الفُرَض التي يشرع فيها الناس والواردة . وقال أبو عوسجة : الشريعة : السنة ، والله أعلم . ثم أخبر أن الذي هم عليه إنما هو هوى النفس ، فقال - عز وجل - : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . يحتمل قوله - تعالى - : { لاَ يَعْلَمُونَ } لما لم يتأملوا فيه ولم يتفكروا ما لو تأملوا وتفكروا فيه لعلموا ؛ لأنه قد ذكر في أوّل الآية أنهم إنما اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم ؛ أي : جاءهم من دلائل العلم ما لو تأملوا ونظروا فيها لعلموا . والثاني : نفى عنهم العلم ؛ لما لم ينتفعوا بما علموا وما جعل لهم من العلم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي : لو اتبعت أهواءهم { لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ } ؛ أي : لم يغنوا أولئك عن دفع ما ينزل بك من عذاب الله شيئاً ، وهو ما قال في آية أخرى : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ … } [ الإسراء : 73 ] إلى قوله : { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ … } الآية [ الإسراء : 75 ] . ثم أخبر أن الظالمين بعضهم أولياء بعض بقوله : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } يحتمل ولاية الدين والمذهب ؛ أي : بعضهم يوالي بعضاً في الدين . ويحتمل في غيره ؛ أي : يلي بعضهم أمر بعض في الإعانة والنصرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } يحتمل : أي : يلي أمور المتقين . ويحتمل : { وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي : ناصرهم ومعينهم . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } سمى الله - تعالى - هذا القرآن : بصائر ، وهو ما يبصر به ، ومرة : هدى ، وبياناً ، ورحمة ، ونوراً ، ونحوه ، وهو هكذا ، هو هدى ، وبيان ، ونور ، وبصيرة لمن اتبعه ونظر إليه بعين التعظيم والتبجيل وقبله . ويحتمل : { بَصَائِرُ } : بيان يبين لهم أنه من الله ، فيبين لهم الحق من الباطل ، ويبين [ ما ] لهم وما عليهم لمن ذكر { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .