Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 27-37)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } هذا يخرج على وجوه : أحدها : ولله ملك كل ملك في السماوات والأرض . أو { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ؛ أي : خزائن السماوات والأرض ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود ، رضي الله عنه . أو يقول : ولله حقيقة ملك السماوات والأرض . فإن كان التأويل هو الأول فإن له ملك كل ملك في السماوات والأرض ، ففيه إخبار وإعلام بليغ أتباعَ أولئك الملوك ، و [ ذوي ] التعظيم لهم ، والإجلال ، والخدمة لهم بما في أيديهم من الملك والسلطان وفضل الأموال [ ألا يصرفوا ذلك إليهم ] ؛ بل فيه الأمر بصرف ذلك كله إلى الله - تعالى - والقيام له بالشكر ، لا لأولئك ؛ لأن الذي في أيديهم لله - تعالى - وهو الجاعل في أيديهم ، والواضع عندهم ، فإليه يلزم صرف الشكر والعبادة ، والله أعلم . وإن كان تأويل الملك : الخزائن ، ففيه قطع الأطماع عما في أيدي الناس ، والأمر بصرف ذلك إلى الله - تعالى - والرجاء منه دون من سواه ، والله أعلم . وإن كان الثالث ، وهو أن حقيقة الملك لله - تعالى - ففيه أنه فيما امتحنهم في الدنيا بأنواع المحن لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إلى نفسه ، أو لمضرة يدفع عنها ، وكذلك ما يثيبهم في الآخرة ويعاقبهم ، ليس يفعل ذلك لمنفعة كانت له في الدنيا أو دفع مضرة عنه ، ولكن لحكمة أوجبت ذلك لهم وعليهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ } سمى القيامة : ساعة ، فجائز أن يكون سماها [ بذلك ] ؛ لسرعة قيامها ، أو نفاذها ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] . أو أن يكون سماها بذلك ؛ لما يكون حسابهم وأمرهم يوم القيامة إنما يكون في ساعة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } يحتمل : أي : يومئذ يبين خسران المبطلين في الدنيا ، وعلى ذلك يبين خسران كل مشتركين في تجارة الدنيا ؛ إذا [ اشتركوا ] في عمل عند القسمة يتبين خسران عملهم وتجارتهم . وأصله أن الله - تعالى - جعل الدنيا وما أنشأ فيها من الأموال والأملاك رءوس أموال لأهلها يتجرون ويكتسبون بها الربح في الآخرة ، وأنه إنما أنشأ الدنيا للآخرة ، لا أنه أنشأها لنفسها ؛ ولذلك قال : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } الآية [ التوبة : 111 ] ، وقال : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 207 ] ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } يحتمل أن يكون ما ذكر من الجثو للركب في الآخرة تعريف لهم وإنباء أنهم يختصمون يوم القيامة جاثين للركب ، كما يختصم في الدنيا عند الحكام والأمراء جاثين للركب ، والله أعلم . ويحتمل أن يذكر جثوهم ؛ لما لا تقوم بهم الأقدام ، أو لا تحملهم ؛ لهول ذلك اليوم والخوف فيها ؛ فيكونون جاثين للركب ويقومون بها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } يحتمل : { كِتَابِهَا } : كتاب كل في نفسه ، وهو كقوله - تعالى - : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ، وقوله - تعالى - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } [ الحاقة : 19 ] و { أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ } [ الحاقة : 25 ] ونحوه . ويحتمل أن يكون قوله : { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } الذي دعيت كل أمة إليه في الدنيا ؛ من نحو القرآن ، ونحوه ؛ فيقال : يأهل الإنجيل ، يأهل التوراة ، ونحو ذلك ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي : إلى حسابها الذي عملت في الدنيا ؛ تفسير ذلك ما ذكر : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ } [ الأنعام : 93 ] . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } يحتمل الكتاب الذي أضاف إلى نفسه هو القرآن الذي كان ينطق لهم بالحق ؛ أي : بالحق الذي لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض . أو { بِٱلْحَقِّ } أي : بالصدق بأنه من الله - تعالى - والله أعلم . ويحتمل أن يكون ذلك الكتاب هو الكتاب الذي يكون لكلٍّ بالانفراد للذي كتبته له الملائكة مما عملوا من خير أو شر ، وهو كقوله - تعالى - : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 14 ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } اختلف في تأويله : قال بعضهم : إن الحفظة تكتب أعمال بني آدم ثم يعارضون ذلك بما في اللوح المحفوظ المكتوب فيه : أن فلاناً يعمل كذا وكذا ، فلا يزيد شيء ولا ينقص . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول قريباً من هذا : إن في السماء كتاباً عليه ملائكة ، والملائكة الذين مع بني آدم يستنسخون من ذلك الكتاب ما يعملون ، ثم قال : وهل تكون النسخة إلا من كتاب أو شيء ، والله أعلم . وقال بعضهم : ملكان موكلان بالكتابة ، يكتب كل واحد منهما ما يعمله ، فإذا أرادا أن يصعدا إلى السماء فيعارض كل واحد منهما كتابه الذي كتبه مع كتاب الآخر فلا يخطئ حرفاً مما كتب هذا ما كتب الآخر ، والله أعلم . وقال بعضهم : عرض كتاب الناس الذي عملوا كل يوم أو كل خميس ، فينسخ منه الخير والشر ، وما يثاب عليه وما يعاقب ، ويلقي ما سوى ذلك مما لا ثواب له ولا عقاب ، والله أعلم . ويحتمل أن يراد من الانتساخ : ابتداء الكتابة من غير أخذ من كتاب أو نحوه ، فإنه يجوز أن يستعمل الانتساخ في ابتداء الكتابة على غير أخذ من الكتاب أو غيره ، نحو أن يقول الرجل : انتسخته ، أي : كتبته ، فيكون كأنه قال : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } أي : نكتب ما كنتم تعملون ونثبته عليكم من خير أو شر ، فيخرج لهم كتبهم التي فيها أعمالهم ، فكانت عليهم حجة ، وهي التي كتبت عليهم الحفظة . وقال أبو عوسجة : الجاثية هي التي جثت واجتمعت ، ويقال : تجاثينا : أي : بركنا على ركبنا للخصومة . وقال القتبي : جاثية على الركب ، يراد : أنها غير مطمئنة . وقوله - عز وجل - : { تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } أي : إلى حسابها . وقوله : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } يريد : أنهم يقرءونه فيدلهم ويذكرهم ؛ فكأنه ينطق عليهم . وقوله تعالى : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } أي : نكتب على ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : آمنوا بجميع ما كان عليهم الإيمان به والتصديق . وقوله - عز وجل - : { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : عملوا بما فيه صلاحهم ، وما يوجبه الحكمة من العمل { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ } أي : في جنته ، سمى الجنة : رحمة ؛ لأنها تنال برحمته ، ويدخل فيها . أو سماها : رحمة ؛ لأنها هي النهاية والغاية التي تطلب بالرحمة وتراد بها . وقوله : { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } الآية . الفوز : هو الظفر بما يؤمل ويرجو من العمل ، أو يقال : الفوز : هو الفلاح الذي لا خوف بعده ، والله أعلم . وقوله : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } كأن فيه إضماراً ؛ لأن قوله - تعالى - : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } إنما هو إخبار عن المعاينة . وقوله - تعالى - : { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } خطاب ومشافهة ، فليس هو من جواب الأول ، ولا من نوعه ؛ فكأنه قال - والله أعلم - : وأما الذين كفروا في الدنيا فيقال لهم في الآخرة إذا طلبوا الرجوع والإقالة أو التخفيف ونحو ذلك : { أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } في الدنيا . ثم يحتمل : آياته : آيات وحدانيته وألوهيته ، أو آيات قدرته وسلطانه على التعذيب ، أو آيات قدرته على البعث أو آيات رسالته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } لا أحد يقصد قصد الاستكبار على آيات الله ، لكنهم لما كذبوها وردوا آياته ولم يعملوا بها ، فكأنهم استكبروا عليها ، وهو كما قال : { لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنهم لما عبدوا الأصنام بأمر الشيطان فكأنهم عبدوه . ويحتمل أن يكونوا استكبروا على رسله ؛ فيكون استكبارهم على رسله كأنهم استكبروا على آياته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } قيل : المجرم هو الوثاب في المعصية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } كان عندهم فيها ريب ، لكنهم لو تأملوا ونظروا فيما أقام من آياته ، زال عنهم الريب الذي كان لهم فيها . ويحتمل أن يقال هذا على الإيقان إذا كان القائل به موقناً ، وإن كان الذي يقال له شاكّاً في ذلك . والأول أقرب وأشبه . ثم الناس رجلان في الساعة : موقن بها ومتحقق ، ولكن في العمل لها والاستعداد لها كالظان . والثاني : ظان بها ، شاك فيها جاحد لها ومكذب كالموقن ألا تكون . ثم الإيقان بالشيء هو العلم بالأسباب الظاهرة ، وقد يدخل في تلك الأسباب أدنى شبهة وشك ؛ لذلك ذكر فيه الظن ، والله أعلم . وأما العلم بالشيء قد يكون بالسبب ، وقد يكون بالتجلي له بلا سبب ؛ ولذلك وصف الله - تعالى - بالعلم ، ولم يوصف بالإيقان ، ولا يقال : إنه موقن ؛ لما ذكرنا : أن أحدهما يكون بأسباب والآخر لا - والله أعلم - فيتمكن في الإيقان أدنى شبهة وشك ، وقد يعمل غالباً لأسباب على حقيقة الأعمال ؛ نحو المكره على الشرّ يعلم بما أوعد به بغالب أسبابه ليس على الحقيقة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : بدا لهم أنّ الأعمال في الدنيا أنها أسباب في الآخرة ؛ لأنهم عملوها في الدنيا وعندهم أنها حسنات ، فيظهر لهم في الآخرة أنها سيئات . والثاني : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } أي : ظهر لهم في الآخرة وتذكروا سيئات ما عملوا في الدنيا والآخرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : نزل بهم ، ووجب ما كانوا يستعجلون من الرسل ، وهو العذاب الذي كانوا يوعدونهم ؛ لأنهم كانوا يستعجلون ذلك استهزاء منهم بهم بأنه غير كائن ، ولا نازل بهم ما كانوا يوعدونهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } ، والإشكال : أنهم كيف ينسون يومئذ ؟ لأنهم لو كانوا ينسون ، لسلموا من العذاب ، لكن ما ذكر من النسيان يخرج على وجهين : أحدهما : كنى بالنسيان عن الترك ؛ يقول : اليوم نترككم في النار وفي العذاب كما تركتم أنتم العمل لذلك اليوم والنظر فيه . والثاني : على التمثيل ؛ أي : اليوم نصيركم في النار كالشيء المنسي لا يكترث إليكم ، ولا يلتفت ، ولا يعبأ بكم كما صيرتم أنتم ذلك اليوم كالشيء المنسي ، لم تكترثوا إليه ، ولم تعملوا له ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } جعل الله - تعالى - النار لهم مأوى بإزاء كل ما افتخروا في الدنيا على رسل الله - عليهم السلام - وأتباعهم من المنازل ، والمراكب ، والملابس ، وغير ذلك ، وأخبر أنه لا ناصر لهم يملك إخراجهم من تلك النار والمأوى الذي جعل لهم ، ولا يقدر دفع ذلك عنهم ، والله أعلم . ثم أخبر أن بعض ذلك الذي أصابهم ونزل بهم إنما كان بما ذكر من اتخاذهم آيات الله هزوا في الدنيا ، هزوا بها وسُخراً بالرسل ، عليهم السلام . ثم آيات الله يحتمل ما ذكرنا من آيات وحدانيته وألوهيته ، أو آيات قدرته وسلطانه على البعث ، أو آيات رسالة الرسول ، عليه السلام . وقوله - عز وجل - : { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } قد ذكرنا فيما تقدم معنى نسبة التغرير إلى الحياة الدنيا ، وإضافته إليها وإن لم يكن منها على التحقيق تغرير وخداع ، وهو أنهم إنما اغتروا بها ، فنسب فعل التغرير إليها ، هي غرتهم ، وقد ينسب الفعل إلى السبب الذي به صار ذلك ، وإن لم يكن منه حقيقة ذلك ؛ نحو قوله - تعالى - : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] أي : يبصر به ، وذلك كثير في اللغة . أو يقال : إن ما كان منها ، لو كان ذلك ممن يحتمل التغرير ويملك ذلك كان تغريراً ، والله أعلم . وقوله : { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } اختلف في قوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } : قال بعضهم : إنهم يعاتبون إلى أن يدخلوا النار : إنكم فعلتم كذا ، وتركتم كذا ، ولم فعلتم كذا ؟ فإذا دخلوا النار يترك العتاب ويجعل كالشيء المنسي فيها ، والله أعلم . وقال بعضهم : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } أي : لا يسترجعون إلى ما يطلبون من العود والرجوع إلى العمل الصالح ؛ لقولهم : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ … } الآية [ فاطر : 37 ] . ثم في قوله : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } ، وقوله : { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ … } الآية [ الكهف : 53 ] ، وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] - دلالة ألا يجب أن يفهم على ظاهر ما خرج الخطاب ؛ لأنه ذكر الظن في المؤمنين ، والمراد به : الإيقان ، لا ظاهر الظن ، وذكر في الكافرين الظن وأريد به الحقيقة ، ولا يجوز أن يفهم من الظن في الفريقين معنى واحد ، بل يفهم من هذا غير الذي فهم من الآخر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إن جميع ما ذكر في القرآن من الحمد له فإنما ذكر لأحد شيئين : أحدهما : بما يستحق من الثناء بتعاليه عن جميع معاني الخلق وأوصافهم . والثاني : بما يستحق من الثناء [ بتفضله ] عليهم بالنعم والإحسان الذي منه إليهم ، وهو ما قال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] و { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } [ الأنعام : 1 ] ، ونحو ذلك ، والله أعلم . وأصل آخر : أنه إذا أضيفت كلية الأشياء إلى الله - تعالى - ففيه وصف له بالعظمة والجلال وإذا أضيفت جزئية الأشياء إليه وخاصيتها ، فإنما فيه تعظيم تلك الخاصية المضافة إليه ، وفي قوله - تعالى - : { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إضافة كلية الأشياء إليه والخاصية والجزئية ، ففيه الأمران جميعاً ، فإن قوله - عز وجل - : { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ } إضافة جزئية الأشياء إليه وخاصيته ، وقوله - عز وجل - : { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إضافة كلية الأشياء إليه ، والله أعلم . وقد تقدم ذكر الرب في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : وله الوصف بالكبرياء والعظمة على أهل السماوات وأهل الأرض أن يصفوه بالكبرياء والعظمة . أو : من حقه على أهل السماوات وأهل الأرض أن يصفوه بالكبرياء والعظمة والجلال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : هو العزيز الذي لا يلحقه الذل بخلاف الخلق له ولا بعصيانهم . أو { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ } بما به يتعزز من أعز دونه ، ومن وصف بعز دونه ، فذلك راجع في الحقيقة إليه ، { ٱلْحَكِيمُ } الذي وضع كل شيء موضعه ، أو الحكيم الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، والله الموفق ، والحمد لله رب العالمين .