Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } قد ذكرنا تأويله فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } . قوله - عز وجل - : { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي : [ ما ] خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي صار [ به ] إنشاء ذلك وخلقه حكمة ؛ لأنه لو كان الأمر على ما ظن أولئك الكفرة وتوهموا بأن لا بعث ولا جزاء من ثواب وعقاب كان إنشاء ما ذكر من السماوات والأرض وخلق ذلك كله - عبثاً باطلا على ما تقدم ذكره في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } يحتمل { عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } وجوها : أحدها : أي : بما ألزمهم من النظر والتفكر فيما ذكر من خلق السماوات والأرض ، وما أنشأ فيهما من المنافع ، وجعل ذلك لهم آية ، لم يفعل ذلك كله عبثاً باطلا ، ولكن لعاقبة تقصد ، ولأمر يراد ؛ إذ عرفوا بعقولهم : أنه لا يجوز خلق الخلق على أن يهملوا ويتركوا سدى لا يؤمرون ، ولا ينهون ، ولا يمتحنون ، فأعرضوا عما ألزمهم من النظر والتفكر في ذلك فهم معرضون إعراض ترك النظر والتفكر ، والله أعلم . والثاني : ما أنذروا بما نزل بمن تقدمهم من مكذبي الرسل ، عليهم السلام . والثالث : بما أنذر وأوعد لهم من العذاب في الآخرة ، فهم معرضون عن ذلك كله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يحتمل أن يكون ما ذكر كله موصولا بعضه ببعض . ويحتمل أن يكون بعضه مفصولا عن بعض . فإن كان على الوصل ، فكأنه يقول : أرأيتم ما تعبدون من دون الله من الأصنام وتدعونها آلهة : هل خلقوا مما لكم من المنافع ، ومما به حياتكم وقوامكم ومعاشكم مما يخرج [ من ] الأرض ، أو هل ينزلون لكم من المنافع التي جعلت لكم في السماء من الأمطار وغيرها . أو هل أتاكم كتاب من عند الله فيه أنه أمركم بعبادة من تعبدونه { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } هو يخرج على وجهين : أحدهما : أو جاءكم من الحكماء الأولين المتقدمين كتاب أو قول فيه الأمر بذلك ، واستخرجتم من العلوم ذلك ؛ ففعلتم به ؟ يقول - والله أعلم - : إن الأسباب التي تحمل الناس على العبادة والخدمة لهم هذه الوجوه : إما منافع تتصل بهم منهم مما به قوامهم ومعاشهم وحياتهم وإما كتاب من الله - تعالى - فيه حجة لهم ، وأمر لهم في ذلك ، أو كتاب من الحكماء والرسل يأمرون لهم ، وهم قوم لا يؤمنون بالرسل ، ولا بالكتاب ، وليست لهم علوم مستخرجة من العلوم ، يقول : ليس لكم [ شيء ] مما ذكر من الأسباب والعلوم فبم عبدتموها ؟ وكيف اخترتم عبادتها على عبادة من عرفتم أن ما به قوامكم وحياتكم منه ؟ ! والله أعلم . وإن كان مفصولا من بعض فيكون كأنه يقول : { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } من المنافع وغيرها ، { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } فيما ذكر ؟ فإن قالوا : قد خلقوا ما ذكر ، ولهم شرك فيما ذكر ، فقل لهم { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ } من كتاب الحكماء أو العلوم المستخرجة من العلوم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنهم خلقوا ما ذكرتم ، أو لهم شرك فيما ذكر - والله أعلم - وقد علموا أنهم لا يقدرون أن يرونه ما ذكر ؛ لما لم يكن لهم من هذه الأسباب شيء ؛ إذ هي أسباب العلم ، وقد عجزوا عن ذلك كله . ثم قوله - عز وجل - : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } قال بعضهم : أو خاصة من علم . وقال بعضهم : أو بقية من علم أوائلهم ؛ وهو قول القتبي ؛ أي : بقية من علم يؤثر عن الأولين ، ويقرأ { أثرة } و { إثارة } ، وأصله ما ذكرنا من الوجهين : أحدهما : كتاب الحكماء والرسل . والثاني : العلوم المستخرجة من سائر العلوم . وقال بعضهم : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } هو الخط ؛ وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان نبي من الأنبياء - عليهم السلام - يخط ، فمن صادف مثل خطه علم " . وقال أبو عوسجة : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } أي : قديم من علم ، قال : ذا الأثارة : الشحم القديم . وقيل : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } أي : رواية عن الأنبياء عليهم السلام . ثم ذكر سفههم وبين نهاية تعنتهم ، وهو قوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ؛ لأنه لا يملك إجابته ولا يحتمل ذلك . والثاني : لا يستجيب له إلى يوم القيامة ، ثم إذا جاء به يوم القيامة أجابه باللعن والتبري ، كقوله - تعالى - : { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] ، وقوله - عز وجل - : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } [ البقرة : 166 ] ، وقوله - تعالى - : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } [ يونس : 28 ] ، وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر تبرى بعضهم من بعض ، ولعن بعضهم بعضاً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } لم يكن منهم لهم أمر بذلك ولا دعاء ولا شيء من ذلك ، كقوله - تعالى - : { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } [ يونس : 29 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } هو ما ذكرنا أنه يصير بعضهم لبعض أعداء يتبرءون منهم ، ويلعنونهم ، ويكفرون بعبادتهم .