Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 7-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي : بينات أنها من الله تعالى . أو بينات : واضحات ، ما يبين لهم ما عليهم مما لهم ، وما لبعض على بعض وما لله عليهم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } يحتمل أن يكون الحق الذي قالوا : إنه سحر ، هو تلك الآيات البينات التي ذكر أنها بينت عليهم قالوا لها : إنها سحر ، ودل قولهم : إنها سحر ، على أنها كانت معجزات خارجات عن وسعهم ، حيث نسبوها إلى السحر . وقوله - عز وجل - : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } هذا حرف المنابذة ، يقول : إن افتريته فلا تملكون أنتم دفع عقوبة ذلك الافتراء عن نفسي ، وهو كقوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } [ هود : 35 ] يقول : علي إثم ذلك وجرمه ، وإنما يقال هذا عند انتهاء الحجج والبراهين غايتها ، حتى لا يطمع منهم القبول والنجع فيهم ، ويؤيس منهم ، فعند ذلك يقال وينابذ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي : بما تخوضون فيه ، يقول هذا ويذكر ؛ لئلا يقولوا ولا يدعوا غفلته عن ذلك ؛ بل يذكرهم أنه كان عالماً بما يسرون ويعلنون . وقيل : { تُفِيضُونَ } من قولهم : أفاضوا ، إذا علموا وتحدثوا ؛ وهو قول القتبي . وقوله - عز وجل - : { كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : يشهدون في الآخرة : أنّه قد بلغ رسالته . والثاني : أي : كفى به شهيداً بيني وبينكم في الدنيا بما علم ما كان منهم من الشرك والتكذيب ، ومني من التبليغ ، فهو شاهد بما كان مني ومنكم في الدنيا من سرّ وعلانية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ذكر هذا في هذا الموضع على إثر ما ذكر من غاية سفههم وتعنتهم - والله أعلم - كأنه يقول : إنكم وإن بلغتم في السفه ما بلغتم فإنكم إذا رجعتم عن ذلك وتبتم يغفر لكم ما كان منكم ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الأحقاف : 5 ] إن كان على حقيقة العبادة فهو صلة قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ … } الآية [ الأحقاف : 4 ] ؛ يقول - والله أعلم - : ومن أضل ممن يعبد من لا يملك ما ذكر من خلق الأرض ، ولا له شرك في السماوات وما ذكر ، وترك عبادة من خلق السماوات ، وخلق الأرض ، وشهد كل شيء له بذلك ، وأتى بالحجج والبراهين على ذلك ؛ أي : لا أحد أضل ممن ترك عبادة من هذا وصفه ، وصرف العبادة إلى الذي لا يملك شيئاً من ذلك ، والله أعلم . وإن كان على الدعاء نفسه فهو صلة ما ذكر من قوله : { لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ } [ الأحقاف : 5 ] أي : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يملك إجابته ، ولا يسمع دعاءه ، وترك دعاء من يملك إجابته ويسمع دعاءه ، ويقدر قضاء ما يدعون ويسألون ؛ أي : لا أحد أضل ممن اختار دعاء من لا يملك شيئاً من ذلك على دعاء من يملك ذلك كله ؛ يسفههم في صنيعهم واختيارهم على ما اختاروا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } كأن هذا إنما ذكر - والله أعلم - لإنكار أهل مكة الرسل من البشر ، واستعظامهم وضع الرسالة فيهم ، فقال عند ذلك : { مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي : لست أنا بأول رسول من البشر ؛ بل لم يزل الرسل من قبل كانوا من البشر في آفاق الأرض وأطرافها ، فما بالكم تنكرون رسالتي ؛ لأني كنت من البشر وتستعظمونها وسائر الرسل الذين من قبلي كانوا من البشر ؟ ! والله أعلم . قال أبو عوسجة : { مَا كُنتُ بِدْعاً } أي : ما أنا بأولهم ، قد أرسل قبلي . وقال القتبي : وما كنت بدءاً منهم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } هذا يخرج على وجوه : أحدها : أي : ما كنت أدري قبل ذلك ما يفعل بي ولا بكم : أرسل ، وأختص للرسالة ، وأختار لها ، وأبعث إليكم ، وتلزمون أنتم اتباعي والإجابة إلى ما أدعوكم إليه ، والله أعلم . والثاني : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } من إخراجي من بين أظهركم وإهلاككم كما فعل بالرسل الذين كانوا من قبل وأقوامهم ، أمروا بالخروج من بين أظهرهم ، ثم تعقب ذلك استئصال قومهم ؛ أي : ما أدري أيفعل بي وبكم ما ذكرنا كما فعل بمن تقدمنا من الرسل وقومهم ، والله أعلم . والثالث : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } مخافة التغيير عليه والتبديل ؛ ولم يزل الرسل - عليهم السلام - يخافون تغيير الأحوال عليهم ، وتبديل ما أنعم عليهم ، وذهاب ما اختصوا هم به ؛ كقول إبراهيم - عليه السلام - : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] وقال شعيب - عليه السلام - : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } الآية [ الأعراف : 89 ] ، وما ذكر في سورة يوسف - عليه السلام - : { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } الآية [ يوسف : 76 ] ، وقول يوسف - عليه السلام - : { تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] ، وقول يعقوب - عليه السلام - : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [ البقرة : 132 ] ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك " لم تزل كانت الرسل - عليهم الصلاة والسلام - على خوف من تغيير الأحوال التي كانوا عليها ، فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أتغير على وعليكم الأحوال التي نحن عليها اليوم أم نترك على ذلك ؟ وحقيقة هذا الكلام على الاستقصاء قد مرت ، والله أعلم . وذكر بعض أهل التأويل : " أن أهل مكة كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين - بأنواع الأذية ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلقون منهم ، فقال : " إني لم أومر بشيء فيهم من القتال وغيره فاصبروا على ذلك ، ولكني رأيت في المنام أن أهاجر إلى أرض أخرى ذات … " كذا ؛ فاستبشروا بذلك ، [ و ] مكثوا بعد ذلك زماناً لا يرون شيئاً مما ذكر ، فشكوا إليه ثانياً بما يلقون منهم ، وقالوا : ما نرى ما قلت لنا من الخروج عنهم ، فقال : " إنما رأيت ذلك في المنام ولم يأت به وحي من السماء أيكون ذلك أم لا يكون ؟ " أو نحو هذا من الكلام ، وهذا لا يحتمل أن يكون ؛ فإنه لا يُظن بأصحابه - رضي الله عنهم - أن يقولوا له : ما نرى الذي قلت لنا من الخروج عنهم ، وفي ذلك اتهامه بذلك ، وترك تعظيمه ، ولا نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : " أنا رأيت ذلك في المنام ، ولم يأت به وحي من السماء " ؛ جواباً لقولهم ، ورؤيا الأنبياء - عليهم السلام - كالوحي من السماء ، دل أن هذا لا يحتمل أن يصح ويثبت ، والله أعلم . وإنما جائز بعض ما ذكر في القصة من الشكاية منهم من الأذى ، والوعد لهم بالخروج من بينهم ، والله أعلم . والوجوه التي ذكرنا أشبه وأقرب إلى العقل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ظاهر . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ … } الآية . قال بعضهم : إن عبد الله بن سلام آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد أنه رسول الله ، ثم شهد بمثل ذلك ابن يامين . وقال بعضهم : شهد ابن يامين أولا : أنه رسول ، وآمن وصدقه ، ثم شهد بمثله ابن سلام ، والله أعلم . والأشبه في هذا أن يكون قوله - تعالى - : { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } التوراة أو موسى - عليه السلام - على ذلك ، كقوله - تعالى : { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً } [ الأحقاف : 12 ] شهد كتاب رسول الله ورسوله - عليه السلام - والله أعلم . ولأن عبد الله بن سلام إنما أسلم بالمدينة ، وكذلك ابن يامين ، وهذه السورة مكية ، لكنهم يقولون : هذه السورة مكية إلا هذه الآيات الثلاث ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } يحتمل أن يكون هذا القول من الأجلة والرؤساء منهم الذين كان منهم صلة الأرحام وأنواع الخيرات والأعمال الصالحة ، قالوا : إنا قد سبقناهم في الخيرات سوى ذلك ، فلو كان ذلك الذي تدعونا إليه خيراً ما سبقونا كما لم يسبقونا إلى سائر الخيرات . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي : وإذ لم يهتدوا به هم من بيننا فيقولون : هذا القرآن إفك قديم ، أي : كذب قديم ، فكأن قولهم : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } بحق الاحتجاج ، وقولهم : { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } تكذيب منهم ورد لذلك . ثم قوله : { إِفْكٌ قَدِيمٌ } يقولون - والله أعلم - : لم يزل من ادعى الرسالة يدعي على الله ما يدعي محمد صلى الله عليه وسلم من إنزال الكتاب عليهم ، وبعثه إياهم ابن سلام إلى الناس يطلب الرسالة له عليهم . وقوله - عز وجل - : { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً } أي : إماماً يقتدى به ، ورحمة لمن اتبعه في دفع العذاب عنه . وقوله - تعالى - : { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } ذكر - هاهنا - مصدق ، ولم يذكر أنه مصدق لماذا ؟ لكن قد ذكر في غير آي من القرآن { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ البقرة : 97 ] ، ثم قوله : { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ البقرة : 97 ] يحتمل : أي : موافقاً لما لم يحرف ولم يغير من تلك الكتب ؛ لأن تلك الكتب قد حرفوها وغيروها ، ولم يحرف هذا الكتاب ، وقد حفظه الله - تعالى - عن التبديل والتغيير ، فهو مصدق موافق لما لم يغير ولم يحرف من تلك الكتب ، والله أعلم . وقوله : { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } أي : أنزله بلسان عربي ؛ ليعلم أنه لم يأخذه محمد صلى الله عليه وسلم من تلك الكتب ؛ لأن تلك الكتب كانت على غير لسان العرب ، ولسانه عربي ، ولكن جاءه من الله - تعالى - بلسانه . وقوله - عز وجل - : { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } فمن قرأ : { لِتُنذِرَ } بالتاء فتأويله : لتنذر يا محمد الذين ظلموا ، ومن قرأ بالياء { لِّيُنذِرَ } أي : لينذرهم القرآن ، وقد ذكرنا فيما تقدم تفسير النذارة والبشارة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } الاستقامة تحتمل وجهين : أحدهما : أي : { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } على ذلك القول الذي قالوا ، وثبتوا على ذلك ، ولم تتغير ، ولم تتبدل حالتهم تلك ، والله أعلم . والثاني : { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } بحق الوفاء بالعمل بما أعطوا بلسانهم وقلوبهم { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وقد ذكرناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } جعل ذلك لهم جزاء أعمالهم بفضله ورحمته ، لا أنهم يستوجبون ذلك بنفس عملهم ، ولكن بالتفضل والرحمة ، وذكر جزاءه الأعمال فضلا منه .